إذا كانت الإمبريالية
أعلى مراحل الرأسمالية فإن المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل الديالكتيك الماركسي
باعتباره نتاج الثورة الاشتراكية/عشية الإمبريالية، ولا يمكن تجاوز المذهب الماركسي
اللينيني إلا بتجاوز المرحلة الانتقالية بين الإمبريالية والشيوعية أي الاشتراكية وبالتالي
تجاوز الدولة "نتاج ومظهر استعصاء التناقضات الطبقية"، لهذا أكد لينين على
أهمية بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا في علاقتها بالثورة والديمقراطية الثورية،
الديمقراطية البروليتارية نقيض الديمقراطية البورجوازية.
لا يمكن بناء أية
تجربة ثورية في بلد معين دون دراسة تاريخ الثورة بذلك البلد كما هو الشأن ببلدان شمال
إفريقيا التي تعتبر فيها ثورة الريف في علاقتها بثورة الجنوب أساس الحرب الشعبية بالصين،
كما أكد ماو ذلك لانتهازية الحزب الشيوعي المغربي في زيارتها للصين لما تساءلت عن كنه
تطور الصين ورغبتها في الاستفادة من التجربة الصينية، فأحالهم ماو على التجربة الثورية
الريفية بقيادة مؤسس حرب العصابات، قاهر الإمبريالية ومؤسس أول دولة وطنية ديمقراطية
شعبية في عهد الاستعمار الإمبريالي بشمال إفريقيا : القائد العظيم محمد بن عبد الكريم
الخطابي، ملهم الحرب الشعبية ضد الإمبريالية موازاة مع الحرب الأهلية بروسيا ومؤسس
حركة التحرر الوطني المسلحة بشمال إفريقيا.
لقد بات أكثر من
أي وقت مضى ضروريا الدفع بالصراع الأيديولوجي والسياسي إلى الأمام ضد الانتهازية اليمينية
واليسارية وضد الإمبريالية، بمواجهة الأفكار والنظريات البرجوازية والتحريفية التي
ينشرها ويتحدث أصحابها باسم الماركسية بدعوى تطوير الماركسية، فما معنى تطوير الماركسية
من اليسار في اتجاه اليسار ؟ ذلك ما قام به لينين في تطويره للديالكتيك الماركسي على
مستوى المعرفة منطلقا به نحو أعلى مستوياته في العلاقة بين الحزب والحرب، في أعلى مستوى
الديالكتيك الماركسي الذي استفاد منه قادة الحرب الثورية ضد الانتهازية والإمبريالية
في القرن 20: ستالين، ماو وهو شي منه.
وقد بات النضال الأيديولوجي
والسياسي الذي قاده لينين خلال العقدين الأولين من القرن 20 ضد الانتهازية والإمبريالية
اليوم أكثر أهمية بإحيائه وفق شروط الحياة المادية للصرع ضد الانتهازية الحديثة في
ظل طغيان الإمبريالية التقليدية بقيادة أمريكا والإمبريالية الصاعدة بقيادة روسيا،
اللتان تهيمنان على الشأن الأيديولوجي والسياسي عالميا ببلورة ما تسميه البرجوازية
والانتهازية صراع القطبين ونشر هذا الادعاء المغلوط من طرف الأساتذة البرجوازيين الصغار،
رغبة في تعميم التسليم بوجود وقدرية الإمبريالية والدول الاحتكارية وحتمية الميل لتأييد
أحد القطبين المتصارعين حول التقسيم الجديد للعمل عالميا، عبر إشعال الحروب اللصوصية
في البلدان المضطهدة لإعادة هيكلة الأنظمة التبعية الرجعية تحت مسميات عديدة تروم طمس
حقيقة الانتهازية والإمبريالية في القرن 21، اللتان كشف التاريخ الثوري للشعوب المضطهدة
بآسيا، إفريقيا وأمريكا اللاتينية المضمون الطبقي لأيديولوجيتهما التي سخرت لها إمكانيات
مادية وثقافية هائلة لإسكات صوت الشعوب المضطهدة، وما وفرته وسائل الإنتاج المادية
والثقافية المتطورة في المرحلة الثالثة من تطور العلوم الطبيعية خاصة الفيزياء بعد
تجاوز المرحلتين الميكانيكية والإلكترونية وبروز ثورة المعلوميات، التي أبهرت الأساتذة
البرجوازيين الصغار أعمدة الانتهازية الحزبية التحريفية والاصلاحية في المدارس والجامعات
والمنابر الإعلامية بالمواقع الإلكترونية لنشر أفكارهم المسمومة ضد الماركسية والماركسية
اللينينية، من أجل حشد تأييد البرجوازية الصغيرة للبرامج الحكومية الاقتصادية الطبقية
وإسكات أصوات جماهير العمال والفلاحين المضطهدين بالدول الإمبريالية والتبعية على السواء.
فكما هو الحال اليوم
بعد ثورة المعلوميات ففي نهاية القرن 19 عاشت الفيزياء أزمة خانقة نتيجة الاكتشافات
الجديدة في مجال العلوم الطبيعة المتسمة بصفة الثورة الفيزيائية التي دحضت استنتاجات
الفيزياء الميكانيكية، وأصبحت الماركسية محط انتقادات الفيزيائيين الجدد بعد انبهارهم
بثورة الراديوم على الميكانيكا محاولين دحض أطروحات إنجلس حول المادية، وذلك بمقارنة
الاكتشافات الحديثة في الفيزياء مع مضامين كتاب "ضد دوهرينغ" خاصة مقولته
"لا حركة بدون مادة" و"الحركة هي شكل وجود المادة"، ساعين إلى
الوصول إلى نفي المادة بقولهم ب"زوال المادة" مقابل "بقاء الطاقة"،
من أجل "التهكم على روح المادية الديالكتيكية" كما يقول لينين في كتابه المادية
والمذهب النقدي التجريبي، الطبقة العربية، دار التقدم، الفصل الخامس: الثورة الحديثة
في علم الطبيعيات والمثالية الفلسفية، ص 292.
وعكس ادعاءات الفيزيائيين
المعاصرين فقد أعطت الثورة الحديثة في الفيزياء لاستنتاجات إنجلس العلمية بعدا أدق
و أشمل لقوله : "عند كل اكتشاف يشكل عهدا حتى في ميدان تاريخ الطبيعة ... ينبغي
حتما على المادية أن تغيير شكلها"، كتاب لودفينغ فيورباخ، ص 16 من الطبعة الألمانية.
ومما سبق يتضح أن
على الماركسية أن تغير شكلها وأن نعيد النظر في استنتاجات ماركس وإنجلس ولينين وستالين،
لكن بأية صفة يمكن تطبيق مقولة إنجلس حول "تغيير الشكل" ذلك ما أجاب عنه
لينين في قوله: "ونحن لا نلوم البتة الماخيين على إعادة النظر هذه. بل نلومهم
على أسلوبهم التحريفي الصرف. ومفاده خيانة كنه المادية تحت ستار نقد شكلها". نفس
المرجع ص 293.
وفي محاولة البورجوازية
اليائسة لدحض مقولة إنجلس الجبارة حول المادة ليس من باب تغيير الشكل إنما من أجل تحريف
الماركسية وهذا ما يجب مقاومته، وقد قام لينين بهذا العمل الجبار بتطبيقه للديالكتيك
الماركسي على مستوى المعرفة مدافعا عن أطروحة إنجلس القائلة: "... الحركة غير
ممكنة بدون المادة"، كتاب ضد دوهرينغ، ص 50.
وأوضح لينين وجود
مدارس مختلفة بين الفزيائيين المعاصرين وصلة مدرسة من هذه المدارس بانبعاث المثالية
الفلسفية، وبين كنه الخلافات بين المدارس المختلفة التي تكونت بعد الطفرة النوعية في
مجال العلوم الطبيعية وخاصة الفيزياء.
لقد أعلن الفيزيائيون
عن أزمة العلوم الفيزيائية والتي تجلت في دحض استنتاجات الفيزياء الكلاسيكية، واتجه
انتقاد الفلاسفة نحو الفيزياء في انتقادهم للعلوم الطبيعية محاولين ضبط مكامن هذه الأزمة
وجوهرها، وقبل ذلك كان الفيزيائيون يؤمنون بالتفسير الميكانيكي للطبيعة ونمت بينهم
النزعة الميكانيكية لفهم العالم الموضوعي، ولم يختلفوا إلا في أساليب التفسير الميكانيكي
وأصبح لكل عالم ميوله الخاص بعد الاختلاف الحاصل حول جوهر تفسير المادة.
فيما قبل كانت الميكانيكا
هي الأسلوب الأوحد الذي يمكن اتباعه للوصول إلى تحديد ميتافيزيقا المادة، حتى أضحت
نظريات الفيزياء الميكانيكية عبارة عن أنطولوجيا، وهذه النظرة كانت ميكانيكية صرفة
إذ يعتقد الوضعيون أنه يمكن الوصول إلى ميتافيزياء المادة باتباع خطوات الفيزياء الميكانيكية،
الشيء الذي يعتبر خروجا عن التجربة التي يؤمنون بها وبالتالي ما فوق التجربة، ويرى
الفيزيائيون الوضعيون أن أزمة الفيزياء مؤقتة محاولين الاعتماد على روح الفيزياء المعاصرة
لفهم العالم لكن بشكل ميتافيزيقي، بإعطاء الأولوية للروح على العقل ويقول آبل ري:"
الحركة الإيمانية واللاعقلية في السنوات الأخيرة من القرن 19 "تسعى" إلى
الاعتماد على الروح العام للفيزياء المعاصرة". كتاب: نظرية الفيزياء عند الفيزيائيين
المعاصرين، باريس 1907 .
إن الوضعيين يجهلون
كنه المادية التي وضعها ماركس وإنجلس والتي اعتمدها لينين في دحض لنظرياتهم الخاطئة
حول المادة، وهم يعتمدون خلاصات هيوم حول المعرفة وعلاقاتها بالإحساسات ويقعون في ورطة
المثالية الذاتية، مما يجعلهم يعتبرون المادية عقيدة وخارجة عن حدود التجربة بالخلط
بين المادية الميكانيكية والمادية الميتافيزيقية، الشيء الذي يجعلهم لا يستطيعون بيان
الفرق بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية التي قال عنها لينين : "يستطيع التفكير
البشري بحكم طبيعته أن يعطينا وهو يعطينا الحقيقة المطلقة التي تتكون من مجمل الحقائق
النسبية. وكل درجة في تطور العلم تضيف ذرات جديدة إلى مجمل الحقيقة المطلقة هذا، ولكن
حدود حقيقة كل موضوعة علمية هي حدود نسبية لأنها تتسع تارة وتضيق طورا من جراء نمو
المعرفة اللاحق." نفس المرجع السابق، ص 151ـ152 .
و جوهر أزمة الفيزياء
المعاصرة في نظر لينين هو أن الفيزياء الميكانيكية اعتبرت نظرياتها "معرفة فعلية
للعالم المادي"، أي أنها "انعكاس للواقع الموضوعي" الذي أكدته نظرية
"الشيء في ذاته" عند إنجلس باعتبار أفكارنا صور للمادة في أذهاننا، وأن المادة
موجودة دون إرادتنا والأشياء التي نسخرها بفضل المعرفة أي "الشيء من أجلنا"
موجودة قبل اكتشافها.
أما الفيزياء المعاصرة
فقد حولت نظرة الفيزيائيين إلى العالم الموضوعي وبرز تيار جديد "لا يرى في النظرية
سوى رموز وعلامات وإشارات لأجل النشاط العلمي، أي أنه ينكر وجود الواقع الموضوعي، المستقل
عن وعينا والذي يعكسه وعينا"، عن لينين، نفس المرجع ص 298ـ299.
وهكذا يستخلص لينين
أن الفيزياء الكلاسيكية قد تبنت نظرية عرفانية مادية بشكل عفوي إلا أن أزمة الفيزياء
المعاصرة قد حولت هذه النظرية إلى مثالية لا عرفانية، وهذا الانقلاب في التفكير لدى
الفيزيائيين المعاصرين نتيجة أزمة الفيزياء المعاصرة نتج عن عدم استيعابهم للديالكتيك
الماركسي، وبالتالي سقوطهم في أخطاء علمية فادحة تجلت بالأساس في قولهم ب"المادة
زالت" لجهلهم بالديالكتيك الماركسي الذي طوره لينين على مستوى المعرفة.
لقد أحدثت أزمة الفيزياء
الجديدة صراعا بين الفيزيائيين المعاصرين بين من يناصر الميكانيكية والمعارض لها، وقسم
آبل ري الاتجاهات المذهبية بين الفيزيائيين إلى ثلاث مدارس أساسية :
1 ـ المدرسة الطاقية أو المفاهيمية.
2 ـ المدرسة الميكانيكية أو الميكانيكية الجديدة.
3 ـ المدرسة الانتقادية.
ويعترض لينين على
هذا التقسيم حيث الاتجاه الثالث يعتبر وسطيا ويأتي بين الأول والثاني باعتبارهما خطين
أساسيين معارضين في العرفانية بحكم نظرة الوضعيين إلى أزمة الفيزياء، مما يتعارض حقا
مع كنه الأزمة التي نتجت عن تحطيم القوانين القديمة والمبادئ الأساسية القديمة، وبالتالي
"نبد الواقع الموضوعي القائم خارج الوعي"، وذلك باستعاضة الفيزيائيين المعاصرين
عن المادية بالمثالية واللاعرفانية.
وكان لأزمة الفيزياء
الجديدة أثر كبير في الخلط الذي وقع فيه الفيزيائيون المعاصرون بالقول ب"المادة
تزول"، انطلاقا من استنتاجاتهم حول خلاصات الفيزياء الجديدة حول الصلة بين الذرة
والكهرباء عبر حركة الإليكترونات، مما أوقعهم في خطأ فادح وهو "الذرة تفقد ماديتها"
كما قال ل. هولفيغ في كتابه "تطور العلوم"، والفيزيائي الإيطالي أوغست ريغي
الذي قال عن النظرية الإليكترونية "هي نظرية الكهرباء أقل مما هي نظرية المادة،
فإن النظام الجديد يحل الكهرباء محل المادة و حسب".
هذا الخلط بين المادة
والكهرباء ناتج حسب لينين عن عدم فهم "الصلة الفعلية بين المثالية الفلسفية و"المادة
تزول". حيث أن مقولة "المادة تزول" التي يتحدث عنها الفزيائيون المعاصرون
"لا يمت بأي صلة إلى التمييز العرفاني بين المادية والمثالية". نفس المرجع
ـ ص 301.
إن التناقض بين المادية
والمثالية تناقض جوهري ويتجلى في التعارض بين الاتجاهين المعارضين اللذان يحكمان أسس
المعرفة بصفة عامة، كما حدد إنجلس ذلك في كتاب "لودفيغ فورباخ" : "المادية
والمثالية هما الاتجاهان الفلسفيان الأساسيان ... إن المسألة الأساسية الكبرى في كل
فلسفة ولا سيما في الفلسفة الحديثة ... هي مسألة علاقة الفكر بالوجود، علاقة الروح
بالطبيعة".
ولكون معارفنا في
علاقة جدلية باتجاهاتنا الفلسفية فإن مصدر معرفتنا يتحدد حسب هذا الاتجاه أو ذاك، حسب
النظرة المادية أو المثالية للأشياء، والقول ب"المادة تزول" يعني حصر عالم
الطبيعة في الكهرباء والأثير، واستخلص لينين من ذلك أن القول ب"المادة تزول"
يقود إلى القول أن الكهرباء تقوم مقام المادة أي حصر المادة في الكهرباء، وبالتالي
تزول "خواص المادة" التي تم اعتبارها فيما قبل مطلقة "الحركة غير ممكنة
بدون مادة" كما قال إنجلس، بينما المادة حسب المادية الفلسفية موجودة خارج وعينا
وهي الواقع الموضوعي، العالم الفيزيائي الموجود دون إرادتنا.
إن الثورة في مجال
العلوم الطبيعية وخاصة الفيزياء أحدثت أزمة معرفية لدى الفيزيائيين المعاصرين لكونهم
يتجاهلون أسس المادية الفلسفية، فالاعتراف الذي حصل لديهم حول "جوهر الأشياء الذي
لا يتغير" ليس إلا مادية ميتافيزيقية أي منافية للديالكتيك كما قال لينين
:" يجب أن نسأل: أتوجد الأليكترونات والأثير وما إلى ذلك خارج الوعي البشري بوصفها
واقعية موضوعية، أم لا ؟ عن هذا السؤال سيتعين على علماء الطبيعيات أن يجيبوا وهم يجيبون
دوما بدون تردد: أجل، كما يعترفون بلا تردد بوجود الطبيعة قبل الإنسان وقبل المادة
العضوية". نفس المرجع ص 304.
وهذا الإقرار من
طرف الفيزيائيين يحل المسألة لصالح المادية لكون المادة لا تعني في المادية الفلسفية
غير "الواقع الموضوعي" الذي يوجد "خارج وعينا"، والذي لا يعتبر
من الناحية العرفانية في المادية غير:الواقعية الموضوعية الموجودة بصورة مستقلة عن
الوعي الإنساني والتي يعكسها هذا الوعي". لينين نفس المرجع ص 304.
وفي مجال العلم تقر
المادية الديالكتيكية بنسبية كل موضوعة علمية عن "بنيان المادة و خواصها"
وعلى "انعدام الحدود المطلقة في الطبيعة"، وهي كذلك تقر بعدم استقرار المادة
في حالة واحدة وهي في تحول دائم في حركة دائمة من حالة إلى حالة منافية معها، ويستنتج
لينين من ذلك ما يلي: "مهما كان تحول الأثير العديم الوزن إلى مادة ذات وزن، والعكس
بالعكس، عجيبا من وجهة نظر "العقل السليم"، ومهما كان انعدام أية كتلة عند
الإليكترون عدا الكتلة الكهرمغناطيسية "غريبا"، ومهما كان اقتصار القوانين
الميكانيكية للحركة على ميدان ظاهرات الطبيعة وحدها، وخضوع هذه القوانين لقوانين أعمق
هي قوانين الظاهرات الكهرمغناطيسية، وإلخ ..، غير عادي، ـ فإن كل هذا هو مجرد تأكيد
آخر على صحة المادية الديالكتيكية. فإن الفيزياء الجديدة قد انحرفت إلى المثالية، وذلك
بصورة رئيسية للسبب التالي على وجه الدقة ، و هو أن الفيزيائيين لم يكونوا يعرفون الدياليكتيك".
نفس المرجع ص 305.
وقد قادهم جهلهم
هذا بالديالكتيك الماركسي إلى إنكار "واقعية العالم الفيزيائي" وبالتالي
إنكار "الخواص الثابتة للمادة"، وبالتالي انزلقوا إلى إنكار وجود المادة
بقولهم "المادة تزول" وهم بإصرارهم على نسبية معارفنا فقد انزلقوا إلى إنكار:
"الموضوع المستقل عن المعرفة، والذي تعكسه هذه المعرفة بصورة صادقة تقريبا، بصورة
صحيحة نسبيا، وهكذا دواليك، وهلم جرأ إلى ما لا نهاية"، نفس المرجع.
لقد عاش الفزيائيون
المعاصرون في التناقض بين قوانين الفيزياء الميكانيكية واستنتاجات الفيزياء الجديدة،
مما خلق لديهم أزمة معرفية حول كنه ما هو ثابت في الطبيعة وما هو متحول لكونهم يجهلون
الديالكتيك الماركسي، الذي يقر بثبوت شيء واحد فقط هو: "عكس الوعي البشري (حين
يكون الوعي البشري موجودا) للعالم الخارجي الموجود والمتطور بصورة مستقلة عن الوعي
البشري". نفس المرجع
ولا يوجد في نظر
ماركس وإنجلس أي "ثابتية" أخرى، أو أي "كنه" آخر، أو أي
"جوهر مطلق" آخر، بالمعنى الذي يتصوره الفيزيائيون المعاصرون، و حسب لينين:"
فإن "كنه" الأشياء أو "الجوهر" هما أيضا نسبيان، وهما يعربان فقط
عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع، ولئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة،
واليوم إلى أبعد من الإليكترون والأثير، فإن المادية الديالكتيكية تلح على الطابع المؤقت،
النسبي التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم
لدى الإنسان ". نفس المرجع ص 306.
إن الصراع القائم
بين المتشبثين بخلاصات الفيزياء الكلاسيكية وغيرهم من المقتنعين بخلاصات الفيزياء الجديدة،
إنما هو صراع بين الميول إلى المادية بشكل عفوي والنزعة المثالية الذاتية الحديثة،
وكنه هذا الصراع ناتج عن جهل هؤلاء للمادية الفلسفية التي تقر بوجود المادة خارج وعينا
عكس المادية الميتافيزيقية التي تقر بوجود المادة بشكل عفوي، والإقرار من طرف آبل ري
بوجود الصنف الثالث من الفيزيائيين بين المدرسة المفاهيمية والمدرسة الميكانيكية الجديد،
إنما ينم عن جهله للصراع بين المادية والمثالية كشكلين من الميولات الفلسفية المتعارضة
ولا ثالث لهما.
في نهاية العقد الأول
وبداية العقد الثاني من القرن 20، سعى بعض الأساتذة البورجوازيين إلى مناصرة الفلسفة
الوضعية ضد المذهب الماركسي، بتبنيهم ما يسمى "الفلسفة الوضعية الحديثة"
أو "فلسفة العلوم الطبيعية الحديثة"، التي يريدون اتخاذها وسيلة لدحض الديالكتيك
المادي الماركسي، بعد انبهارهم بما لحق العلوم الطبيعية من تطور هائل دون أن يستطيعوا
فهمه وتفسيره وعلاقته بالواقع الاجتماعي، معتقدين أنه من السهل عليهم تجاوز المذهب
الماركسي المادي على المستوى الطبيعي والاجتماعي، وفي اجتهاداتهم هذه أصبحوا منحرفين
بأفكارهم عن آراء ماركس وإنجلس في مجال المعرفة والطبيعة والتاريخ، واعتبروا الماركسية
عبارة عن "تصوف" وأنها أصبحت "شائخة" وذلك نتيجة انحرافهم نحو
الميتافيزيقا التي لازمت الصراع بين قطبي الفلسفة : المادية والمثالية.
وكان لابد للماركسيين
في المجال المعرفي من دحض مثالية القرن 20، و كانت هذه المهمة ملقاة على عاتق لينين،
الذي قام بدحض مقولات هؤلاء المثاليين الجدد عن مفهوم المادة وعلى رأسهم أتباع إرنست
ماخ، الشيء الذي ساهم في تطوير الديالكتيك الماركسي في مجال المعرفة، عبر المقاربة
بين فلسفة الماخيين في القرن 20 وفلسفة بركلي في القرن 18 وتوجيه انتقادات صارخة لها،
واستنتج لينين أن الماخيين لم يقوموا إلا بإعادة إنتاج نفس أفكار بركلي المثالية، في
محاولتهم لدحض مقولة "الشيء في ذاته" أو "المادة" خارج التجريد،
خارج إدراكنا، واتهموا الماديين بأنهم متصوفون حين يقرون ب"شيء غيبي قائم خارج
حدود التجربة والمعرفة".
وذهب لينين أبعد
من ذلك في نقده للماخيين، وعمل على التحقق من آرائهم باعتبارها ليست آراء جديدة كما
يدعون لكون أسسها ترجع إلى بداية القرن 18، عندما قاد جورج بركلي نفس الحملة العدائية
ضد الماديين الذين لم يسميهم في كتاباته، وأقروا أن المادية الفلسفية الحديثة لا تعترف
بمفهوم "المادة" و"الجوهر"، ويعتقد هؤلاء الأساتذة أن ماخ قام
بإنجاز عظيم في مجال المادية الحديثة، جاهلين أنهم يتفقون مع بركلي في قوله أن
"المادة لا شيء و هي جوهر لا وجود له"، متنكرين لوجود الثنائية: الجوهر والمادة،
الأشياء والأفكار، محاولين دحض الفلسفة المادية الماركسية بالرجوع إلى الوراء والأخذ
بمقولة "الفكرة".
وقد سبق لإنجلس أن
واجه المذهب المثالي وقسم الفلاسفة إلى اتجاهين كبيرين في مؤلفه "لودفينغ فريوباخ"،
و قسمهم إلى فلاسفة ماديين وفلاسفة مثاليين وحدد الفرق الكبير بينهما، لكون الماديين
يعتبرون المادة هي الأصل عكس المثاليين الذين يعتبرون الروح هي الأصل والطبيعة الفرع،
وبين هؤلاء وأولئك يوجد أنصار هيوم وكانط، الذين ينكرون إمكانية معرفة العالم أو على
الأقل معرفته معرفة تامة وسماهم "اللاعرفانيين"، وفي كتابه "المادية
التاريخية" يتحدث عن "اللاعرفاني الكانطي الجديد" ويقصد إنجلس هنا هيوم.
لقد اهتم إنجلس كثيرا
بالقضايا ذات الصلة بالعلوم والتاريخ وتكلم كثيرا عن فظاظة المفاهيم عند علماء الطبيعيات
المعاصرين واعتبرها متحجرة، ونعت نظراتهم بالميتافيزيقية المنافية للديالكتيك المادي
حيث يخلطون بين النسبية والديالكتيك.
وأكد لينين نفس الملاحظات
عند ماخ الذي حاول انطلاقا من "الأحاسيس" تكوين "العناصر الفيزيائية"،
ومن "العناصر نفسها ينسج كلاما فارغا بعيدا عن الديالكتيك المادي" كما قال
لينين، وقصد ماخ بذلك الدعاية للمثالية ضد المادية، واعتنق الكمونيون الذين يعتبرون
من المثاليين المتطرفين آراءه إذ يجدون فيها لذتهم في معارضة المادية
وأكد لينين أن قيام
ماخ على استنتاج "الأحاسيس" من "حركة المادة" مناقض تماما لمادية
ديدرو الذي دحض أقوال الماديين المبتذلين الذين يدعون أن "الدماغ يفرز الأفكار"
كأي عضو من أعضاء الجسم الذي يفرز مادة معينة، وتجاهل ماخ استنتاجات ماركس وإنجلس كما
تجاهل استنتاجات هيكل وفويرباخ مثله في ذلك مثل باقي الأساتذة المدرسين للفلسفة الرسمية.
وعن منظور ماخ حول
عناصر العالم، قال لينين: "يتلخص اكتشاف عناصر العالم (حسب ماخ) من :
1 ـ إن كل موجود يعلن إحساسا.
2 ـ إن الإحساسات تسمى عناصر.
3 ـ إن العناصر تنقسم إلى فيزيائي ونفسي،
الأخير هو ما يتوقف على أعصاب الإنسان وعموما على العضوية البشرية، الأول لا يتوقف.
4 ـ إن صلة العناصر الفيزيائية وصلة العناصر
النفسية تعلنان غير موجودتين بصورة منفردة أحدهما عن الآخر، فهما لا توجدان إلا معا.
5 ـ إنه لا يمكن التجرد عن هذه الصلة أو تلك
إلا مؤقتا
.
6 ـ إن النظرية "الجديدة" تعلن
خالية من "أحادية الجانب."
وعلق لينين على هذا
المنظور: "لا وجود هنا بالفعل لأحادية الجانب، ولكنه يوجد خلط ما بعده خلط بين
وجهات نظر فلسفيتين متضادة. فما دمت تنطلق من الإحساسات فقط. فإنك لن تصلح بكلمة
"عنصر" "أحادية الجانب" مثاليتك". لينين، كتاب المادية والمذهب
النقدي التجريبي، ص:53 .
وفي مؤلفه
"تحليل الأحاسيس" صدق بوغدانوف أقوال ماخ جاهلا أن ما أكد عليه مناقض تماما
للحقيقة، وأكد لينين أن مثالية أفيناريوس تظهر حقا في مؤلفه هذا، و هو يقر بأن الإحساس
هو الوحيد الذي يمكن اعتباره موجودا مما يتناقض مع وجود الجوهر، و قوله بالأحاسيس مستقلة
كالقول بوجود الأفكار بدون دماغ.
ونعت لينين فلسفة
بوغدانوف بالنصف "مادية تاريخيا طبيعيا"، حيث لا يعتبر الإحساس الصلة المباشر
للإدراك مع العالم الخارجي، مع الواقع، من خلال "تحويل طاقة التهييج الخارجي إلى
واقع الوعي"، وهو يضع بذلك الإحساس حاجزا وليس صلة بالعالم الخارجي ويفصل بالتالي
الوعي عن الواقع، وهو يعيد ما قاله بركلي منذ زمن بعيد، ونجد زعماء هذا التيار بإنجلترا
كارل بيرسون الذي يقر بموافقته على آراء ماخ وبفرنسا نجد دوهيم وهينري بوانكاره الفرنسيين.
و يقول بوغدانوف
أنه لا يعتبر نفسه ماخيا في الفلسفة إذ أخذ من ماخ فقط عملية فصل ما هو فيزيائي عما
هو نفسي وتبعيتهما للتجربة، ويقول لينين عن قوله هذا "أنه ينسى أنه أخذ منه جوهره
الخاطئ"، معتقدا أنه باستطاعته التخلص من منطلقاته المثالية الذاتية، وكذلك هو
حال كل نقاد المذهب التجريبي حيث لا يفهم أنه يشترك مع الماخيين فيما هو أساسي.
وقام لينين بدحض
المذهب النقدي التجريبي ذي الأسس المثالية الذاتية الذي حاول من خلاله الماخيون العصف
باستنتاجات المذهب الماركسي نحو المثالية، خاصة منها الديالكتيك المادي الذي يريدون
أن يتجاوزوه معتمدين في ذلك على استغلال العلوم الطبيعية بشكل فج.
وقد حاول ماخ وأفيناريوس
الخوض في مجال المعرفة على مستوى العلوم الطبيعية من أجل إسقاط استنتاجات التجربة في
هذا المجال على مستوى النفس، ولكن عدم قدرتهما على فهم العلاقة بين الأحاسيس والأشياء
جعلهما يتخبطان في تناقضات المثالية الذاتية، فجهلهما بأسس المادة الديالكتيكية الماركسية
على مستوى الحركة جعلهما لا يدركان الصلة بين المادة والفكر، وهم بذلك يجهلان مبدأ
التناقض داخل الحركة التي وضع أسسه كل من ماركس وإنجلس وطوره لينين بإعطائه لمفهوم
المادة بعدا أشمل حيث يقول: "المادة مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي".
و قد استعمل هذا
المفهوم خلال نضاله في مجال المعرفة ضد الماخيين واستطاع تطوير المذهب الماركسي، من
أجل معرفة العالم معرفة علمية ضد المثالية الذاتية واللاعرفانية، وأوضح كيف أن
"الديالكتيك هو نظرية المعرفة الماركسية" مما ساعده في استنتاجاته حول النفس
التي اعتبرها ذات البعد المادي بقوله : "إن الأحاسيس هي صورة ذاتية عن العالم
الموضوعي
".
و استطاع لينين تطوير
المذهب الماركسي في مجال المعرفة بتطوير الديالكتيك الماركسي في حربه ضد الماخيين الذين
يريدون إنهاء نظرياتهم المثالية بالماركسية، وقام بدحض المذهب النقدي التجريبي الذي
شوه عبره الوضعيين مفهوم "الواقعية" الذي أصبح مفهوما مبتذلا، مما جعل لينين
يتخذ مفهوم "المادة" الذي وضعه إنجلس للتعبير عن الواقع الموضوعي في مجابهته
لأعداء الديالكتيك المادي الماركسي.
وطور لينين الديالكتيك
الماركسي على مستوى المعرفة، في ظل أوضاع روسيا القيصرية التي يسود فيها الاستبداد
بارتباطها بأوروبا عصر الإمبريالية التي "تراجعت فيها الديمقراطية إلى الرجعية
على طول الخط" كما يقول، في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والمعرفية حيث
انتشر في أوروبا المذهب النقدي التجريبي بزعامة ماخ.
وكان عدد كبير من
الاشتراكيين الديمقراطيين قد انبهروا بهذا المذهب الذي رأوا فيه آخر ما يمكن أن يتوصل
إليه الفكر المادي بعد ماركس، معتبرين أن الماخية هي التي ستقوم مقام الديالكتيك المادي
الماركسي ومن ضمن هؤلاء المناشفة وبعض البلاشفة، مما وضع أمام لينين هذه المهمة الصعبة
التي تتجلى في الدفاع عن الفلسفة المادية الماركسية، وقام ببلورة المنظور الديالكتيكي
المادي الماركسي في مجال المعرفة الذي يميز الماركسية اللينينية عن غيرها من المذاهب
ليعطي للديالكتيك المادي الماركسي نفسا جديدا.
لاحظ لينين أن الماخيين
حاولوا محاكمة أفكار بليخانوف حسب فهمهم لمسألة الطبيعة والإنسان، وطرحوا مسألة الزمن
والمكان والسببية في علاقتها بقول بليخانوف ب"وجود العالم قبل الإنسان"،
الذي استنتج أن:
ـ فلسفة كانط لا
تفيد في هذا الشأن.
ـ المثالية تقر بعدم
إمكانية وجود الموضوع بدون ذات.
ـ تاريخ الأرض يبين
وجود الأرض قبل الذات بزمن طويل، قبل وجود المواد العضوية التي تملك درجة معينة من
الوعي.
ـ التاريخ اعترف
بالمادة والشيء في ذاته.
وأكد أن فلسفة كانط
المتسمة باللاعرفانية لا تملك جوابا عن إشكالية الذات والموضوع لأنها لا تتوافق والعلم
المعاصر.
ويقول بليخانوف عن
موضوع الطبيعة والإنسان :
" لا موضوع بدون الذات بنظر المثالية وأن
الموضوع يوجد بنظر المادية بصورة مستقلة عن الذات ومعكوسا بقدر متفاوت من الصحة في
إدراكنا".
و أكد لينين أنه
لا يمكن لأي مادي أن يكذب قول بليخانوف هذا لأن :
ـ المادة والطبيعية
موجودتان قبل الإنسان.
ـ المثالية الذاتية
هي منطلق المذهب النقدي التجريبي من خلال مقولة أن العالم هو عبارة عن أحاسيس.
ويتم لف مقولة الأحاسيس
بمجموعة من الكلمات التي يستعملها أفيناريوس وماخ، من أجل التغطية عن تناقضاتها مع
العلوم الطبيعية، واستطاع المذهب الماركسي اللينيني دحض المذهب النقدي التجريبي وجميع
المذاهب التي تصب في بحر المثالية الذاتية والسولبسيسم.
وفي نقده للمذهب
النقدي التجريبي يستخلص لينين أن هذا المذهب تلازمه على طول الخط المسائل العرفانية
الرجعية التامة، باستعمال جديد للكلمات الحاملة للأخطاء القديمة للمثالية واللاعرفانية،
ولا يمكن الحديث عن الجمع بين الماركسية والمذهب النقدي التجريبي، وهذا المذهب لا يشكل
إلا مدرسة صغيرة من بين المدارس الفلسفية الصغيرة في العصر الحديث، حيث انطلاق رواده
من كانط محاولين الوصول إلى المادية ليعصف بهم نحو اللاعرفانية الهيومية والبركلية،
وعملوا على تكريس مذهب الماخية الغارق في المثالية في وحدته مع الكمونية أشد إغراقا
في الرجعية.
ويقول لينين أن الماخية
مرتبطة ببعض العلماء الطبيعيين المنزلقين عبر نظرية النسبية إلى المثالية خاصة في العلوم
الفيزيائية، بعد الاكتشافات العلمية العظيمة التي حطمت النظريات القديمة الكلاسيكية
والتي بينت نسبية معارفنا، مما كرس انتشار المثالية الفيزيائية على غرار المثالية الفيزيولوجية
في الماضي في أوساط العلماء الطبيعيين.
وعمل هؤلاء الأساتذة
البورجوازيون على تكريس صراع الأحزاب الفلسفية عبر السكولاستيك العرفاني للمذهب النقدي
التجريبي، لكون الفلسفة الحديثة حزبية كالفلسفة منذ ألفي سنة مضت حيث المادية والمثالية
حزبان متصارعان على طول التاريخ، هذا الصراع يعبر عن ميول الطبقات المتناقضة وعن أيديولوجيتها،
عبر "جوهر الأمر المستور" كما قال لينين، ودور المذهب النقدي التجريبي دور
طبقي يسعى إلى خدمة "الإيمانية" ضد "المادية" عامة والمادية التاريخية
على الخصوص، والمذهب النقدي التجريبي أيديولوجية التحريفية في العصر الحديث.
ففي المجال المعرفي
العام يصف لينين التحريفية بأنها "النزعة الفكرية لاشتراكية ما قبل ماركس"،
حيث يسعى الأساتذة المدرسون إلى تمرير الفكر الكانطي عبر البرامج التعليمية الرسمية،
في محاولة لإحياء الفكر المثالي زاعمين أن المادية قد تم دحضها، وهم في محاولاتهم لمهاجمة
الديالكتيك الهيكلي يحتقرون الفلسفة المادية، وهم لا يستطيعون فهم الديالكتيك الماركسي
الذي حاولوا تعويضه بالفلسفة المثالية للقرون الوسطى، وجعلوا "الدين ليس قضية
الدول بل كذلك قضية الطبقة الثورية" كما قال لينين، في محاولة فاشلة لإدخال التعديلات
على المذهب الماركسي.
إن مرحلة ماركس هي
مرحلة تطوير المفهوم المادي للتاريخ والديالكتيك المادي عبر عمله على مراجعة فلسفة
هيكل، التي اعتبرها مهمة باكتشافها للصيرورة الجدلية لكنها بقيت حبيسة "الفكرة
المطلقة" التي جعلتها ذات أبعاد مثالية، مما تطلب جعل الجدلية مادية وذلك بإخراجها
من الفكرة إلى الواقع الملموس، وأسس الديالكتيك الماركسي بعد إزالة صفة المثالية من
جدلية هيكل منتقدا مفهومها الدولة عند هيكل، واعتبر "إنسان" فويرباخ إنسانا
مجردا لأنه لم يعمل إلا على تغيير "الفكرة المطلقة" ب"الإنسان"
دون الخروج من دائرة المثالية.
لقد قاد ماركس الصراع
ضد المناهضين للديالكتيك المادي من البرودونيين واللاساليين الذين أثارهم المذهب الماركسي
محاولين تحريفه، ووضع أسس الثورة الاشتراكية باعتبار الصراع الطبقي هو المحدد لحركة
التاريخ، وقطع الصلة بالمثالية في صراعه ضد البورجوازية التي ترى في المثالية الملاذ
الآمن من أجل استغلال الطبقة العاملة، حيث لم تستطع البورجوازية التخلص من أوهام المثالية .
ويقول ماركس حول
الثورة الاشتراكية في القرن 19 : "إنها لا تستطيع أن تبدأ بنفسها قبل أن تصفي
نهائيا كل خرافة ووهم حيال الماضي، إن الثورات السابقة كانت في حاجة إلى ذكريات التاريخ
لكي تخفي عن نفسها محتواها"، برومير للويس بونابرت، دار النشر الاجتماعية الأممية
باريس 1927.
وعمل لينين على تطوير
الديالكتيك الماركسي على مستوى المعرفة، من خلال الدفاع عن الفلسفة المادية الماركسية
في ظل هجوم المثالية الذاتية على المذهب الماركسي، وبلور الديالكتيك المادي الماركسي
في مجال المعرفة مما يميز اللينينية عن غيرها من المذاهب، وذلك بإعطائها للديالكتيك
المادي الماركسي بعدا أشمل وأدق على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتنظيمية
وبناء الاشتراكية.
لقد وجه إنجلس لمنظور
كانط حول "الشيء في ذاته" نقدا صارخا ونعت الكانطية باللاعرفانية، وصنف الفلاسفة
إلى معسكرين اثنين أحدهما مادي والثاني مثالي إلا أنه أكد على وجود فلاسفة متذبذبين،
وهم يتأرجحون بين هذا المعسكر وذاك من منطلقات لاعرفانية في عجز تام عن تحديد الموقف
الصريح من المادية والمثالية، ولا يستطيعون تحديد العلاقة بين الفكر والواقع الموضوعي.
ويقول إنجلس عنهم
في كتابه "لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية": "لكن
هناك، إلى جانب ذلك"(أي إلى جانب الماديين وإلى جانب المثاليين المنسجمين)"عدد
من الفلاسفة الآخرين ممن يشكون في إمكانية معرفة العالم أو، على الأقل، معرفته معرفة
كاملة، وفي عداد هؤلاء، نجد بين الفلاسفة الحديثين هيوم وكانط اللذين قاما بدور على
جانب كبير من الأهمية في تطوير الفلسفة...".
وأكد إنجلس أن اللاعرفانية
الكانطية تتجلى في كونها لا تعترف بإمكانية معرفة الواقع الموضوعي رغم التسليم بوجود
"الشيء في ذاته"، لكن من منطلق المثالية الذاتية التي تقول بعجزنا عن معرفة
المادة التي يعتبرها كانط غيبية، بإنكاره لإمكانية معرفة الواقع الموضوعي بواسطة فكرنا،
وكل ما قام به كانط هو التسليم بوجود "الشيء في ذاته" دون التوصل إلى تحديد
أثره المادي وعلاقته بالفكر.
ويقول إنجلس في نفس
المرجع عن ذلك: "... ما هي العلاقة بين أفكارنا عن العالم المحيط بنا، وهذا العالم
نفسه ؟ و هل يستطيع فكرنا أن يعرف العالم الواقعي ؟ وهل نستطيع في تصوراتنا ومفاهيمنا
عن العالم الواقعي أن نكون انعكاسا صادقا عن الواقع ؟".
ويجيب لينين أن أكثرية
الفلاسفة الكبار قد أجابوا عن هذه المسألة بالإيجاب، لكن ليسوا جميعهم مؤكدين لإمكانية
معرفة الواقع الموضوعي عن طريق فكرنا، وليس فقط الماديين منهم بل كذلك "المثاليين
الأشد انسجاما"، و على رأسهم هيكل الذي يؤمن ب"الفكرة المطلقة" التي
"وجدت في مكان ما منذ الأزل".
وجاء إرنس ماخ وأفيناريوس
ليعيدا إحياء الفلسفة المثالية البركلية مرورا بلاعرفانية هيوم محاولين نقد اللاعرفانية
الكانطية، في جهل تام بمنطلقاتهما المثالية الذاتية التي جعلتهما يكرسان مبدأ اللاعرفانية
الذي تتسم به فلسفة كانط، حيث يقول إرنست ماخ في كتابه "تحليل الإحساسات، ص:292
" في نقده لمثالية كانط : "بجزيل الشكر، يجب أن أعترف أن مثاليته النقدية
بالذات هي التي كانت نقطة الانطلاق لكل تفكير النقاد. ولكني لم أستطع البقاء وفيا له.
فبعد فترة وجيزة جدا عدت من جديد إلى نظرات بركلي ... توصلت إلى نظرات قريبة من نظرات
هيوم ... وفي الوقت الحاضر أيضا، لا أزال أعتبر بركلي وهيوم مفكرين أكثر انسجاما من
كانط".
في هذا النص، تصريح
يؤكد فيه ماخ أنه انطلق من كانط ليصل إلى بركلي وهيوم .
و يقول أفيناريوس
عن تطهير فلسفة كانط من اللاعرفانية في كتابه "مقدمات لنقد التجربة الخالصة":
"إن مسألة ما إذا كان يجب أن نستبعد من مضمون التجربة "مفاهيم العقل القبلية"
بوصفها نافلة، وتخلق بهذه الصورة وعلى الأغلب تجربة خالصة، توضع هنا، بقدر ما أعلم،
للمرة الأولى".
واستنتج لينين أن
أفيناريوس قد سبق له أن اعتقد أنه قام ب"تطهير الكانطية" من الاعتراف ب"الضرورة
والسببية" والتسليم ب"الجوهر أي بالشيء في ذاته"، كما يعتقد في هذا
النص أنه طهر "التجربة" التي قام كانط ب"تطهيرها بشكل غير كاف"
حتى تصبح "تجربة خالصة" ولأول مرة. وهو بذلك يجهل أن شولتسه نصير لاعرفانية
هيوم وفيخته نصير بركلي قاما قبله بنقد تسليم كانط ب"القبلية أي الشيء في ذاته".
و يقول عنه :"وهكذا، ضل أفيناريوس ضلالا شديدا حين توهم أنه يقوم "للمرة
الأولى" "بتطهير التجربة" عند كانط من القبلية ومن الشيء في ذاته. وحين
توهم أنه يخلق بذلك اتجاها "جديدا" في الفلسفة. أما في الواقع، فإنه واصل
خطا قديما هو خط هيوم وبركلي وشولتسه ـ إينيزيدم وأي. غ. فيخته. لقد توهم أفيناريوس
أنه "يطهر التجربة" على العموم، أما في الواقع، فإنه لم يفعل غير أنه طهر
اللاعرفانية من الكانطية. فهو إذ ناضل، لم يناضل ضد لاعرفانية كانط (اللاعرفانية هي
إنكار للواقع الموضوعي، المعطى لنا في الإحساس)، بل ناضل في سبيل لاعرفانية أكثر طهارة".
وأكد لينين أن كانط
قد سلم ب"وجود الشيء في ذاته" لكن من منطلق الغيبية" حتى وإن كان مستحيلا
على المعرفة ووهميا وغيبيا" كما يزعم كانط، و هو يعترف بوجود "الضرورة والسببية"
"حتى و إن كانت قبلية، معطاة في التفكير، وليس في الواقع الموضوعي" كما يدعي.
وجاء أفيناريوس ليناضل
ضد كانط من منطلق الاتجاه اليميني وليس من الاتجاه اليساري، فهو مثله في ذلك مثل الريبيين
والمثاليين عكس الماديين، ولم يستطع الوصول إلى ضبط منظور كانط الفلسفي، الذي يتسم
بمحاولة التوافق بين المادية والمثالية.
وأكد لينين أن فلسفة
كانط اللاعرفانية تختص بسمة أساسية فلسفة هي "التوفيق بين المادية والمثالية"،
ويذلك يثوم ب"المساومة بين هذه وتلك"، ويعمل على الجمع بين "اتجاهات
فلسفية مختلفة، متضادة"، في نظام واحد فيقوم بالتسليم بأن "تصوراتنا يطابقها
شيء ما خارج عنا، شيء ما في ذاته"، ويتموقع هنا في صف الماديين، لكنه في نفس الوقت
ينتقل إلى صف المثاليين لما "يعلن أن هذا الشيء في ذاته مستحيل على المعرفة، متعال،
غيبي". وذلك ناتج عن اعترافه بأن "التجربة، الإحساسات هي المصدر الوحيد لمعارفنا"،
ويوجه فكره إلى "خط المذهب الحسي" ومن خلال ذلك وفق "بشروط معينة، في
خط المادية". وهو يعترف ب"قبلية المكان والزمان والسببية إلخ..." يتموقع
في صف الفلسفة المثالية، وقاده هذا التذبذب في الفكر إلى تركيز الاتجاه اللاعرفاني
في الفلسفة.
إن التذبذب الحاصل
لدى كانط وضعه في موقف حرج بين الإتجاهين المادي والمثالي معا، فتعرض للنقد من طرف
الفلاسفة الماديين والمثاليين على السواء، نتيجة عدم قدرته على حسم اتجاهه الفلسفي
حيث قام بالخلط بين فلسفتين متناقضتين متعارضتين، عاشتا منذ بروز الفكر الفلسفي صراعا
مريرا حول سيادة تفكير أحد الاتجاهين وهما المادية والمثالية.
إن الفكر اللاعرفاني
قد استمد أصوله من فلسفة بركلي المعادية للمادية مرورا بفلسفة هيوم اللاعرفانية وصولا
إلى الكانطية، وحاول ماخ وأفيناريوس ترسيخ هذا الفكر عبر نشر "المذهب النقدي التجريبي"
المعادي للماركسية، وسار أتباعهما من أساتذة التعليم الرسمي في القرن 20 على خطى هذا
المذهب ضد المادية، وحوله التحريفيون الإنتهازيون في القرن 21 إلى مرشدهم ضد الماركسية
اللينينية، عبر محاولة التوفيق بين الفكر البورجوازي الذي يسمونه الفكر الإنساني والماركسية
في نضالهم ضد الماركسية اللينينية.
لقد رأينا كيف أن
تذبذب كانط وعدم حسم اتجاهه الفلسفي (في اتجاه المادية أو المثالية) جعله يتعرض للنقد
من اليمين ومن اليسار، من المثاليين المنسجمين واللاعرفانيين/الهيوميين من جهة والماديين
الماركسيين من جهة ثانية، و قام ماخ و أفيناريوس بمحاولة نقد ما في فلسفة كانط من مادية
(الشيء في ذاته) لكن من منطلق اللاعرفانية، و قام الماديون المنسجمون/الماركسيون بدحض
ما في فلسفة كانط من مثالية بقولهم ب"وجود الشيء في ذاته مع إمكانية معرفته وعلاقته
بالظواهر". وأكد لينين "على إمكانية معرفة الشيء في ذاته ... لا من قوانين
الفكر القبلية، بل من الواقع الموضوعي".
فالماديون المنسجمون
أي الماركسيون يقرون بإمكانية معرفة الشيء في ذاته وعلاقته بالظاهرة بواسطة فكرنا،
عكس المثاليين واللاعرفانيين العاجزيين عن تحديد العلاقة بين الفكر والواقع الموضوعي
والذين حاربوا مادية كانط، حيث أنهم "رأوا خطيئة كانط في تسليمه بالشيء في ذاته،
بوصفه تنازلا في صالح المادية أو "الواقعية" أو "الواقعية الساذجة"،
كما قال لينين. وكلا الاتجاهين (المثالي واللاعرفاني) ينسجمان لكونهما يحاربان المادية
في فكر كانط الذي عصف بالمثالية نحو المادية في نظرهما في قوله ب"الشيء في ذاته"
ولو بشكله الغيبي.
وقام الماخيون/أتباع
ماخ وأفيناريوس بارتكاب نفس أخطاء اللاعرفانية (الريبية) والمثالية وهم لا يعرفون أنهم
يدحضون مادية كانط، ويزعمون أنهم يطهرون الكانطية من انزلاقاتها نحو المثالية جاهلين
أن الشيء في ذاته قائم خارج وعينا و"أنه غير غيبي ولا يختلف البتة مبدئيا عن الظاهرة،
وأنه يتحول إلى ظاهرة لدى كل خطوة من تطور الوعي الفردي للإنسان ومن تطور الوعي الجماعي
للبشرية". كما قال لينين.
ويعتقد الماخيون
أن ما قام به الماديون الماركسيون اتجاه "الشيء في ذاته" إنما هو خلط بين
المادية والكانطية، وذلك ناتج عن جهلهم التام بالديالكتيك الماركسي الذي بدون معرفته
لا يمكن محاكمة فلسفة كانط محاكمة مادية، كما فعل الماديون المنسجمون/الماركسيون عند
تناولهم ل"الشيء في ذاته" من وجهة يسارية محاولين تطهير الكانطية من معالم
المثالية، وبالتالي دحض ادعاءات أنصار المذهب النقدي التجريبي حول تطهير الماركسية
وتطويرها، وهم يجهلون أنهم انطلقوا من الكانطية مرورا بالهيومية ليصلوا إلى البركلية
وأسسوا الفكر اللاعرفاني الحديث، باعتباره أساس منطلقات التحريفية الانتهازية الحديثة
في نضالها ضد الماركسية اللينينية.
ولا بد لنا من التعرف
على نقد الماديين لفلسفة كانط حتى نكون على علم بأسس منطلقات التحريفية الانتهازية
اليوم، وحتى مادية ما قبل ماركس وإنجلس حظيت باهتمام كبير في هذا الشأن، باعتبارها
وجهت النقد للكانطية من وجهة نظر يسارية.
فقد لام فورباخ كانط
على ما شاب فلسفته من مثالية ووصفها بأنها "المثالية على أساس التجربة"،
وقام بمحاكمة الكانطية باتخاذها الإحساسات أساس منطلقاتها لتحديد "الشيء في ذاته"
الذي اعتبره كانط مجرد تصور وليس واقعا، معتمدا في نقده على قول كانط: "إذا اعتبرنا
مواضيع إحساساتنا ظواهر بسيطة، ـ و هكذا يجب اعتبارها، ـ فإننا نعترف بذلك بأن الشيء
في ذاته يقوم في أساس الظواهر، رغم أننا لا نعرف كيفية بنيانه بحد ذاته، بل نعرف فقط
ظواهره أي ذلك الأسلوب الذي يؤثر به هذا المجهول في حواسنا. ومن هنا ينجم أن عقلنا،
لكونه يدرك وجود الظواهر، يعترف كذلك بوجود الشيء في ذاته، وعليه، نستطيع أن نقول أن
تصور جواهر تقوم في أساس الظواهر أي جواهر ليست سوى جواهر تصورية، ليس مسموحا به وحسب،
بل ضروري أيضا".
و علق فورباخ عنه
: "... ومن هنا ينجم أن مواضيع الإحساسات، مواضيع التجربة هي بالنسبة للعقل ظواهر
فقط، وليست الحقيقة ... إن الجواهر التصورية، لو ترون، ليست مواضيع فعلية بالنسبة للعقل
! إن فلسفة كانط هي تناقض بين الذات والموضوع، بين الجوهر والوجود، بين التفكير والكينونة.
إن الجوهر هنا يخص العقل، والوجود يخص الحواس. إن الوجود بدون جوهر ... هو مجرد ظاهرة،
إنه أشياء حسية، والجوهر بدون الوجود إنما هو جواهر تصورية، نومنات ... في التناقض
: فصل الحقيقة عن الواقع، والواقع عن الحقيقة".(Werke, II, S, 302-303).
ويقول لينين أن فورباخ
لا يلوم كانط على تسليمه ب"الشيء في ذاته" بل لعدم تسليمه ب"فعليته
أي بواقعيته الموضوعية"، الذي اعتبره مجرد فكرة "جوهر تصوري" وليس
"جوهرا يملك وجودا" باعتباره موجودا فعلا في الواقع الموضوعي، وهو يلومه
على كونه تراجع عن المادية في اتجاه اللاعرفانية والمثالية، في اتجاه هيوم وبركلي،
وهو بذلك رجعي حسب فورباخ.
وقال لينين أن فورباخ
دافع عن "المذهب الحسي الموضوعي" أي عن المادية إلا أنه لم يستطع التخلص
من نواقص منظوره المادي، الذي عمل إنجلس وماركس تطهيره من شوائب المثالية وأسسا معا
الديالكتيك الماركسي، الذي عمل لينين على تطويره على المستوى المعرفي عبر نقده للمذهب
النقدي التجريبي، الذي حاربت الماخية بواسطته المذهب الماركسي، بدعوى شيخوخة أفكار
ماركس وإنجلس وفي حاجة إلى التطوير.
وحاول الماخيون تطوير
الماركسية لكن من منطلقات لاعرفانية حيث انطلاق ماخ وأفيناريوس من الكانطية مرورا بالهيومية
وصولا إلى البركلية، في محاولة منهما لوضع أسس المذهب النقدي التجريبي لمحاربة المذهب
الماركسي.
وقد سبق لماركس وإنجلس
أن قاما بنقد أفكار فورباخ المادية وبالتالي الفلسفة الألمانية الكلاسيكية، وذلك بإدخال
"مقياس الواقع العملي في أساس النظرية المادية للمعرفة" كما سماها لينين.
وقال ماركس:
"إن اعتبار التفكير البشري يتطابق مع الحقيقة الملموسة (أي الموضوعية) في معزل
عن الواقع العملي إنما هو سكولاستيك". ماركس ،"موضوعات عن فورباخ"
1845.
وقال إنجلس
:"إن أفضل دحض للاعرفانية الكانطية والهيومية، وكذلك لشتى الشعوذات الفلسفية إنما
هو الواقع العملي". إنجلس ،"لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية"
1888
.
وأكد لينين على أهمية
جدال لافارغ ضد الكانطيين وهو تلميذ إنجلس الذي انتقد كانط من اليسار انطلاقا من المشترك
بين كانط وهيوم، ليس فقط بانتقاده لمنظوره حول "الشيء في ذاته" بل كذلك على
"النظرة المادية الناقصة إليه" لدى كانط، وحاول البورجوازيون دحض مادية ماركس
من منطلقات الكانطية وقال عنهم لافارغ : "أنكروا الفلسفة الفولتيرية، ومن جديد
صارت الكاثوليكية دارجة، على الموضة، وزخرفها شاتوبريان بالأصبغ الرومنطيقية، واستورد
سيباستيان مرسيه مثالية كانط لكي يقضي على مادية الموسوعيين التي كان روبسبيير قد أعدم
دعاتها على المقصلة". بول لافارغ : "مادية ماركس ومثالية كانط"25/02/1900
جريدة السوسياليست.
فخلال القرن 19 عمل
البورجوازيون على محاولة دحض المذهب الماركسي بعد قيام الثورات البروليتاريا بألمانيا،
و بروز التناقضات بين الرأسمال والعمل وانكشاف أكاذيب البورجوازية حول الحرية والديمقراطية،
ولم تجد البورجوازية إلا فلسفة كانط للجوء إليها من أجل محاربة الماركسية وقال لافارغ
عن ذلك : "في أواخر القرن 19 الذي يسمى في التاريخ بقرن البورجوازية، يحاول المثقفون
أن يسحقوا مادية ماركس وإنجلس بواسطة فلسفة كانط. وقد بدأت هذه الحركة الرجعية في ألمانيا
ـ و نحن لا نقول هذا لإهانة أصحابنا الاشتراكيين ـ التكامليين ـ الذين يودون أو ينسبون
الشرف إلى مؤسس مدرستهم، مالون، أما في الواقع، فإن مالون نفسه قد خرج من مدرسة هوخبرغ
وبرنشتين وسائر تلامذة دوهرينغ الذين أخذوا يصلحون الماركسية في زوريخ".
لقد عملت البورجوازية
بعد سيطرتها على السلطة السياسية والاقتصادية على محاربة الماركسية باعتبارها مذهب
البروليتاريا الثورية، الذي بإمكانه كشف زيف ادعاءات الشعارات البورجوازية التي تم
رفعها أثناء الثورة البورجوازية، والتي سرعان ما انكشفت مع بروز الرأسمالية كنظام يسعى
إلى الربح بشكل جشع عبر استغلال الطبقة العاملة، مما دفع باحتداد التناقضات بين الرأسمال
والعمل التي أسفرت عن قيام الثورات البروليتاريا خلال القرن 19، التي ساهمت بشكل كبير
في وضع أسس المذهب الماركسي، عبر تطور الحركة العمالية الثورية التي أفرزت الفكر الماركسي
خلال النصف الثاني من القرن 19، والذي طوره لينين في العقديين الأولين من القرن 20
عبر نقده للرأسمالية الجديدة/الإمبريالية التي اعتبرها "أعلى مراحل تطور الرأسمالية"،
وبرزت الماركسية اللينينية باعتبارها النظرية المادية لعصر الإمبريالية والثورة البروليتارية.
لقد حقق لينين انتصارا
باهرا على المذهب النقدي التجريبي الذي حاول عبره الماخيون الألمان والروس دحض المادية
والديلبكتيك الماركسية، وأسس النظرية الماركسية اللينينية ببلورة المنظور الديالكتيكي
الماركسي في مجال المعرفة.
وحاول الماخيون دحض
الماركسية عبر نقد المادية التاريخية لماركس سعيا إلى تفنيد استنتاجاته حول الاقتصاد
السياسي، التي باشر فيها نقد المنطلقات الأخلاقية في الاقتصاد السياسي عند ريكاردو،
والتي سماها "تطبيق الأخلاق على الاقتصاد السياسي" مما يجعلها "غير
صحيحة شكلا من الناحية الاقتصادية"، وقال عنها إنجلس في مقدمة كتاب ماركس
:"بؤس الفلسفة" : "لقد باشر ماركس دراسة الاشتراكية الفرنسية والاقتصاد
السياسي انطلاقا من العقيدة الاشتراكية، وكان هدفه العرفاني إعطاء هذه العقيدة
"تعليلا نظريا" لأجل "تأمين" قيمتها الانطلاقية".
وقام الماخيون وعلى
رأسهم ف. بلي في كتابه "الميتافيزيقياء في الاقتصاد السياسي"، الذي تناول
ما جاء في قول إنجلس لدحض استنتاجات ماركس حول الاقتصاد السياسي كما يلي :
ـ نعت ماركس ب"الميتافيزيقي"
وغير ملم بالعرفانية وبالتالي فالماركسية "ميتافيزيقا" مثل علم الطبيعيات/الفيزيولوجيا.
ـ اعتبار الماركسية
"الفرد" مقدارا لا شأن له.
ـ وهي نظرية
"الابيولوجية" حيث لا تعرف ولا تريد أن تعرف أية "تنوعات حياتية".
ـ وهي نظرية حزبية.
ـ وسخروا من الحقيقة
"الموضوعية".
وعلق لينين على استنتاجات
بلي بقوله : "و إذا ما تبرأ أصحابنا الماخيون من بلي (وسيتبرؤون منه على الأرجح)،
فإننا سنقول لهم : لا تلم المرآة إذا ... وإلخ. فإن بلي مرآة تعكس بصدق وأمان ميول
المذهب النقدي التجريبي، في حين أن تبرؤ ماخيينا يشهد فقط على نواياهم الطيبة، وعلى
سعيهم الاختياري السخيف للجمع بين ماركس وأفيناريوس".
لقد أسس لينين الماركسية
اللينينية بعد تطويره للديالكتيك الماركسي على مستوى المعرفة مما طور المادية الجدلية
والتاريخية، بعد انتشاره في أوساط العلماء الروس الذين حققوا بفضله إنجازات باهرة على
مستوى البحث العلمي، الشيء الذي أهل الاتحاد السوفييتي ليصبح قوة اقتصادية عالمية،
نتيجة تطور الصناعة وتصنيع الفلاحة وتطوير بلدان الاتحاد في ظل النظام والاقتصاد الاشتراكي.
ويقول ستالين عن
اللينينية :" إن اللينينية هي ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية. وبتعبير
أدق اللينينية هي نظرية وتكتيك الثورة البروليتارية بوجه عام، ونظرية وتكتيك ديكتاتورية
البروليتاريا بوجه خاص".
وهي تطوير للماركسية
على جميع المستويات المعرفية : الفلسفية، الاقتصادية، السياسية، التنظيمية وفي البناء
الاشتراكي، لهذا سماها ستالين "ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية"،
لكونها نتاج الحركة البروليتارية الثورية في مواجهة الإمبريالية في علاقتها بحركة التحرر
الوطني العالمية بالبلدان المستعمرة، وتعتبر تطويرا لماركسية ما قبل الثورات الاشتراكية،
تطوير في اتجاه البناء الاشتراكي وبناء المجتمعات الاشتراكية وعهد السوفيات .
ويقول ستالين
:"ناضل ماركس وأنجلس في المرحلة السابقة للثورة (نعني الثورة البروليتارية) حين
لم يكن الاستعمار قد تطور بعد، في مرحلة تهيئة البروليتاريين إلى الثورة، تلك المرحلة
التي لم تكن الثورة البروليتارية فيها قد غدت بعدُ، ضرورة مباشرة عملية لا مناص منها.
أما لينين، تلميذ ماركس وأنجلس، فقد ناضل في مرحلة الاستعمار المتطور، في مرحلة الثورة
البروليتارية الآخذة في النمو، وفي وقت انتصرت فيه الثورة البروليتارية في قطر واحد
فحطمت الديمقراطية البرجوازية، ودشنت عهد الديمقراطية البروليتارية، عهد السوفيات.
هذا هو السبب في أن اللينينية هي تطور الماركسية إلى أمام."
فاللينينية تطوير
للماركسية و ليست فكرا جامدا كما يدعي الماخيون الجدد في القرن 21، و قد عمل ستالين
على تطبيقها وتطويرها في الاتحاد السوفييتي نظريا وممارسة، في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا
باعتبارها الممارسة العملية للينينية، من خلال البناء الاشتراكي وتطوير قوانين الاقتصاد
الاشتراكي ووضع الدستور الاشتراكي.
لقد عمل لينين على
استكمال بناء نظرية الثورة الاشتراكية انطلاقا من دراسته للواقع الموضوعي للرأسمالية
في عهد الاستعمار وفي مرحلة متقدمة منه، و ليس انطلاقا من أوضاع روسيا الخاصة حتى يمكن
نعت اللينينية بالتطبيق العملي للماركسية بروسيا البلد الفقير كما يدعي التحريفيون
الانتهازيون اليوم، وسام الصراع الأيديولوجي والسياسي الذي خاضه لينين ضد الماخيين
الألمان والروس في ترسيخ أسس اللينينية.
و يقول ستالين
:"يقول بعضهم أن اللينينية هي تطبيق الماركسية على الظروف الخاصة بالوضع الروسي.
إن في هذا التعريف جزءاً من الحقيقة، ولكنه بعيد عن أداء الحقيقة بكاملها".
وانتقد لينين التحريفيون
الانتهازيين في المجال الاقتصادي في محاولتهم الفاشلة للتأثير على الجماهير بما كانوا
يسمونه ب" المعطيات الجديدة في التطور الاقتصادي"، زاعمين أن تمركز الإنتاج
وإزاحة الإنتاج الكبير للإنتاج الصغير لا يظهر في الزراعة في الوقت الذي يجري ببطء
في مجال التجارة والصناعة، واعتبروا أن الكارتيلات والتروستات تخفف من حدة أزمات الرأسمالية
إلى حين زوال الأزمة تماما والتناحر داخل النظام الرأسمالي أخذ يقل مما يجعل نظرية
الإفلاس خاطئة، لذا وجب إدخال تعديلات على النظرية الماركسية وفق هذه المعطيات الجديدة
بما في ذلك نظرية القيمة.
وواجه لينين بصرامة
ادعاءاتهم البرينشتينيين حول علم الاقتصاد السياسي الذين يحاولون من خلالها تركيز الآراء
البورجوازية لبوهم- بافيرك معتمدين على الوقائع والأرقام التي تبين ضعف نظريتيهم، وأكد
لينين أن الإنتاج الضخم يتفوق على الإنتاج الصغير في جميع المستويات الزراعية والصناعية
والتجارية، إلا أن الإنتاج البضاعي في الزراعة ضعيف بالنسبة للإنتاج الصناعي لذا لا
يظهر التمركز في الزراعة بنفس الحدة كالصناعة. فالتقدم العلمي المطرد يؤثر تأثيرا سلبيا
على الإنتاج الصغير في المجتمعات الرأسمالية وكان على علم الاقتصاد الاشتراكي أن يوضح
ذلك بالتحليل المادي، وأوضح لينين أن الإنتاج الصغير لا محل له في النظام الرأسمالي،
وعلى الفلاح تبني النظرية البروليتارية الثورية عكس دعوة التحريفيين للفلاح بتبني وجهة
نظر الملاك التي تعتبر نظرية بورجوازية.
وأوضح لينين أن ما
دفع التحريفيين إلى محاولة تعديل المذهب الماركسي هو انبهارهم أمام ما حققته الصناعة
من تقدم خلال السنوات الأخيرة من القرن 19، جازمين من أن الأزمات قد تجاوزتها الرأسمالية
بذلك المستوى الطفيف من تطور وسائل الإنتاج غافلين أن وراء كل ازدهار للرأسمالية أزمة
باعتبار الرأسمالية تلازمها الأزمات، وتوحيد إنتاج الكارتيلات والتروستات لم يزد إلا
فوضى الإنتاج وتفاقم الأوضاع المزرية للبروليتاريا في ظل طغيان الرأسماليين، والرأسمالية
في تطورها تسير نحو الإفلاس عبر مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية للوصول إلى الانهيار
التام، ووضع الأسس العلمية للرأسمال المالي المهيمن على الرأسمالين التجاري والصناعي
في ظل الرأسمالية الإمبريالية التي سماها أعلى مراحل تطور الرأسمالية.
لقد شكل الاستعمار
والحرب في الأطروحة اللينينية أمران ملازمان للرأسمالية الإمبريالية ويتجلى ذلك في
اعتماد دراسة لينين لعصر الإمبريالية على هذين العنصرين، وذلك بغية تحديد ملامح تطور
الرأسمالية خلال العقدين الأولين من القرن 20 والتي شكلت فيها سيطرة الرأسمال المالي
على التجارة العالمية عنصرا أساسيا في الاقتصاد، وذلك انطلاقا من الديالكتيك الماركسي
الذي يحدد تطور المجتمعات انطلاق من العلاقة الجدلية بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج
والتي يشكل فيها الاقتصاد الأساس المادي للتطور.
و يعبر لينين أن
أساس الصراع بين الإمبرياليات ليس دبلوماسيا ولكنه يرتكز إلى التنافس الاقتصادي الذي
أفضى إلى الاحتكارات الكبرى واستعمار الدول الفقيرة، وبالتالي بروز الاحتكار الاقتصادي
الذي يرتكز إلى تصدير الرساميل وتقسيم العمل عالميا وأن الحرب الإمبريالية ما هي إلا
نتيجة هذا الصراع، وهكذا اكتشف أن الإمبريالية ما هي إلا أعلى مراحل تطور الرأسمالية
التي لا يمكن لها أن تحقق هذا الكم الهائل من وسائل الإنتاج إلا باضطهاد الشعوب الفقيرة،
واعتبر أن تطور وسائل الإنتاج في الدول الإمبريالية أدى إلى اضطهاد الشعوب الأخرى وتعتبر
السكك الحديدية من بين هذه الوسائل التي سخرتها الإمبرياليات لاضطهاد الشعوب خاصة في
ذلك العصر.
و يقول لينين:"
يبدو مد السكك الحديدية أمرا بسيطا وطبيعيا وديموقراطيا وثقافيا وتمدنيا، وهو يبدو
كذلك في عيون الأساتذة البرجوازيين الذين تدفع لهم الأجور كي يجملوا وجه العبودية الرأسمالية،
وفي عيون البرجوازيين الصغار التافهين الضيقي الأفق". كتاب: الإمبريالية أعلى
مراحل الرأسمال.
إن التطور الهائل
لوسائل الإنتاج تسخره الرأسمالية الإمبريالية للظفر بمزيد من الاحتكارات عن طريق تصدير
الرساميل وجلب المواد الخام من البلدان الفقيرة، والذي نتج عنه سيطرة الرأسمال المالي
على التجارة العالمية التي تعتبر فيها السكك الحديدية "حاصل جميع الفروع الرئيسية
في الصناعة الرأسمالية" كما يقول لينين عن ذلك العصر، نظرا للدور الذي تقدمه للرأسمالية
الإمبريالية عبر تسهيل الاتصال بين جميع فروع الصناعة الرأسمالية وتطور التجارة العالمية.
واليوم شمل هذا التطور
الجو والبحر بعد تطور لأساطيل الملاحة الجوية والبحرية مما كثف استغلال الشعوب المضطهدة
وأبهر البرجوازيين الصغار "التافهين الضيقي الأفق" كما قال لينين.
لقد ناضل لينين ضد
تحريف المادية التاريخية لماركس من طرف الماخيين وعلى رأسهم بتسولدت الذي استعمل كلمة
"الاستقرار" لتفسير علاقات الإنتاج، في كتابه "مقدمة إلى فلسفة التجربة
الخالصة" محاولا إرجاع كل ما يقوم به الناس أثناء الإنتاج إلى السعي وراء
"الاستقرار"، ويقول أن "التطور البشري ينطوي على هدفه" وهو يسير
نحو "الحالة المستقرة الكاملة".
ويقول عنه لينين
: "إن الناس غير الملمين بالفلسفة لا يدركون كل سعة مبادئ استقرار أو اقتصاد التفكير.
وعلى هؤلاء يعرض بتسولدت "نظريت"ه بالتفصيل. "الشفقة هي تعبير عن حاجة
طبيعية إلى حالة مستقرة" كما قال بتسولدت.
وتناول لينين منظور
بوغدانوف الذي يسميه تطوير الماركسية الذي حاول كشف العلاقة بين الوعي الاجتماعي والوجود
الاجتماعي، في مقال له تحت عنوان "تطور الحياة في الطبيعة وفي المجتمع" يقول
فيها عن ماركس: "العالم لا اجتماعي الأعظم، أسس المادية التاريخية"، متهكما
عن خلاصات ماركس حول التطور الاجتماعي وعلاقته بالأساس الاقتصادي، وأضاف أن:
"الصياغة القديمة للأحادية التاريخية لم تعد ترضينا تماما مع أنها لا تزال صحيحة
في أساسها".
ويرد بوغدانوف
"الأشكال الاجتماعية" إلى "نوع التكييفات البيولوجية" ويرجع التطور
إلى الوعي الاجتماعي ويقول أن "الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، بمعنى هاتين
الكلمتين الدقيق، متماثلان"، وهكذا طور الماركسية في نظره بتشويه استنتاجات ماركس
التي تقول أن الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي، وأن مصدر أفكارنا هو
الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة، وما أن يتغير الأساس الاقتصادي
حتى تتغير البنية الفوقية أي أفكارنا.
ويقول لينين عن الماخيين
الروس : "إن مصيبة الماخيين الروس الذين يريدون "التوفيق" بين الماخية
والماركسية، تتلخص على وجه الضبط في أنهم وثقوا بأساتذة الفلسفة الرجعيين فانزلقوا
على منحدر. إن شتى محاولاتهم لتطوير ماركس وتكميله ترتكز على أساليب في غاية البساطة.
لقد قرأوا أوستفالد، وآمنوا بأوستفالد، وعرضوا أوستفالد، وسموا هذا بالماركسية. قرأوا
ماخ، و آمنوا بماخ، وعرضوا ماخ، وسموا هذا بالماركسية، قرأوا بوانكاره، وآمنوا ببوانكاره،
وعرضوا بوانكاره، وسموا هذا بالماركسية ! عندما يدور الكلام حول الفلسفة، لا يمكن تصديق
أية كلمة من أي من هؤلاء الأساتذة مع أنهم يستطيعون تدبيج مؤلفات ذات قيمة كبيرة جدا
في ميدان خاصة من الكيمياء والتاريخ والفيزياء. لماذا ؟ لنفس السبب الذي يحمل على عدم
تصديق أية كلمة من أي أستاذ الاقتصاد السياسي عندما يدور الكلام حول نظرية الاقتصاد
السياسي العام، مع أن يستطيع تدبيج مؤلفات ذات قيمة كبيرة جدا في ميدان الأبحاث العملية،
المختصة، وذلك لأن هذه النظرية، شأنها شأن علم العرفان، هي علم حزبي في المجتمع المعاصر.
وليس أساتذة علم الاقتصاد، بوجه عام، سوى خدم متعلمين لطبقة الرأسمالين، وليس أساتذة
الفلسفة سوى خدم متعلمين للاهوتيين".
ويسمي لينين هؤلاء
الأساتذة خدم الرأسمالية، ويوصي كل الماركسيين بمعرفة كيفية معاملة هؤلاء الخدم باستيعاب
ومعالجة مكتباتهم، وذلك بالقطع مع كل ما تحتويه من "ميل رجعي" بتطبيق الخط
الماركسي ضد جميع "خطوط القوى والطبقات المعادية"، ذلك ما لم يستطع الماخيون
القيام به وساروا وراء "الفلسفة الأستاذية الرