كل من يحاول اليوم كتابة شيء يخالف ما تروجه المنابر الإعلامية الإمبريالية إلا ويتم نعته بالسباحة عكس التيار، وما أحوجنا إلى ممارسة هذه الرياضة الصحية التي تكسبنا المناعة ضد سموم الإمبريالية والانتهازية على السواء، حيث لا يمكن السكوت عن الوضع الراكد في صفوف الحركة الماركسية ـ اللينينية التي استسلمت طواعية لعبة الإمبريالية فيما بات يسمى جائحة 2020، التي ليست إلا فصلا من فصول النتائج الفظيعة لسيطرة التحالف الاحتكاري العالمي الاقتصادي والسياسي المهيمن منذ سقوط التجربة السوفييتية.
لقد استحالت روسيا والصين إلى امبرياليتين صاعدتين تغذيان الإمبريالية العالمية بواسطة شرايينها التي تمتص ما تبقى من دماء الشعوب المضطهدة بأسيا وإفريقيا، في تكامل تام للعبة السياسية فيما بات يسمى صراع القطبين خدمة للمشاريع الاستعمارية الإمبريالية، وتم تفجير هذه اللعبة السياسية عبر نشر كورونا الفيروس الفتاك، الذي توظفه الإمبريالية اليوم لإرهاب الشعوب والقمع الشامل للحركات الثورية عبر العالم.
لقد صدق العالم أكذوبة الفيروس المنبعث من الطبيعة وأشعرت الإمبريالية هذا السلاح الفتاك الذي تتابع حركته المميتة لقمع الشعوب، واضطهاد الفقراء وخاصة منهم العمال الذين امتص الرأسمال المالي الإمبريالي قوة عملهم بالمعامل، المناجم والخدمات، وأنهك صحتهم البدنية بتلوث المدن ونشر الأمراض في صفوفهم، حتى باتوا يسقطون جثثا هامدة بالمستشفيات ودور العجزة وفي منازلهم، ولا من يشيع جنازاتهم وأصبحوا أرقاما تتداولها المنابر الإعلامية الافتراضية.
إنها أكبر مجزرة يعرفها التاريخ المعاصر، وقعت في صفوف الطبقة العاملة التي بنت صرح الشركات الإمبريالية العابرة للقارات، التي راكمت رساميلها المالية في البنوك الإمبريالية، واليوم يتم جمع جثثها في أكياس بلاستيكية في مهرجانات جنائزية رهيبة، أقل ما يمكن القول عليها أنها مساوية، جفت العيون من دموعها، فأصبح الموت شيئا عاديا في أعين الأحياء الأموات، القابعين في حجرهم المفروض بعد تمكن الإمبريالية من نشر الفيروس الفتاك، عبر ما بات يسمى مناعة القطيع، التي صرح بها كبير الإمبرياليين بإنجلترا وصنوه بأمريكا، قبل بداية المجزرة، ليس كما يدعون أنهم مخطئون، بل هم يعلمون علم اليقين خطورة هذه الحرب القذرة.
ولإتمام مجازرهم في صمت مطبق للشعوب يلجؤون إلى الحجر، قمع الشعوب، من أجل استرجاع أنفاس الرأسمال المالي المنهك بالأزمات طيلة 30 سنة، تم فيها نشر الحروب اللصوصية التقليدية عبر العالم، فأصبح كل الثوريين، وما هم بثوريين، أمام فاجعة مجزرة الطبقة العاملة، يرفعون رايات العزاء عبر العالم.
إن الإمبريالية اليوم ترتب أحوالها، في نادي تحالف اتحادات الاحتكاريين الاقتصاديين والسياسيين، لمواجهة نتائج حربهم القذرة على الشعوب، كعادتهم في كل الحروب الإمبريالية، وبقي الماركسيون اللينينيون يراجعون أسفارهم علهم يجدون هناك جوابا، قيل في إحدى التجارب الثورية السابقة.
وفي هذا الصدد، وقبل ثلاثة أشهر بالضبط، من انطلاق هذه الحرب القذرة بووهان بالصين، صدر "بيان" عن "موقع 30 غشت" بعنوان "بيان حول طبيعة الثورة، الجبهة والحزب في خط منظمة - إلى الأمام – الثوري".
هذا البيان الذي أتى ليختم مرحلة من مسار تصفح أسفار تجربة منظمة إلى الأمام، التي دأب ما بات يسمى "موقع 30 غشت" على نشرها دون نقدها، في تكريس فاظع لنشر أخطاء الماضي والسير على خطاها نحو الهاوية، التي تنتظر كل المتعاملين معها بكل دغمائية عمياء إلى حد تقديسها، هذا الموقع الذي يعتبره أصحابه منبرا للخط الثوري لمنظمة إلى الأمام طرح هذه الورقة على أنها "بيانا"، ليفتح صفحة جديدة تعبيرا عن شكل تنظيمي معين، يستوجب أن يحظى بكل اهتمام، في سياق نقد كتابات أصحاب الموقع، وجاء هذا النص ليؤكد ما أشرنا إليه في عدة مقالات سابقة، تهم موضوع نقد كتاباتهم، لكشف الأخطاء القاتلة لذا أصحاب هذا الطرح، أخطاء "الماوية" عامة.
تناول البيان "طبيعة الثورة" المغربية، كما جاءت في مقدمته، يطرح أكثر من تساؤل، انطلاقا من الأسس المادية للثورة في السبعينات من القرن 20، ومسألة الفصل بين الخط الثوري والخط التحريفي، في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، خاصة منظمة إلى الأمام، وطرحت الورقة مسألة فرز الخط الثوري، من منطلق القول به فقط : الإرادة، وليس من منطلق الأسس المادية.
وتناول مفهوم "الجبهة" في علاقتها بالحزب، في ظل مهمة بناء الحزب الثوري، التي لم يتم إنجازها بعد، إلا في تفكير هؤلاء السادة، مما يجعلها مهمة سريالية، مثالية، إذ لا يكفي القول بالفكر الثوري دون إنجاز هذه المهمة، مما يتطلب مراجعة أسس تفكير هؤلاء السادة.
كل ما جاء في مقدمة هذه الورقة : ال"بيان"، يعيد نفس التصور لدى أصحابنا، بإعادة المقاربة، غير المنسجمة، ما بين الطرح اللينيني للثورة وما يسمونه "الماوية"، فالمقدمة عبار عن إسهاب وتكرار لنفس الأفكار، التي وردت في كتاباتهم السابقة، في اجترار لنفس الأسطوانة، من أجل إقناع الماركسيين اللينينيين المغاربة، بإلحاق الخط الثوري للمنظمة بما يسمى "الماوية".
لا نريد الدخول في تفاصيل هذه المقدمة، حتى لا نضيع وقت القراء، لكونها لا تستحق ذلك، حيث لم تأت بجديد، بقدر ما هي تعبير عن نفس أساليب السياسوية لدى الإصلاحية، خاصة لما يتعلق الأمر بالحديث عن الخط التحريفي، وبأسلوب خال من الطرح الطبقي للمسألة، فالحديث عن لينين والتحليل اللينيني، بعيد كل البعد عن مضمون هذه الورقة، كما رأينا ذلك في نقد كتاباتهم السابقة، فلا داعي لتناول أسلوبهم بالنقد.
خلصت المقدمة إلى أن "ومن أجل تحقيق مشروعها الثوري، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، طرحت منظمة "إلى الأمام" الماركسية ـــ اللينينية، بناء "الجبهة الثورية الشعبية" قيادة لهذه الثورة، فهي صيغتها السياسية والتنظيمية، وهي بدورها، أي الجبهة، يكون محورها الأساس هو التحالف العمالي ــ الفلاحي بقيادة البروليتاريا عن طريق حزبها الماركسي ــ اللينيني الثوري، وقاعدتها "لجان النضال الشعبي"، اللجان الثورية للعمال والفلاحين والجنود والشباب، والتي تشكل في واقع الكفاح الثوري للجماهير، أسس السلطة الثورية لمجالس العمال والفلاحين والطبقات الثورية للشعب (المجالس الشعبية)، ووسيلتها الرئيسية في تطبيق برنامجها الثوري، برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية المنبثق عن هذه اللجان الثورية، والقائم على مبدأ القضاء على البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، هيكل الاستعمار والاستعمار الجديد للإمبريالية وعملائها المحليين."، كما جاء في ال"بيان".
هذا الطرح يتطلب مزيدا من التوضيح، فالمنظمة لم تستكمل تفاصيل مشروعها الثوري : مهام الجبهة، قبل استشهاد الشهيد عبد اللطيف زروال في 1974، هنا توقف الخط الثوري للمنظمة، وليس في 1980، كما توقف البرنامج الثوري للجبهة، بعد وضع أسسها العامة، وتوقفت مهمة بناء الحزب الثوري، وما قام به أصحابنا في هذه الورقة ليس إلا إعادة ما جاء في الأوراق الثورية للمنظمة قبل نونبر 1974، مع إلصاق ما يسمى "الماوية" من طرف أصحاب أوراق 1976.
فمنذ ما يناهز نصف قرن، جاء أصحابنا لاستعراض نفس الفكرة، التي يمكن أن نتفق عليها نسبيا، لكن لم يضيفوا لها شيئا يذكر، إلا بعض التنميقات، من أجل القول بأن هذا هو الطرح "الماوي" للثورة، وقد أقرت به المنظمة، وما زال صحيحا إلى حد الساعة.
إن إشكالية مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، التي جاءت في الورقة، يحيلنا إلى ضرورة التدقيق في المفاهيم، فالثورة هي وطنية، بمعنى أنها من أجل الدافع عن الوطن، ضد القوى الاستعمارية، أي هناك استعمار : الإمبريالية، وهي ديمقراطية : من أجل سيادة الديمقراطية، أي هناك بقايا الإقطاع، ما قبل ـ رأسمالية، وهي شعبية، أي أنها تشمل جميع قوى الشعب، التي تلتف حول الحرب الوطنية الثورية، بمعنى أن مسألة الصراع الطبقي، لم تحسم بعد بشكل نهائي، وفي ظل الحرب جميع القوى تحارب، ضد الاستعمار، لكن دون أن ننسى أن هناك قوى رجعية، في خدمة بقايا النظام القديم المتحالف مع القوى الاستعمارية، حتى هنا يمكن أن نتفق، هنا نتحدث عن طبيعة الثورة، أي مرحلة من الحرب الثورية ضد الحرب الإمبريالية، وهي حرب وطنية ثورية، قوامها تحالف العمال والفلاحين، وتستمر إلى حين حسم الصراع الطبقي لصالح البروليتاريا.
هذا المفهوم، حولته "الماوية" إلى أسلوب جديد للديمقراطية، وسمته الديمقراطية الشعبية، وهنا يتم التحريف، لأن صفة الشعب : الشعبية، لا يجوز إلصاقها بالديمقراطية، من منطلق المنظور الماركسي اللينيني، الذي حددها في صفتين متناقضتين : الديمقراطية البروليتارية ضد الديمقراطية البرجوازية، ولا ثالث لهما، إلا في ذهن التحريفية، وضمنها "الماوية" التي تسميها : الديمقراطية الجديدة، لكون صفة الجديد، لا أساس طبقي لها، إلا من منظور المثالية الذاتية، كما هو الشأن في مصطلحات : الجبهة الثورية الشعبية، لجان النضال الشعبي، الطبقات الثورية للشعب، كل هذه المصطلحات المقرونة بصفة الشعب، لا أساس طبقي لها.
وجاء في هذه الورقة ال"بيان"، هدف هذه الجبهة هو تحطيم "البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية"، هذا الاستعمال التعسفي لمصطلح "الكمبرادور"، يعيد نفس التفكير، أي وكلاء الإمبريالية، قد نتفق عليه نسبيا، لكن ما لا يمكن أن نتفق عليه، هو صفته الطبقية : البرجوازية التجارية، فدولة البرجوازية التجارية والإقطاع، هي التي كانت سائدة قبل الاستعمار، قبل بروز الإمبريالية، هذه الطبقة هي التي تملك السلطة، وباعت الوطن للمستعمر، لما اشتدت ثورة الفقراء، الفلاحون والعبيد، وتم تتويج هذه الثورة، بأول دولة وطنية ديمقراطية، منبثقة عن الحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية : دولة الريف الوطنية الديمقراطية، نتفق أن هذه التجربة عرفت تطورا في الصين وفيتنام، لكن هل مازالت نفس تلك الشروط قائمة إلى حد الآن ؟ ذلك ما لم تتطرق له هذه المقدمة.
كل ما جاء في هذه الورقة، هو، نفس أسلوب التعبير السياسوي، الذي لا يقدم جديدا كما يلي : "إن الجبهة الثورية الشعبية التي دعت منظمة "إلى الأمام" إلى بنائها، ليست تحالفا بين قوى وأحزاب سياسية، فهذه الأخيرة، تحولت، في سيرورة تفكيك النظام الملكي الكمبرادوري لها وتقلص نفوذها السياسي داخل طبقاتها الاجتماعية نفسها، إلى تجمعات فئوية من السياسيين مندمجة في النظام نفسه، ولا تمثل في واقع الصراع الطبقي إلا مصالحها الفئوية الضيقة. بل إن هذه الجبهة في خط المنظمة الثوري، هي تحالف موضوعي بين كل الطبقات المعادية حقا للبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية، فيها يكون التحالف العمالي ــ الفلاحي بقيادة البروليتاريا عن طريق حزبها الماركسي ــ اللينيني الثوري، حزب البروليتاريا المغربي، القطب المحوري الجاذب والقائد لكل تلك الطبقات المعادية موضوعيا للإمبريالية وعملائها المحليين، بانصهاره في النضالات الجماهيرية وقيادته لها، ومن خلال تلك النضالات، تتهيكل التنظيمات القاعدية الثورية (اللجان الثورية) للجبهة، أداتها ووسيلتها في ممارسة السلطة الثورية للعمال والفلاحين."، هذه الفقرة التي ختم بها أصحابنا هذه المقدمة.
إن ما جاء في هذه الفقرة، عبارة عن كلام عابر، لا أساس مادي له، وهو خليط من الكلمات، وتعبير عن الفكر السياسوي، القريب من الشعبوية، التي تعتبر القراء سذجا، كالقول ب"ليست تحالفا بين قوى وأحزاب سياسية"، في كلام غير منسجم منهجا، من المنظور الماركسي اللينيني، الذي يدعي أصحابنا أنهم ينتمون إليه، والقول ب"قوى وأحزاب سياسية"، ما هي هذه القوى وما هي هذه الأحزاب، بحكم نقطة الضعف التي مازالت قائمة، في جسم الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، غياب الحزب الثوري، يقوم أصحابنا بتوزيع الكلام، في سمفونية قديمة، تعيد نفس الألحان القديمة، في موت بطيء، وكما جاء في "تحالف موضوعي بين كل الطبقات المعادية حقا للبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية"، في تعويم لمفهوم الطبقة والطبقية، فالماركسية حددت أن طبقتين أساسيتين هما اللتان تشكلتا تاريخيا، الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، وأيديولوجيتيهما المتناقضتين، الأولى ثورية والثانية رجعية، أما الطبقة الوسطى بجميع فئاتها فهي متذبذبة، وكان حريا على أصحابنا أن يبينون، ماذا يعني "كل الطبقات"، وما هي هذه الطبقات، وهل هناك طبقة منسجمة بشكل مطلق ؟
ذلك ما لا يستطيع أصحابنا الخوض فيه، نظرا لمنطلقاتهم المثالية الذاتية، التي تقودهم إلى ممارسة السياسوية، التي في إطارها جاء إصدار هذا ال"بيان"، الموجه ليس للطبقة، إنما لمن يعتبرونهم خصوما، من أجل التعبير عن الذات، بالقول : إننا موجودون، ونمثل الخط الثوري للمنظمة، فإلى متى يستمر هذا التهافت حول سراب الثورة ؟
ذهب ال"بيان"، في تحليله للصراعات الطبقية بالمغرب، والطريق الثوري، مذهب ما يسمى "الماوية"، التي يعتبرها أصحاب ال"بيان"، أعلى مستوى في الديالكتيك الماركسي، من أجل القول أن منظمة إلى الأمام من صلب "الماوية"، وأن مستقبل الثورة المغربية لا يخرج عن هذا النطاق.
في تحديد القوى المساهمة في الثورة، جاء في ال"بيان" ما يلي : "فتحالف البروليتاريا (القوة الأساسية) ـــــ الفلاحين الفقراء (القوة الرئيسية) بقيادة البروليتاريا عن طريق حزبها الثوري، هو القوة المحددة والمحركة لهذه الجبهة الثورية الشعبية، وهذه الأخيرة بدورها، هي القوة المحركة للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وهذا انطلاقا من طبيعة التناقضات المحركة لكل التشكيلة الاجتماعية، حيث التناقض الأساسي بين البروليتاريا والفلاحين الفقراء من جهة، والبنية الإمبريالو ــ كمبرادورية من جهة ثانية."، هنا يتم استعمال كلمتين، يسميهما أصحابنا "الماويين" إبداع في الديالكتيك : "الأساسي" و"الرئيسي"، للفصل بين قوتين متحالفتين في الحرب الوطنية الثورية، كما يدعون من خلال هذا النص.
وهم يتفقون مع الطرح اللينيني للثورة، فيما يسميه لينين "التحالف الحربي بين البروليتاريا والفلاحين"، فيما يسمونه "الجبهة الثورية الشعبية"، يغيرون الكلمات ويقولون أنهم يطورون الماركسية، ويقسمون هذا التحالف إلى "الأساسي" أي البروليتاريا، و"الرئيسي" أي الفلاحون الفقراء، ولكن لم يحددوا من هم هؤلاء الفلاحين الفقراء، فلينين تحدث عن الفلاحين المنتجين، أي أصحاء الأرض، أي الصغار والمتوسطين، ومعهم الفقراء بدون أرض، أي أشباه البروليتاريا، في هذا التحالف في مواجهة الكولاك، وليس الفقراء بدون أرض، أي العاملين في الأرض، وليس الملاكين الصغار، الذين يشكلون بعد انتصار الثورة، تحالفا اقتصاديا مع البروليتاريا، وأصحاء هذه ال"لبان"، لم يحددوا لنا موقع الفلاحين الصغار والمتوسطين في الثورة.
ويقسمون هذا التحالف، في عملية التجزيء، أي "الأساسي" و"الرئيسي"، ويقولون أنهم يطوروا الماركسية، ويقرون أن "الماوية" بهذا العمل تجاوزت اللينينية، ويعتقدون أن تطوير الماركسية يتم عبر إضافة كلمات ـ صفات، لما توصل إليه لينين، في تطويره للديالكتيك في علاقته بالبراكسيس، من التحالف الحربي إلى التحالف الاقتصادي، وهذا التحالف لم يحددوا لنا كيف يجب أن يكون، بين البروليتاريا والفلاحين الفقراء، وليس الفلاحين بما فيهم الفقراء.
ويقولون أن هناك قوة "رئيسية"، خارج هذا التحالف الذي يشكل مع هذا التحالف "جبهة"، وهذا هو الإبداع وتطوير الديالكتيك، كأن هذه القوة التي يتحدثون عنها : الطبقة الوسطى، لم يلاحظها لينين، ولم يتحدث عنها، إنه أسلوب التحريفية، التي تقوم بزيادة كلمات ـ صفات، لمفاهيم اللينينية، للقول بتطوير الماركسية، أي تطوير هذا يمكن أن يحدث عبر الكلمات ؟
ويقولون أن ذلك "هو محرك التناقض الرئيسي بين كل الطبقات المعادية موضوعيا للإمبريالية والكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار من جهة، والتي تشكل الجبهة الثورية الشعبية صيغتها السياسية والتنظيمية، وبين البنية الإمبريالو ــ كمبرادورية من جهة ثانية."، أي تحليل ماركس هذا ؟
يتحدثون هنا عن " كل الطبقات المعادية موضوعيا ..."، لكن دون الكشف عما يسمونه، "كل الطبقات"، وأين توجد هذه الطبقات ؟ وأين يتجلى هذا "الرئيسي" ؟ وما موقعها في الإنتاج ؟ في الاقتصاد ؟
يبدو أن أصحاب هذا ال"بيان"، مازالوا يعتقدون أن المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة، يجهلون معنى الطبقة التي تحدثت عنها الماركسية، التي حددت التشكل الطبقي، بعد فرز طبقتين، خلال تاريخ الصراع الطبقي، بعد إنجاز الثورة البرجوازية : البروليتاريا والبرجوازية، في النظام الرأسمالي، وما بينهما ليس إلا خليطا من الفئات، من بينها الفلاحون حلفاء البروليتاريا، الذين تكلم ال"بيان" عن جزء منهم فقط، والقول ب"كل الطبقات"، بصيغة الجمع، إنما هو جهل بأسس الماركسية، فما بالنا بالماركسية اللينينية.
تحدث لينين عن الطبقة الوسطى المثقفة، الأساتذة، الأطباء، المهندسون، التقنيون، التجار، المهنيين ...إلخ، ودورها في الثورة، وقال عنها أنها من مخلفات الرأسمالية، ولا يمكن اعتمادها في الحرب الثورية، إلا بقدر ما تقدمه للثورة من خدمات، تحت مراقبة البروليتاريا، أما اعتماد هذه الطبقة الوسطى، في إنجاز المهام الثورية، خاصة خلال الحرب الثورية، باستثناء الفلاحين، إنما يعتبر تحريفا للماركسية وليس تطويرا لها.
وبذلك نصنف "الماوية" في خانة التحريفية، حيث لا يمكن القول بحمل السلاح، والدعاية للحرب الثورية، حتى نصف أصاحبها بالثوريين، كما يفعل "الماويون"، في بعض المناطق في الهند مثلا، لما يتسلقون الجبال رافعين الرايات الحمراء، ويقولون أنهم ثوريون، وفي أقصى الحالات يتحدثون عن قتل شرطيين أو ثلاثة، ويقولون أنهم ينجزون الثورة.
أما أصحاب هذا ال"بيان"، "الماويون" الجدد، فهم يتحدثون عن الثورة، خارج مشروع حمل السلاح، ويقولون أنهم يمارسون الديالكتيك في تحليل الواقع الموضوعي، وفعلا يمارسون الديالكتيك بدون براكسيس، أي أن أقوالهم تبقى حبرا على ورق، لكونها لا ترتكز على الديالكتيك الماركسي اللينيني، ولا يمكن تطبيقها في الواقع الموضوعي.
من أجل تقوية دعايتهم لطروحاتهم التحريفية، يقولون أن لينين يتحدث عن الثورة الاشتراكية، و ماو يتحدث عن الثورة ما قبل الاشتراكية، أي في البلدان شبه المستعمر، المضطهدة كما سماها لينين، وذلك من صلب التحريفية، حيث يأخذون من لينين ما طاب لهم، ويتجاهلون ما لا يعجبهم.
فقولهم بما سموه "البروليتاريا القوة الأساسية" و"الفلاحون الفقراء القوة الرئيسية"، إنما هو قول من صلب اللينينية مع بطر مفهوم الفلاحين، وإضافة كلمتين، وليس مفهوما جديدا، لكن أصحاب ال"بيان"، لم يحددوا بالضبط مستوى هذا التحالف، بينما لينين قام بتفصيله، في عملية الثورة، ليس في روسيا فقط الرأسمالية، كما يدعي "الماويون"، لكن أثناء الحرب الثورية، أي ضد الحرب الإمبريالية، التي يقوم "الماويون" بجزيئها، وهي كل لا يتجزأ، وبعد نجاح الثورة فيما سماه : التحالف الحربي والتحالف الاقتصادي، بين البروليتاريا والفلاحين.
وأصحاب ال"بيان"، لم يتحدثون عن الشق الثاني، ويتحدثون عن قيادة البروليتاريا للثورة "عن طريق حزبها الثوري"، معتقدين أنه يكفيهم القول بالحزب الثوري، حتى يصبحون ثوريون، جاهلين أن التنظير للثورة خارج وجود الحزب الثوري، الحزب الماركسي ـ اللينيني، ممارسة للديالكتيك المثالي، وترفا فكريا في أوساط البرجوازية الصغيرة.
هذه المهمة الأساسية، بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، التي أرهقت الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، منذ 50 سنة مضت، وأصحاب ال"بيان" يتجاهلون هذه المسألة الأساسية، في أي صراع ثوري، ويؤجلونها إلى حين اندلاع الحرب الوطنية الثورية، فلينين أسس الحزب الثوري أولا، قبل الحديث عن شروط الثورة، وشارك في جميع الثورات البرجوازية، بقيادة البروليتاريا، قبل إنجاز الثورة الاشتراكية، بعد سحق القوى الرجعية خلال الحرب الأهلية، وهكذا ألف بين الديالكتيك والبراكسيس، إذ لا يمكن الحديث عن هذه الشروط، خارج البراكسيس، ولما تحدث عن التحالف الحربي بين البروليتاريا والفلاحين، ليس من أجل إنجاز الثورية الاشتراكية فورا، إنما من أجل القضاء على البرجوازية المحلية والملاكين العقاريين في تحالفهم الحربي مع الإمبريالية.
ف"الماويون" يمارسون الديالكتيك خارج البراكسيس، وبذلك يقعون في تحريف الديالكتيك، ويعتقدون أن الماركسيين اللينينيين سيذهبون مذهبهم، الذي يدعي أن اللينينية هي تنظير للثورة الاشتراكية، و"الماوية" تنظير للثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، ذلك ما نجده في قولهم : "فالمرحلة التاريخية الراهنة هي مرحلة حل هذا التناقض الرئيسي عن طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، لسحق السلطة الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار ووكلاء الإمبريالية وتحقيق الاستقلال الوطني، على طريق حل التناقض الأساسي، الكامن في التناقض الرئيسي، بواسطة الثورة الاشتراكية لتحطيم البرجوازية، وأن الرابط بين سيرورتي الثورتين الديمقراطية والاشتراكية، هو قيادة البروليتاريا، في تحالفها مع الفلاحين الفقراء، بواسطة حزبها الثوري، للسيرورتين الثوريتين معا."، بهذا الخليط من الكلام، يعتقدون أنهم يمارسون أعلى مستوى من الديالكتيك الماركسي، أي ما فوق اللينينية ؟
وبذلك، يعتقدون أن لينين لما واجه الانتهازية ومعها الإمبريالي، في حرب ثورية دامت أربع سنوات، الحرب الأهلية، كان يقوم ببناء الاشتراكية، ويريدون من الماركسيين اللينينيين أن يعتقدوا بذلك، وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن أخطاء ماو، التي يسمونها تطوير للماركسية وليس اللينينية، وذلك بالخلط بين العام والخاص، والعلاقة الجدلية بينهما، أي في العام خاص، وفي الخاص عام، ويريدون الفصل بينهما، فيما يسمونه، "الأساسي" و"الرئيسي"، في القول ب"فالمرحلة التاريخية الراهنة هي مرحلة حل هذا التناقض الرئيسي"، أي الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وهي حسب منظورهم التحريفي، ثورة سريالية يتناولونها عبر الفكر المجرد، وعبرها سيتم تحرير البلاد، بسحق ما يسمونه "السلطة الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار ووكلاء الإمبريالية وتحقيق الاستقلال الوطني"، كأن هذه العملية تتم في منطقة معزولة.
ويتحدثون عن "الجبهة الثورية الشعبية"، كأن الشعب وحدة مطلقة، ويتجاهلون أن من يحمل السلاح ضد هذ "الجبهة"، هم من صلب مكونات هذه الجبهة، وليس من يسمونهم " الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار ووكلاء الإمبريالية"، أي أن هناك حربا أهلية، كما سماها لينين، وليست حربا شعبية كما يسميها "الماويون"، لأن الشعب ليس وحدة منسجمة، وحتى البروليتاريا ستنقسم آنذاك، حيث لا يوجد الحزب الثوري أصلا، ولا يمكن للحزب الثوري إن وجد أن ينظم الطبقة العاملة جميعها، وهذا ما يقوله الديالكتيك الماركسي، ولينين لما سماها حربا أهلية، ليس من باب الخطأ، أو من باب الجهل بالماركسية، إنما يسمي "الماويون" الحرب الوطنية الديمقراطية الشعبية، هو تحريف لما سماه لينين الحرب الوطنية الثورية.
والفكر التجزيئي لدى أصحاب ال"بيان"، وعند "الماويين" عامة، يقودهم إلى القول بالبدء بالخاص، لإنهاء العملية في العام، أولا طرد المستعمر عبر سحق الأعداء بالداخل، تم الشروع في البناء الاشتراكي، كأن لينين لم يقم بنفس العملية الثورية، التي يتحدثون عنها، التي استخلص منها، ما يريدون تسميته بتطوير الماركسية، وفعلا يطورونها نحو الخلف، حيث تناولوا فقط نصف استنتاج لينين حول الثورة الاشتراكية، وهي عملية عامة لا يمكن فصلها، إنما طبعا، تتم عبر مرحلتين متتاليتين، لا انفصل بينهما، وهنا يكمن الخلط لدى "الماويين"، حيث يمارسون الديالكتيك بدون براكسيس.
المسألة ليست في التسمية، إنما تكمن المسألة، في الفصل بين اللينينية والتحريفية، وحتى لا نقع في أية شائبة، نتحدث، كما وضعها لينين، عن الحرب الوطنية الثورية، وليس عن نوع الدولة، لينين لم يحدد نوع الدولة، لأن الدولة فصلت الماركسية في تحديد مهامها، في جملة واحدة : قهر طبقة لباقي الطبقات.
الدولة ليست هدفا حسب الماركسية، إنما هي وسيلة، للمرور من الرأسمالية إلى الشيوعية، أي الدولة الاشتراكية، وحسب طرح أصحاب ال"بيان"، طرح منظمة إلى الأمام، حسب زعمهم، لابد لنا من الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية، ويتحدثون عن "الديمقراطية الشعبية"، وغيرها من المصطلحات المقرون ب"الشعبية"، كأن هذه الصفة، ذات بعد طبقي، بينما لينين تحدث، ومن صلب الماركسية، عن الديمقراطية البروليتارية ضد الديمقراطية البرجوازية.
إنما يواجه الحركة الماركسية ـ اللينينية، هو بناء الفكر الماركسي اللينيني، أولا وقبل كل شيء، أي الوضوح الأيديولوجي، والوضوح لا يعني الاتفاق، أو التوافق، إنما بناء الفهم الماركسي اللينيني للحركة، في الطبيعة والمجتمع، عبر الديالكتيك الماركسي في علاقته بالبراكسيس، فلا يمكن بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني، من مخلفات البرجوازية الصغيرة والتحريفية، كما لا يمكن إنجاز الثورة بدون الحرب الوطنية الثورية، وهاتان العمليتان : البناء الحزبي والإنجاز الثوري للثورة، يتطلبان الفهم الحقيقي، لتطور الأساس الاقتصادي للصراعات الطبقية بمغرب اليوم، وال"بيان" قيد الدرس والنقد، لا يعدو أن يكون إلا اجترارا، لكلام ما بعد استشهاد الشهيد عبد اللطيف زروال في نونبر 1974، وهو كلام يركز التحريفية "الماوية"، التي اعتبرها أصحاب هذا ال"بيان"، عزاء لهم منذ 1976، بعد محاولتهم تطوير تصورات منظمة إلى الأمام، لكن من مخلفات "الماوية" التحريفية.
إن مواجهة استراتيجية الحروب الإمبريالية الجديدة، يتطلب تعميق الفهم حول الحروب الوطنية الثورية وتطويرها، ذلك ما يستوجب تعميق الفهم الأيديولوجي للثورة، ولمزيد من الوضوح الأيديولوجي والسياسي ندرج هنا قراءة في ورقة "المرحلوية أو النيومنشفية ــ إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية ــ اللينينية المغربية، التي تم نشرها ب"وقع 30 غشت"، في نفس السياق، الذي تناولناه حول مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
استهل أصحاب هذه الورقة بما سموه "طرح المسألة"، في محاولة لتقديم ما سموه مظهرا من المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، من خلال نقدهم لما سموه "مجموعة اليمين المستحوذة على قيادة منظمة 23 مارس"، متناولين مفهوم المعرفة كمعيارا لنقد مواقف هذه المجموعة حول الثورة بالمغرب، في علاقتها بقضية الصحراء الغربية، وحددوا الإطار المعرفي للورقة فيما سموه "أطروحة ماركس الثالثة حول فيورباخ التي طورها ماو في "في الممارسة"، مما يعني أنها تجاوزت أطروحات لينين حول المعرفة والديالكتيك الماركسي، وجعلت أطروحات ماو تسي تونغ أعلى مستوى للمعرفة الماركسية.
وتناولت الورقة ما سموه "النخبوية" و"المرحلوية"، اللتان يتسم بهما فكر تلك المجموعة المعنية بالنقد، التي لا تعترف ب"النخبوية" شكلا إلا أن "المرحلوية أكثر مكرا، في هذا. كما يظهر، فهذه المجموعة اليمينية تبقى مطابقة لما تتميز به الانتهازية، كما أكد عليها لينين، أي لا تظهر أبدا بوجها المكشوف" كما جاء في الورقة، وبالنسبة إليهم فهذه المجموعة انتهازية، واستشهدوا بقول لينين لتأكيد صحة صفتها الانتهازية "أي لا تظهر أبدا بوجهها المكشوف".
وفي سياق نقدهم ل"المرحلوية" تضيف الورقة أنه "يمكن أن توضح انطلاقا من مواقف متعددة لهذه المجموعة، وبالأخص، انطلاقا من ملاحظات باريسية حول الصحراء"، من مضمون الوثيقة التي أرسلتها قيادة منظمة 23 مارس بالخارج إلى سجن غبيلة، حسب إشارة الكاتب، تتجلى "المرحلوية" في تصورهم للثورة المغربية، التي يجب أن تتسم بالتبعية للأحزاب الاصلاحية حتى في قضية الصحراء، رغم أنها لم توضح هذا التصور، وتجلى ذلك في المنطلقات الأيديولوجية لهذه المجموعة التي تستند إلى "منظمة العمل الشيوعي بلبنان" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، التي أدت إلى الإفلاس الأيديولوجي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ... كما جاء في الورقة المعنية بنقدنا.
وخلصت الورقة إلى وجوب محاربة اليمين داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية بلا هوادة، وذلك عبر التمسك ب: تعاليم لينين حول "القيادة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية البرجوازية، وتعاليم ماو حول "القيادة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية الشعبية"، وتعاليم الثورة الوطنية الديمقراطية الفييتنامية، دون أن توضح أسس هذه التعاليم، ولا كيف يمكن دمجها، والتناقض بينها أو مستويات تكاملها.
ومن أجل وضع أسس تصورهم للثورة المغربية، يأتي الجزء الثاني لتناول ما سمته الورقة "بعض الأسس النظرية للمادية الجدلية : التناقض والحركة".
وتناولت الوثيقة مسألة الشيء، الجوهر والظواهر بشكل مبسط، في مستوى ابتدائي تعليمي للمفاهيم ودلالاتها الفلسفية، عبارة عن درس للمبتدئين في تعلم تعاليم الفلسفة الماركسية، من أجل إقناعنا أن المعلم الكبير في الديالكتيك هو ماو تسي تونغ، كما جاء في الورقة : من الديالكتيكي الأول الفيلسوف الإغريقي "هيراكليت"، مرورا بأطروحة دكتوره ماركس حول هذا الفيلسوف، وصولا إلى المعلم الكبير ماو، في إشارة عابرة لقولة لينين التي اعتمدها "المعلم الكبير ماو" في تطويره للديالكتيك "الجدلية هي دراسة التناقض في جوهر الأشياء نفسها"، وما تلا ذلك من تفسير وتوضيح لأصحاب هذه الورقة، كل ذلك من أجل تجاوز أعمال لينين الفلسفية حول تطوير الديالكتيك الماركسي على مستوى المعرفة، وبناء المفهوم الماركسي اللينيني للثورة، من طرف أصحاب هذه الورقة، والذين يتبنون هذا الطرح بعدهم اليوم، حتى يقصروا المسافات عن طريق الثورة المغربية، من أجل الانتصار المحتوم في شكل الثورة الديمقراطية الشعبية بقيادة البروليتاريا.
وفي عبث فكري حاولت الورقة تناول الظواهر في منظور العلوم الطبيعية، على شكل دروس ابتدائية للمتعلمين بالثانويات الاعدادية، في محاولة لفهمها فلسفيا، واستعارتها من أجل فهم الحركة الاجتماعية وتناقضاتها، بشكل فج لا يمت بصل بالديالكتيك الماركسي، الذي طوره لينين على مستوى المعرفة، من خلال نقده لعلماء العلوم الطبيعية، وخاصة منهم الفيزيائيين في كتابه المادية والمذهب النقدي التجريبي، وأمثلة كثيرة واردة في الورقة : "المد التأثيري بين الكهرباء والميغناطيس. جريان الماء في النهر إلى البحر، سيرورة تطور الأنواع، تطور الجنين الحيواني عند غاستون مايير ؟ تطور الإنسان عند ماركس في مقولة واحدة "التركيب العضوي للإنسان هو مفتاح التركيب العضوي للقرد"، مع تغييب دراسة داروين التي تتطلب العلم المادي كما تناولها لينين... إلخ.
كل هذه الأمثل وغيرها تم سردها في محاولة منهم لفهمها فلسفيا ديالكتيكيا، بفهم التناقض الداخلية منها والخارجية، واستعارتها من أجل فهم التناقض والصراعات في المجتمع، وبناء مفهوم الثورة بالمغرب، من أجل الإقرار بأن أطروحات ماو تسي تونغ التبسيطية هي أعلى مستوى في الديالكتيك.
إن تغييب أعمال لينين الفلسفية في هذه الورقة، لا يمكن اعتباره إلا تطفلا على الفلسفة المادية والديالكتيك الماركسي، واستهتارا بعلم نقل قوانين المادة من الطبيعة إلى المجتمع : الماركسية، وفي تغييبها، إلا في إشارة عابرة لقولة بسيطة في الجزء الأخير من كتابه "حول الديالكتيك"، وفقط من طرف المترجم الذي أشار إلى مصدر هذا الجزء لإنقاذ ماء وجه أصحاب الورقة، دون الاستشهاد بمضامين أطروحة لينين العبقرية حول الديالكتيك، باعتبارها خلاصة لدراسته الفلسفية في كتابه "دفاتر فلسفية"، التي تناول فيها نقد المادية، انطلاقا من أعمال الفيلسوف الفينيقي المقيم بأثينا المادي زينون، مرورا بكانظ اللاعرفاني، وصولا إلى هيغل المادي المثالي، ليصيغ خلاصته التي سماها : "حول الديالكتيك"، وهي عبارة عن البناء العلمي المادي لمفهوم التناقض، في جميع مستويات تفاعلاته داخليا وخارجيا، في تكامل تام مع مفهوم النفي ونفي النفي، في سيرورة وصيرورة الصراع المادي للحركة، عبر تراكماته الكمية، وتحولاته الكيفية، تغييب هذه الخلاصة التي اعتمد فيها ماو تسي تونغ جزءا بسيطا منها لوضع كتابه "في التناقض"، الذي يمكن اعتباره كتابا تعليميا لدى المتعلمين المبتدئين في تعليم الديالكتيك الماركسي، واتخاذ أصحاب هذه الورقة أفكار ماو تسي تونغ البسيطة والتبسيطية، فيما يسمى "في التناقض" يطرح السؤال التالي :
هل ذلك ناتج عن محاولة تغييب الديالكتيك الماركسي عند لينين في صياغة طريق الثورة ؟ أم هو عجز عن استيعاب مستوى الفكر الفلسفي الديالكتيكي المادي عند لينين ؟
إن التخبط الفكري الذي وقع فيه أصحاب هذه الورقة، إنما يدل عن عجزهم الفكري والنظري، وعدم القدرة عن الرد الحاسم على هجوم النظام الملكي الدموي على قيادة منظمة إلى الأمام، وما يهدد كيانها من فكر انتهازي، ليس فقط من طرف منظمة 23 مارس، بل كذلك من داخل المنظمة، خاصة بعد استشهاد الشهيد عيد اللطيف زروال، الذي أحدث شرخا واضحا في المنظمة، وفراغا نظريا بعد 14 نونبر 1974 تاريخ استشهاده، الذي أعطى للمنظمة خلال حياته، بعدا ثوريا أدق وأشمل سرعان ما بدأ يتراجع شيئا فشيئا بعد استشهاده، وهو المنظر الحقيقي للخط الثوري للمنظمة، وباعتراف أحد مؤسسي المنظمة، الذي اعتبر الشهيد زروال معلمه، في تقديمه لنقده الذاتي عن ممارساته البرجوازية، حيث أقر أنه ليس إلا بورجوازيا صغيرا، لم يستطع أن يتخلص من ممارساته البرجوازية، أمام الممارسة البروليتارية للشهيد زروال، وهو أبراهام السرفاتي الذي قاد مسلسل التراجعات وبناء الخط التحريفي.
إن إصدار هذه الوثيقة، في شكلها ومضمونها، يوضح بالملموس العبث الفكري والعجز النظري لدى أصحابها، الذين حاولوا إيجاد طريق الثورة المغربية، من خلال نقد "الإطاروية" و"المرحلوية" في منظمة 23 مارس، دون القدرة على التخلص من "الذاتوية"، التي أسقطتهم في انتقاء ما يمكن انتقاؤه في الفكر الماركسي، كما يشاؤون ويعتقدون دون الإلمام بأعمال لينين، فلم يجدوا إلا فكر ماو تسي تونغ البسيط، لاتخاذه لبناء نظريتهم الجديدة حول الثورة بالمغرب، رغم أنهم أشاروا إلى منظور لينين لكن بشكل مشوه، سنرجع إليه فيما بعد، وإلى منظور هو شي منه بشكل مشوه كذلك، سنرجع إليه فيما بعد، وتشبثوا بالتجربة الثورية الصينية، رغم سقوطها مع موت ماو تسي تونغ مباشرة قبل كتابة ورقتهم هذه.
في المعرفة والديالكتيك الماركسي عند لينين
كما أشرنا سابقا، اختزل أصحاب هذه الورقة نظرية لينين حول الديالكتيك في جملة بسيطة أشار إليها ماو في كتابة "في التناقض"، منطلقين في التحليل الديالكتيكي للصراعات الطبقية بالمغرب في منتصف السبعينات من القرن 20، من أجل بناء الطريق الثوري للثورة المغربية، والإقرار بأن ماو تسي تونغ قد طور الديالكتيك الماركسي، دون أن يبينوا لنا أين تم ذلك، وبالرجوع إلى منظور لينين حول جوهر الديالكتيك، يتبين أنهم لم يطلعوا على ذلك العمل البالغ الدقة في تطوير المعرفة الماركسية، الذي يقول عنه ماو :"إن ازدواج ما هو واحد ومعرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك (أحد "جواهره"، إحدى خصائصه أو إحدى ميزاته الرئيسية، إن لم تكن خاصية الرئيسية)، واعتمدوه في تحليلهم في هذه الورقة.
وأراد أصحاب الورقة بذلك المنطلق البسيط لمفهوم الديالكتيك عند ماو تسي تونغ، تناول الصراعات الطبقية بمغرب السبعينات من القرن 20، ورسم طريق الثورة المغربية، مما أوقعهم في اللاعرفانية التي اختزلت تطور الديالكتيك الماركسي في كتاب "في التناقض"، محاولين تجاوز أعمال لينين حول الديالكتيك، بل أقروا أن أعمل ماو التبسيطية قد تجاوزت الديالكتيك الماركسي عند لينين، رغم أن ماو لم يقر بذلك يوما، بقدر ما قام بتفسير جزء بسيط من أعمال لينين القيمة، والبالغة في الدقة مستوى عال من المعرفة الماركسية، أنظر كتابه "حول الديالكتيك" في كتاب: المادية ونقد المذهب النقدي التجريبي، وكتاب دفاتر فلسفية.
كان ماو منشغلا بالممارسة العملية في مستواها العالي، ألا وهي قيادة الحرب الوطنية الثورية، ولا يسعه الوقت لدراسة جميع أعمال لينين دراسة علمية نقدية، مثل ما قام به المعلم الكبير لينين على مستوى المعرفة منذ 22 قرنا مضت قبل الثورة الروسية، واختزال المضمون المعرفي لدى لينين في كتابه "حول الديالكتيك"، وفي تلك الجملة، التي انطلق منها أصحاب هذه الورقة، إنما ينم عن جهلهم بالمعرفة الماركسية اللينينية، وذلك، بطبيعة الحال، يمكن تفهمه نظرا لعدم امكانية إلمامهم بأعمال لينين الكاملة على مستوى المعرفة، حيث الشروط الموضوعية داخل السجن، على ما يبدو، إن لم يكن افتقارهم للمراجع، دفعهم إلى الاكتفاء بكتاب "في التناقض" الذي اعتبروه مستوى عال من المعرفة الماركسية، مما دفعهم بالإقرار بوجوب الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالمغرب، على غرار الثورة الصينية، دون القدرة على دراسة أسسها الطبقية، ووضع تصور صحيح لبلورته عبر الصراعات الطبقية بالمغرب.
وكانت محاولتهم لبناء تصور ديالكتيكي، من منظور معرفي ماركسي، لعملية إنجاز الثورة المغربية، عبر نقل قوانين الحركة من الطبيعة إلى المجتمع، لا ترقى إلى الفهم الماركسي اللينيني للثورة، فلا يكفي الإقرار بأن الثورة الصينية حدث كبير، في بلد شبه مستعمر، واختزال المعرفة الماركسية اللينينية في أقوال ماو تسي تونغ، حتى نقول أننا وجدنا طريق الثورة المغربية، كما لا يمكن إسقاط تناقض الصراعات في الثورة الصينية، بشكل فج، على عملية بناء الطريق الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.
فكما جاء في الورقة، بأن الثورة الصينية بدأت في 1911، ولم تنتصر جزءا إلا في 1949، حيث بدأت صراعات جديدة أمام ماو تسي تونغ، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فإن اختزال الثورة الصينية في أعمال الحزب الشيوعي الصيني، ودوره في قيادة الثورة، لا يكفي لبناء تصور عام حول تناقض الصراعات في الثورة الصينية.
كما أن تجاهل التناقض في الصراعات خلال الثورة المغربية، التي بدأت في 1912، من الجنوب في الحرب الوطنية الثورية ضد الإمبريالية وامتداداتها بالصحراء الغربية، والتجربة الثورية بالريف، وبناء الدولة الوطنية الديمقرطية الشعبية الأولى بشمال إفريقيا، باعتبارها أول تجربة عالمية، التي وضعت أسس الحروب الوطنية الثورة ضد الحروب الإمبريالية، باعتراف ماو تسي تونغ وهو شي منه بذلك، يعتبر "مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية" كما سماه لينين.
كما أن تبني التجربة الثورية الصينية بشكل أعمى، دون فهم تناقضاتها، إنما ينم عن اللاعرفانية التي تختزل الطريق من أجل الوصول إلى الهدف، الذي لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا للفكر المثالي الذاتي والسوليبسيسم في الممارسة العملية، التي تقود إلى الانتهازية والتحريفية.
إن غياب بعد النظر لدى أصحاب الورقة، قد قادهم إلى اختزال كل تناقضات الصراعات الطبقية بالمغرب، من أجل تقديم الثورة الصينية، في طبق من ذهب، على حساب تجاهل التراكم الكمي للثورات البروليتارية عبر العالم، وتمييعها في بعض الأحيان، كما جاء في الورقة، فيما سماه أصحابها : "تعاليم لينين حول القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية"، دون الإشارة إلى أين يكمن ذلك.
لقد استطاع لينين توضيح العلاقة بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية، بصورة فائقة، باعتباره سيطرة البروليتاريا على السلطة أساسي، في الانتقال السلس من الأولى إلى الثانية، وفي إنجاز المهام الثورية الرئيسية، وفي تجاوز المهام الثورية الثانوية، وفي القدرة على بلورة مفهوم الديمقراطية البروليتارية، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية الاشتراكية، في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، في دولتها، في اضطهادها للطبقة البورجوازية، المهمة الرئيسية للثورة البروليتارية الاشتراكية.
وأكد لينين على أهمية العلاقة الجدلية بين الثورة البورجوازية الديمقراطية والثورة البروليتارية الاشتراكية، على اعتبار أن مهام الأولى لا يمكن إنجازها كاملة، إلا في ظل الثانية، وأنه بدون ديمقراطية كاملة لا يمكن الحديث عن الديمقراطية البروليتارية.
وفي نص من الديالكتيك الماركسي أوضح لينين تصوره حول الاشتراكية والديمقراطية :"ليست الثورة الاشتراكية عملا واحدا، وليست معركة واحدة في جبهة واحدة، إنما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الحادة، وسلسلة طويلة من المعارك في جميع الجبهات، أي في جميع مسائل الاقتصاد والسياسة، معارك لا تنتهي إلا بمصادرة ملكية البورجوازية. ومن فادح الخطأ الاعتقاد أن النضال في سبيل الديمقراطية يمكن أن يصرف البروليتاريا عن الثورة الاشتراكية أو أن يكسف هذه الثورة أو يحجبها، الخ... بل الأمر على العكس. فكما أنه يستحيل انتصار الاشتراكية إذا لم تحقق الديمقراطية الكاملة، كذلك لا تستطيع البروليتاريا أن تستعد للتغلب على البورجوازية إذا لم تشنه نضالا ثوريا شاملا دائما، صادقا، في سبيل الديمقراطية" كتاب مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية ـ الثورة الاشتراكية والنضال في سبيل الديمقراطية، ص : 160.
هكذا توصل لينين إلى صياغة كيفية مرور عملية الانتقال من الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى الثورة الديمقراطية البروليتارية، ولم يتحدث عن "القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية" كما جاء في الورقة، إنما في تناوله للتناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية، من منظور الديالكتيك في علاقته بالبراكسيس، خلال الحرب الأهلية، التي باشر خلالها أهمية التحالف الحربي بين الببروليتاريا والفلاحين، وانتصارهم بقيادة البروليتاريا على الإمبريالية والانتهازية، دفاعا عن الوطن الاشتراكي، والشروع في البناء الاشتراكي، في ظل التحالف الاقتصادي بين البروليتاريا والفلاحين، بقيادة البروليتاريا بعد نهاية الحرب الأهلية، ليكون لينين بذلك قد استكمل منظوره الديالكتيكي الماركسي حول التناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية.
أما القول ب"القيادة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية الشعبية"، كما جاء في الورقة، فإنه يحمل لبسا عميقا، مناقضا مع الفهم الديالكتيكي الماركسي للثورة الديمقراطية البروليتارية في تناقضها مع الثورة الديمقراطية البرجوازية، ذلك أن الصيغة الثالثة للثورة التي سماها ماو "الثورة الشعبية" دون أن يكون لهذه الصفة الثالثة : "الشعبية"، موقعا طبقيا في الصراعات الطبقية حول السلطة، كما هو الشأن بالنسبة للبروليتاريا والبرجوازية، المتناقضان المتصارعان حول السلطة في النظام الرأسمالي، فإن هذا المنظور الجديد الغريب عن الماركسية، والذي يسميه "الماويون" "الديمقراطية الجديدة"، دون أن تحمل هذه الصفة أي موقع طبقي في الصراعات الطبقية حول السلطة، إنما يأتي ضمن الخيار الثالث بين المادية والمثالية الذي سماه إنجلس : اللاعرفانية.
أما القول ب"تعاليم الثورة الوطنية الديمقراطية الفيتنامية"، كما جاء في الورقة، فلا يختلف كثيرا عن التسمية الجديدة للثورة الصينية، ذلك أن الثروة الفيتنامية، كما هي في مثيلتها الصينية تمت بقيادة الحزب الشيوعي، الذي يمثل بالنسبة للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية خاصة منظمة إلى الأمام، مشروعا غير منجز إلى حد الآن، فبدل الشروع في بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، من صلب الانخراط في الصراعات الطبقية، قام أصحاب الورقة بالتيه في عالم المعرفة، دون التسلح بما يكفي من الدراسة والتحليل للماركسية والماركسية اللينينية، والتجارب الثورية الوطنية والعالمية، مما يوضح محاولتهم الهروب إلى الأمام، بالشروع في تناول التناقض في الصراعات الثانوية بين منظمة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس، دون التسلح بما يكفي من المعرفة الماركسية اللينينية، مما جعلهم يخلطون ما هو أساسي وثانوي في الصراعات الطبقية.
هكذا حاول أصحاب هذه الورقة تحديد منطلقاتهم النظرية، لوضع تصورهم حول الثورة المغربية، انطلاقا من دراسة المادة والحركة، من خلال منطلقات تحديدات الفيزياء الحديثة : نظرية الكوانطا، لكن في اتجاه يرجع بالنظرية إلى الخلف، في تجاوز تعسفي لأعمال إنجلس ولينين في المجال العلمي المادي : الديالكتيك الماركسي، بالرجوع إلى أقوال هيغل المثالية، التي وردت في هذه الورقة.
كل ذلك من أجل الإقرار بأن ماو تسي تونغ قد طور المعرفة الماركسية إلى مستوى عال، لكن غير مدركين أن عملهم هذا يوقعهم في اللاعرفانية، حيث تجاوزهم لأعمال لينين في قولهم :"إن الأيديولوجية البرجوازية قد استنتجت بأن الكوانطا ظاهرة متقطعة ظاهريا، لا يمكن أن تفسر بالمادية. في الواقع هذا خطأ، فبصفة خاصة، قام أحد الفيزيائيين، ينتسب إلى الفكر المادي الجدلي (Jean Vigier)، بتوضيح أن الكوانطا تمثل في حقل طاقة ـ مادة نقط عقدية ذات تراكم طاقي مكثف." انتهى كلام الورقة، وتكريسا لرغبة أصحاب الورقة بتجاوز أعمال لينين في هذا المجال، أو ربما جهلهم بها، يستشهدون بأحد الشيوعيين "الماويين" بفرنسا 1968، الذي انسحب من الحزب الشيوعي الفرنسي، في محاولة لهم للتأكيد على أن ما يسامونه "ماوية" قد تجاوزت أعمال لينين الفلسفية، باستعارة أقوال هذا الأستاذ الفيزيائي لملء فراع نظرية "الماوية"، رغبة في تجاوز أعمال لينين "حول الديالكتيك" وأعمال إنجلس حول "ديالكتيك الطبيعة".
يقول لينين في نقده للأساتذة الفيزيائيين اللاعرفانيين :"... كل هذه أيضا نتائج لجهل الديالكتيك، كل ما لا يتغير، من وجهة نظر إنجلس، هو أمر واحد فقط، هو عكس الوعي البشري (عندما يكون الوعي البشري موجودا) للعالم الخارجي الموجود المتطور خارج وعينا، لا وجود في نظر ماركس وإنجلس لأي "ثابية" أخرى، أو لأي جوهر "مطلق" آخر بالمعنى الذي رسمت به الفلسفة الأستاذية هذه المفاهيم. فإن "كنه" الأشياء أو "الجواهر" هما أيضا نسبيان، وهما يعربان فقط عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع، ولئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة، واليوم أبعد من الإلكترون والأثير، فإن المادية الديالكتيكية تلح على الطابع المؤقت، النسبي، التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم لدى الإنسان. إن الإلكترون لا ينضب مثله مثل الذرة، والطبيعة لا متناهية، ولكنها توجد إلى ما لانهاية، إن هذا الاعتراف القاطع الوحيد، بوجودها خارج وعي الإنسان وأحاسيسه هو الذي يميز المادية الديالكتيكية عن اللاعرفانية النسبية وعن المثالية."
إن محاولة تبخيس أعمال لينين، من طرف أصحاب الورقة، وتقديم أعمال ماو البسيطة حول بلورة الديالكتيك من الطبيعة إلى المجتمع، إنما يندرج ضمن النزعة التحريفية في الشيوعية، في الربع الأخير من القرن 20، ذلك ما ساهم في تكبيل الحركة الماركسية ـ اللينينية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة، إن تمييع أعمال ماو، التي يؤطرها قوله بأنه يجب على الديالكتيك أن يكون في متاول الجماهير : الدفع بالديالكتيك ومحاولة ربطه بالثقافة الشعبية، وعدم فهم مدلول قول ماو في هذا الصدد، دفع بهؤلاء الأساتذة أصحاب هذه الورقة، إلى السير أبعد من ذلك، بالقول بتطوير المعرفة الماركسية إلى مستوى عال، بينما ما فعله ماو هو تبسيطها، وهو عمل جيد كذلك، حتى تفهمها الجماهير حسب مستوى ثقافتها الشعبية، وليس تطويرها فلسفيا، إنما صياغة أساليب بسيطة لنشر تعاليم الماركسية في صفوف الجماهير.
والقول بالديمقراطية الشعبية، ليس مفهوما جديدا للديمقراطية، إنما هو من صلب التحلي بأخلاق المناضل الثوري، الذي يجب عليه أن ينبذ النخبوية والتعالي على الجماهير، فالتناقض بين الديمقراطية البروليتارية والديمقراطية البرجوازية، لا يمكن تعويضه بما يسمى الديمقراطية الشعبية، والممارسة الديمقراطية الشعبية أسلوب التعامل مع الجماهير لتحفيزها للممارسة السياسية، وليست بديلا عن الديمقراطية البروليتارية، التي تعتبر أعلى أشكال الديمقراطية، ومصطلخ الديمقراطية الشعبية لا يستند إلى أسس طبقية، بقدرة ما مصطلحا فضفاضا، إذا ما أردنا تحويلها من أسلوب التعامل الديمقراطي مع الجماهير إلى مفهوم طبقي نقيض الديمقراطية البرجوازية، التي تتناقض مع الديمقراطية البروليتارية.
وباعتقادهم أنهم اكتشفوا مفهوما جديدا، وهو غريب عن الماركسية، بإلصاق كلمة "الشعبية" لكل شيء : الثورة الشعبية، الديمقراطية الشعبية، الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية ... إنما يندرج ذلك ضمن التحريفية والانتهازية، حتى أن هؤلاء الأساتذة تملكم الغرور، إلى حد القطع مع أعمال إنجلس ولينين العلمية والنقدية للمادية الميتافيزيقية لدى الأساتذة البرجوازيين، الذين حاولوا دحض المادية الديالكتيكية باستنتاجات المذهب النقدي التجريبي ذات المنحى اللاعرفاني والمثالي.
وانطلاقا من قولة Jean Vigier المشار إليها أعلاه، يحاول أصحاب الورقة صياغة مفهوم جديد لما يسمى في الماركسية ب"القفزة النوعية"، في قولهم :"إن كل لحظة من لحظات التاريخ، التي تتميز بتحول كيفي، هي النقطة التي تكون فيها السيرورة المتراكمة عميقة في المرحلة السابقة، قد وقع فيها الانفجار، إنها النقطة حيث تحل الضربة الأولى التناقضات المتراكمة. هذه النقطة المسمات نقطة عقدية ليست هدفا في حد ذاته ونقطة النهاية، حيث كل الماضي تمت تصفيته وتطهيره دفعة واحدة. إن مفهوما مثاليا مثل هذا، يقدم صورة متداولة كثيرا حول ثورة أكثوبر، ولا تسمح إذن بفهم التطور اللاحق للاتحاد السوفييتي."، انتهى كلام الورقة.
ونرى هنا كيف حاول أصحاب هذه الورقة، استعارة ما سماه استاذ الفيزياء الشيوعي "الماوي" ب"نقط عقدية ذات تراكم طاقي مكثف"، من الفيزياء إلى الثورة الاجتماعية، حتى يبرهنوا أنهم يطورون الديالكتيك الماركسي، من صلب ما يسمونه "الماوية" نقيض "اللينينية"، وحتى يؤكدوا برهانهم يعطون مثالا ب"ثورة أكتوبر"، التي في نظرهم تعتبرها اللينينية أنها متكاملة ؟؟؟ من أجل القول أن فهم اللينينية للثورة متجاوز بتلفيق تهمة اعتبار الثورة البلشفية متكاملة ونهائية، هنا تعبير عن تشويه اللينينية، التي عبر عنها لينين في قوله السابق حول "الثورة الاشتراكية"، وأن الثورة عبارة عن سيرورة لا تنتهي إلا ب"تحقق الديمقراطية الكاملة".
واعتبروا الفهم اللينيني للثورة فهما مثاليا، كما جاء في قولهم :"إن مفهوما مثاليا مثل هذا، يقدم صورة متداولة كثيرا حول ثورة أكثوبر، ولا تسمح إذن بفهم التطور اللاحق للاتحاد السوفييتي."، دون قدرتهم على تقديم حجة واحد على ذلك، إنه العبث الفكري الذي يتوخى بناء نظرية جديدة للثورة البروليتارية من أدوات مادية ميتافيزيقية للفكر المثالي الذاتي الجديد في أوساط "الماويين"، مما كان له تداعيات خطيرة على الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وخاصة منظمة إلى الأمام، التي يسعى "الماويون المغاربة"، إلى إلصاق نظرياتهم المادية الميتافيزيقية بمظورها للطريق الثوري للثورة المغربية.
إن كل التقديمات السابقة لأصحاب الورقة، التي تتوخى تقديم "في التناقض" لماو، على أنه التطوير الممكن للماركسية إلى مستوى المعرفة، إنما هو عبث "الماوية" فيما يسمى "التناقض الأساسي" و"التناقض الرئيسي"، الذي يبرز في قولهم :"يجب هنا، أن ندقق، في كل سيرورة تكون محددة (موسومة) بفترات من داخل كل مرحلة. وبالفعل، فداخل كل مرحلة، لا توجد كذلك حركة خطية، فسيرورة التراكم، وسيرورة الانفجار، الجزئي على الأقل، تسجل كذلك تناقضات داخل السيرورة الطويلة التي تشمل المرحلة كلها. إن هذا التميز بين المرحلة والفترة، يشرح الفرق بين التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي. فالتناقض الأساسي يحدد المرحلة كلها، لكن كل فترة من هذه المرحلة تتميز بتناقض رئيسي." انتهى كلام الورقة.
ونرى هنا كيف يتم التلاعب بالكلمات، عبر تقزيم مفاهيم الماركسية، ومحاولة نفيها بتناول أجزاء معينة من قوانينها، وإعادة تجزيئها، للقول بأن ذلك اكتشاف جديد، والقول ب"التناقض الأساسي" و"الناقض الرئيسي" يأتي ضمن مفهوم العام والخاص، في المادة والحركة، في العلاقة بينهما، وهو ليس باكتشاف جديد، إنما هو تكييف للمفاهيم الأساسية في المادية الديالكتيكية، من البسيط إلى المعقد، في كل معقد بسيط، وفي كل بسيط معقد، هكذا يتلاعب "الماويون" بالكلمات، لإيهام الماركسيين أنهم يطورون الماركسية، وفعلا يطورونها في اتجاه الكانطية، من العرفانية المادية إلى العرفانية المثالية الذاتية والسوليبسيسم، فمهما تكن محاولاتهم الخبيثة للهروب من المعرفة المادية الديالكتيكية عند لينين، يسقطون في تناقضاتهم الذاتية.
يقول لينين في هذا الصدد :"إن ماركس يحلل أولا، في "رأس المال"، أبسط الأشياء، وآلفها وأكثرها تواترا، الأشياء العادية، الأشياء الأساسية، ولا أكثر، الأشياء التي تصادفها آلاف المرات : العلاقات في المجتمع البرجوازي (البضاعي): تبادل البضائع، وتحليله يبين في هذه الظاهرة البسيطة )في "خلية" المجتمع البرجوازي هذه) جميع تناقضات ( respective أجندة جميع تناقضات) المجتمع المعاصر. إن تتمة هذا العرض يبين لنا تطور (ونمو، وحركة) هذه التناقضات وهذا المجتمع في Σ--- شتى أقسامه، منذ بدايته حتى نهايته.
هكذا يجب أيضا عرض طريقة (respective دراسة)الديالكتيك بوجه عام، (لأن ديالكتيك المجتمع البرجوازي ليس، بنظر ماركس، سوى حالة خاصة من حالات الديالكتيك). سواء بدأ بأي جملة من أبسط الجمل العادية، أو أكثرها تواترا، إلخ : أوراق الشجرة خضراء، زيد رجل، غبروش كلب، إلخ. فيها كما )لاحظ هيغل بصورة عبقرية( يوجد ديالكتيك : فما هو خاص هو عام، هكذا تكون الأضداد (الخاص ضد العام) متماثلة : فالخاص غير موجود إلا في العلاقة التي تؤدي إلى العام. والعام غير موجود إلا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام (بهذه الصورة أو تلك). وكل عام هو (جزء أو جانب أو جوهر) من الخاص. وكل عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصة إلا في وجه التقريب. وكل خاص لا يشترك تمام الاشتراك في العام، إلخ، إلخ .. كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى(أشياء، ظاهرات، تفاعلات)، إلخ .. حتى هنا توجد عناصر وأجنة مفهوم الضرورة، عناصر وأجنة العلاقة الموضوعية في الطبيعة، إلخ. فالعرضي والضروري، والظاهرة والجوهر، موجودة حتى هنا، لأننا حين نقول : زيد رجل، غربوش كلب، هذه ورقة شجرة، إلخ ...، فإننا نبدد جمل من المميزات بوصفها من الأشياء العرضية، ونفصل الجوهري عما هو طارئ، ونعارض أحدهما بالآخر..."، كتاب "حول الديالكتيك".
لننظر هنا كيف أسس لينين لنظريته حول الديالكتيك، بصورة فائقة في الدقة، في التناقض بين العام والخاص في كل الأشياء، في الطبيعة كما في المجتمع، في العلاقة بين المادة والحركة، وقال عن المادة أنها "مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي"، واستعمل "المادة" في كل دراساته بعدما ميع التجريبيون مفهوم الواقع، وحدد العلاقة بين العام والخاص، في الطبيعة والمجتمع، من أبسط الأشياء إلى أعقدها، في العلاقة بين أجزاء الحركة، في تطورها، في العلاقة بين ما هو عام فيها، وما هو خاص، في العلاقة بين تناقضات العام والخاص، إلخ..
إن كل محاولة لتطوير الماركسية، بمحاولة تجاوز استنتاجات لينين، إنما هي محاولة للقطيعة الإبستمولوجية بين الماركسية والماركسية اللينينية، وتعويضها بتفاهات "الماوية" الصبيانية اليسارية في الحركة الماركسة ـ اللينينية.
فما معنى الأساسي والرئيسي ؟ هي كلمات يريد أصحابها تعويض مفاهيم ماركسية بها، دون القدرة على إنتاج نظرية منسجمة مع المنهج المادي الديالكتيكي الماركسي، فتقديم مصطلح التناقض وتقسيمه إلى ما هي أساسي ورئيسي، وإسقاطه على التراكم الكمي للصراعات الطبقية في حركة المجتمع، التي ينتج عنها تراكم كيفي : القفزة النوعية، عند انفجار الثورات الاجتماعية، التي قال عنها ماركس أنها نتاج التناقض بين القوى المنتجة الثورية وعلاقات الإنتاج الرجعية في المجتمع الرأسمالي، ذي الصفة التناحرية، إنما هو تبسيط لما هو معقد في الحركة الاجتماعية، أي أقصى تفاعل قوانين الحركة على مستوى المجتمع البشري، فالمقارنة بين "المرحلة والفترة" في علاقتها ب"التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي" وتحديد الرئيسي بالفترة والأساسي بالمرحلة في سيرورة من الفترات إلخ، إنما ينم عن الفكر الميكانيكي الذي يقول بالمطلق هو مطلق، والنسبي هو نسبي، بينما في الديالكتيك الماركسي في المطلق نسبي، وفي النسبي مطلق، ونفي صفة الأساسي فيما هو رئيسي، إن وجد الرئيسي، إنما هو جهل بالديالكتيك الماركسي، فحصر الفترات التاريخية للحركة فيما هو رئيسي، إنما هو عمل دوغمائي، من منطلق الفكر الميكانيكي، الذي ورط أصحاب الورقة في محاولة تجاوز خلاصات لينين حول الثورة والحركة الثورية، في المجتمعات الرأسمالية وتناقضاتها وسيرورة الصراعات الطبقية فيها.
إن محاولة أصحاب الورقة لفهم الصراعات الطبقية بالمغرب، وبناء الطريق الثوري للثورة المغربية، كما جاء في هذه الورقة، إنما تندرج ضمن مستويات تعليم تعاليم الماركسية للمبتدئين، وبشكل فج، فهي تروم القطيعة الإبستيمولوجية في النظرية الماركسية بتجاوز اللينينية، واختزال الماركسية فيما يسمونه "الماوية"، التي يقدمونها كنظرية متكاملة للثورة في عصر الإمبريالية، ذلك ما يتجلى في قولهم :"وفي كل هذا الذي يجب بناؤه، فتحطيم جهاز الدولة الكمبرادوري لن يمنع الأشكال السابقة من التطور من جديد، في هيئات جديدة، وأيضا، فصراع الطبقات سيستمر في أشكال جديدة تحت قيادة الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية، وهنا أيضا نجد فترات متتالية من التراكم والانفجار، ولكن يمكن التحكم فيها في هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري، داخل جدلية حزب ـ جماهير الذي رسمت نموذجه العظيم الثورة الثقافية البروليتارية الصينية." انتهى كلام الورقة.
ونرى هنا كيف تم تشويه الصراعات الطبقية، في مقولة "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية"، من دولة ديكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية البروليتارية، إلى هذا المصطلح الغريب عن الماركسية المركب من كلمات متناقضة، فمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا نقيض دكتاتورية البرجوازية، من منطلق الصراع الطبقي الذي حددته الماركسية، في التناقض بين البروليتاريا والبرجوزية، أما الديكتاتورية البروليتارية ليست بمفهوم ماركسي، إن لم يكن التشويه المصطلحي لديكتاتورية البروليتارية، أي صناعة كلمات بديلة عن المفاهيم، التي وضعها ماركس، للقول بتطوير الماركسية، فعلا تطويرا في اتجاه المثالية الذاتية، أما إضافة كلمة الشعبية، فهي تندرج ضمن الرغبة في التميز عن الماركسية اللينينية، بما يسمى "الماوية"، ومصطلح الشعبية ليس بمفهوم طبقي يميز شكل الصراعات الطبقية من منظور "الماوية"، عن شكلها في النظرية الماركسية اللينينية.
في الأخير يقرون بإمكانية استمرار التناقضات في الحركة الثورية، في ظل ما سموه "الديكتاتورية البروليتارية الشعبية"، غير أنهم وجدوا لها الحل في قولهم :"وهنا أيضا نجد فترات متتالية من التراكم والانفجار، ولكن يمكن التحكم فيها في هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري، داخل جدلية حزب ـ جماهير الذي رسمت نموذجه العظيم الثورة الثقافية البروليتارية الصينية."، انتهى كلام الورقة.
ونرى كيف حاولوا اختزال كل شيء ينبع من الماركسية اللينينية، فقول لينين حول "الحزب، الطبقة والجماهير" أصبح في "نظريت"هم الجديدة "الحزب ـ الجماهير"، فلا وجود للطبقة، فقط الجماهير أي الشعب في ظل الثورة الشعبية، أي نفي الطبقية في مجتمعهم "الماوي" : "الشيوعية الماوية"، إنه العبث الفكري الذي يريد نفي المجتمع الاشتراكي الضروري في نفي الدولة، في اضمحلالها في دولة ديكتاتورية البروليتارية كما جاء في الماركسية، وليس "البروليتارية الديمقراطية الشعبية" كما يقولون.
بهذا المنظور اللاعرفاني المثالي الذاتي يريد السادة الأساتذة أصحاب هذه الورقة، محاربة اليمينية في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، وخاصة بمنظمة إلى الأمام، وذلك ببلورة "نموذج الثورة الثقافية البروليتارية الصينية"، في أوساط الجماهير، لكن مع الأسف الشديد تبخرت كل أحلامهم حول "الماوية"، بعد موت ماو تسي تونغ شهورا قليل قبل كتابة هذه الورقة، مما يؤكد خطأ أطروحتهم المثالية الذاتية، وهم لا يعلمون أن الصين انتقلت بشكل سلس نحو الإمبريالية، في نفس المرحلة التي يتحدثون فيها عن الفترات والانفجارات الثورية، بينما الاتحاد السوفييتي لم يتم تفكيكه إلا بعد 15 سنة ونهب أموال روسيا وتحويلها إلى نادي الإمبرياليات إلى جانب الصين، مما يطرح إعادة بناء الطريق الثوري للثورة المغربية.
عن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية
هذا المفهوم، يعتبر أحد أصول الثورة في تصور منظمة إلى الأمام للثورة المغربية، يمكن أن نتفق عليه مبدئيا، لكن نختلف عليه من منطلق فهمه الأيديولوجي والسياسي، وحتى الاقتصادي، في التكتيك والاستراتيجية، في الديالكتيك والبراكسيس، وفي تفسير بنية المفهوم التركيبية اللغوية في حد ذاتها، ذلك ما يمكن أن يواجه أصحاب الوجبة الجاهزة للثورة المغربية، من أصحابنا "الماويين" المتهافتين لإلصاق فهمهم تعسفا بتصور المنظمة للثورة المغربية، بالتعسف على مفهوم تطوير الماركسية والماركسية ـ اللينينية.
وبالرجوع إلى أسس هذا المفهوم التاريخية، كما أشرنا لذلك في عدة كتابات، فإنه غير غريب عن التجارب الوطنية الثورية المغربية، خاصة الثورة الريفية ضد الإمبريالية ودولة البرجوازية التجارية، عبر أسس الحرب الوطنية الثورية الشعبية ضد الحرب الإمبريالية، التي وضعتها، الصيغة الجديدة للثورة بالبلدان المضطهدة، بما فيها الصين، وتأسيس أول دولة وطنية ديمقراطية شعبية بشمال إفريقيا.
هذا المفهوم إذن، ليس بغريب عن تجارب بلادنا الثورية ضد الإمبريالية، ولا نحتاج لمن يعطينا فيها دروسا، ويضعها أمام المناضلين مفصلا أيديولوجيا وسياسيا، أما مسألة تطويرها عبر التجربة الثورية بالصين فذلك شان آخر، يمكن أن نختلف أو نتفق حوله، فلكل حججه في تاريخ التجارب الثورية العالمية، وهي عديدة وعلى رأسها التجربة الثورية الفيتنامية الرائدة عالميا.
هكذا نرى هذه المسألة الشائكة، التي يريد أصحابنا "الماويين" الركوب عليها، ولن يكون ذلك بالسهل عليهم، فتجربة بلادنا الثورية أولى بنا من أي أحد آخر، بالاستفادة منها، بالرجوع إلى أصولها التاريخية، لو عاش ماو تسي تونغ اليوم، لقال لهؤلاء الأساتذة نفس الكلام عن هذه التجربة الثورية العالمية، كما فعل يوما مع انتهازية حزب التحرر والاشتراكية عندما زاروا الصين.
وبالرجوع إلى الورقة نجد مجموعة من المصطلحات التي تناولناها بالدرس، خاصة التي لها علاقة اصطلاحية بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فالثورة الوطنية يجب أن تكون ديمقراطية، وأن تكون شعبية حتى تنتصر، وهاذان الشرطان أساسيان في انتصارها الحتمي، على شكل الحرب الثورية ضد الحرب الإمبريالية، ذلك ما قام به القائد الثوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، في ظل دولة البرجوازية التجارية عميلة الإمبريالية، لكن هل تتم في مرحلة واحدة، أم في مرحلتين متتاليتين ؟ أو منقطعيتين ؟ هنا أيضا قد نختلف مع أصحابنا "الماويين"، الذين يحملون نسخة جاهزة طبق الأصل للنسخة الصينية، وقد نختلف معهم اختلافا جوهريا.
وحول ما جاء في هذه الورقة المليئة بمصطلحات لا علاقة لها بالمفاهيم الماركسية، نختلف معهم جوهريا : ضد تحريف المفاهيم الماركسية المحددة للصراع الطبقي، المحرك الأساسي للتاريخ كما حدد ماركس ذلك، وأكده لينين عبر إنجاز الثورة البروليتارية، عبر مرحلتين : الانتفاضة والحرب الأهلية، وليس عبر الانتفاضة فقط كما يدعي "الماويون" في نقدهم للبلشفية، إنما أيضا عبر الحرب الوطنية الثورية الديمقراطية ضد الحرب الإمبريالية وعملائها من الانتهازيين، البرجوازيين والملاكين العقاريين، في حرب دامت أربع سنوات، وهي حرب شعبية بقيادة البروليتاريا، دفاعا عن الوطن الاشتراكي، وتجاوز الثورة البرجوازية بقيادة الانتهازية التي تم إسقاطها.
إن محاولة أصحاب الورقة الرامية إلى تقديم تصورهم للثورة المغربية، عبر ما سموه "التناقض الأساسي" و"التناقض الرئيسي" في علاقتهما ب"المرحلة" و"الفترة"، من أجل تحديد طريق الثورة المغربية، إنما هو لعب بالكلمات وهروب إلى الأمام، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" كما قال إنجلس في نقده للكانطيين.
والتناقض، يعتبر أحد القوانين العامة للحركة، التي حددها ماركس وإنجلس بعد اكتشافه في الطبيعة والمجتمع معا، فلا غبار عنه، والحركة الثورية يسري عليها ما يسري على الحركة بصفة عامة، والثورة باعتبارها حركة خاصة في المجتمع، في أقصى تجليات الحركة في تناقضاتها، تضم بداخلها ما هو عام وما هو خاص ككل حركة، مع العلم أن في كل عام خاص، وفي كل خاص عام، وليس هناك عام مطلق ولا خاص مطلق إلا في حدود معينة جدا، والثورة تحمل صفة الوحدة، لكنها حابلة بالصراعات في ظل التناقض، فالصراع الأساسي في الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية هو الصراع ضد الإمبريالية، بين البروليتاريا والبرجوازية، بين الحرب الثورية والحرب الإمبريالية، وهو المحدد الأساسي لسيرورة الثورة في طريقها نحو الانتصار، وهو يشمل مرحلة الثورة عامة، منذ بروزها على شكل تناقضاتها البسيط إلى أعلى تناقضاتها المعقدة : الحرب الثورية، والصراع الرئيسي هو كل ما يشمل هذه المرحلة من قفزات نوعية، لما يكتمل نضج كل قفزة، عبر تراكمها الكمي الذي يتولد معه تراكم كيفي، الذي يصبح معطى جديدا، وثابتا في سيرورة الثورة، ومحددا من محددات صيرورتها، وفي أعلى تجلياتها ميلاد الحزب الثوري، الحزب الماركسي ـ اللينيني.
أما اختزال الصراع الأساسي والرئيسي في المرحلة والفترة، وتسمية بالتناقض الأساسي والرئيسي، كما فعل أصحاب الورقة، ما هو إلا لعب بالديالكتيك للمبتدئين من المتعلمين لتعاليم الماركسية، فالمرحلة والفترات هي أجزاء من التاريخ الطويل للثورة، كما هو الشأن بالنسبة للثورة المغربية ذات التاريخ الطويل في الصراعات الطبقية، وتناقضاتها، خلال مرحلة الإمبريالية لم يتغير فيها ما هو أساسي وما هو رئيسي، إذ لم تحدث فيها ثورة برجوازية يمكن أن نعتبرها قفزة نوعية، تحدد صيرورة الثورة المغربية، بل تعمق فيها الصراع الأساسي : في الصراع ضد الإمبريالية، وتمركز فيها الصراع الرئيسي : في الصراع ضد دولة البرجوازية التجارية، المهيمنة على السياسة والاقتصاد، هنا يكمن الطرح الديالكتيكي للثورة في علاقته بالبراكسيس وبناء الحزب الثوري : قائد الثورة.
وكل ما جاء في هذه الورقة وفي ملحقها، يمكن تصنيفه ضمن ممارسة ديماغوجية، حاول عبرها أصحابها تقديمها على أنها علم الديالكتيك الماركسي، وهو ديالكتيك ميتافيزيقي مغلف بالديماغوجية طبعا، والحامل لأخطاء نظرية سموها علم "الماوية"، وأكدوا ذلك بالملموس في تحريف المفاهيم الماركسية، في إصرار أعمى على تجاهل الديالكتيك الماركسي عند لينين، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" على أنه تطوير للمعرفة الماركسية من طرف ماو تسي تونغ، وهو بريء من هذا القول حيث لم يقر يوما أنه تجاوز لينين وبعد ستالين.
فالورقة تكرس بشكل فج، مقولة "نحن لسنا بحاجة إلى أعمال لينين" القيمة، ولا ل"تجربة ستالين الثورية"، ما دامت هناك نظرية جديدة للثورة في عصر الإمبريالية : "الماوية"، من أجل تحقيق ما سموه "الديمقراطية الجديدة" ثم "الاشتراكية"، في فترات من "النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبيرة" من أجل تحطيم "أجهزة الدولة الكمبرادورية" تحت قيادة "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية" التي "يمكن التحكم فيها هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري داخل جدلية حزب ـ جماهير"، هكذا بنى هؤلاء الأساتذة تصورهم المثالي الذاتي حول الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، لكن دون القدرة على تحديد كيف يتم بناء حزبهم البروليتاري هذا ؟ وهي آليات "جديدة" خالية من المضمون الماركسي اللينيني : حزب ـ جماهير، في تغييب للطبقة.
الورقة تنتقد كذلك الميكانيكية في التفكير، لدى اليمين في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ولكن دون قدرة أصحاب الورقة على التخلص من الفكر الميكانيكي، الذي جعلهم يمارسون القطيع الإبستيمولوجية في النظرية الماركسية اللينينية، وذلك بنفي التجربة الثورية البلشفية التي استفاد منها ماو تسي تونغ بنفسه، عدا ذكر "الحزب البروليتاري"، لكن دون الحديث عن سيرورة بنائه خلال ما سموه "المرحلة"، ودون الحديث عمن يقود ما سموه "دكتاتورية الديمقراطية الشعبية" و"النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبيرة"، ولا تحديد الطبقة التي تقود هذه النضالات ولا الأدوات التنظيمية الجماهيرية، وهل هي أيضا تنظيمات جديدة شعبية ؟ أم ماذا ؟
تسير الأحداث في الورقة، في شكل خليط من الأفكار غير المنسجمة مع الواقع الموضوعي للصراعات الطبقية بمغرب ما بعد موت ماو تسي تونغ، كأننا في جزيرة معزولة عن عالم الإمبريالية، جزيرة تشاهد سيرورة بناء "الديمقراطية الجديدة" بمغرب "الماويين"، دون أن تحرك الإمبريالية ساكنا ؟ إنه الفكر المثالي الذاتي لدى أصحابنا "الماويين" المسيطر على أصحاب الورقة، الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ثوريون، بعد الشهيد عبد اللطيف زروال، ولو فكرة من أفكاره الثورية واردة في الورقة، كأن فترة من الفترات الزاهية في حياة المنظمة لم تمر يوما، وأقروا بكل إيمان أعمى أن الثورة الصينية أسقطت الإمبريالية، وهي وجبة ثورية جاهزة للتطبيق بالمغرب وغرب إفريقيا : الحرب الوطنية الثورية بالصحراء الغربية، التي هي الأخرى لم تحظ بشيء يذكر في الورقة.
إن سقوط أصحاب الورقة في الديالكتيك الميتافيزيقي، في تناولهم للحركة الاجتماعية، وفي أقصى تجلياتها : الثورة الاجتماعية في عصر الإمبريالية، إنما يعبر بكل وضوح عن نتاج فكر مثالي ذاتي : النكسات التي ألمت بالحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، أيديولوجيا وسياسيا، خلال تاريخها الطويل المليء بالتضحيات، دون التقدم خطوة إلى الأمام في سيرورة تأسيس الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، ذلك أن الفكر المثالي الذاتي المسيطر على تصورات قادة منظمة إلى الأمام، بعد اغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، حال دون قدرتهم على فرز قيادة ثورية مسلحة بالديالكتيك والبراكسيس، مما جعل أصحاب هذه الورقة يقفزون على المراحل المهمة في تاريخ الثورة المغربية ويبخسونها، محاولين تجاهلها رغم أنها واقع موضوعي، وهو محدد أساسي لكل خطوة متقدمة في طريق الثورة المغربية، ونقصد هنا بالذكر التجربتين الثوريتين بالجنوب والشمال، بالريف وبالصحراء الغربية، مما جعلهم يقدمون وجبتهم الثورية "الماوية" بشكل فج، ومازالوا يقدمونها إلى اليوم رغم النكسات التي حلت بالتجربة الثورية الصينية.
واليوم وقد تعمقت الصراعات في السيرورة الثورية في البلدات المضطهدة، وتعيش الأحزاب الشيوعية والتنظيمات الماركسية ـ اللينينية نكسات عميقة، في الوقت الذي يعرف فيه النهوض الجماهيري الشعبي اندفاعا هائلا نحو الحرية والديمقراطية، مما يتطلب التنظيم أكثر فأكثر كما قال المعلم لينين، مازال نفس التفكير يهيمن على أغلب هذه التنظيمات، إلى حد الانصهار مع المد الظلامي المهيمن على الانتفاضات الشعبية، من المحيط إلى الخليج، مما يعيد إلى الواجهة بناء الحزب الماركسي ـ اللينينية المغربي، كأولوية نادى بها الشهيد عبد اللطيف زروال في وثيقة "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو"، وبقيت هذه المهمة الملحة إلى الآن دون الشروع في إنجازها، مما يضع مثل هذه الأوراق في خانة المزايدة السياسية وتعميق الصراعات داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.
إن ما يقع اليوم هو حرب جرثومية، التي تجاوزت الحرب النووية، التي أنهت الحرب العالمية الثانية، وفتحت باب التسلح النووي، الهيدروجيني، الكيماوي، والتي فاقتها الجرثومية، قوة في التدمير، في استهدافها تدمير الإنسان، دون غيره في الطبيعة، والتي جاء لتنهي الحرب الإمبريالية العالمية الثالثة، وتفتح باب الحروب الجيوسياسية، حول الطاقة، التي ستستمر، على شكل حروب تقليدية، في القارة الإفريقية والبلدان العربية، مما يتطلب من الشعوب المضطهدة الاستعداد التام لما بعد الجائحة، الاستعداد للحروب الوطنية الثورية، في مواجهة استراتيجية الحروب الإمبريالية، بعد انتهاء فصول الحرب الجرثومية الحالية، التي من المنتظر أن تشمل فصلا من فصول نشر الأمراض في صفوف الشعوب الإفريقية، عبر تجارة اللقاحات ضد وباء كورونا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire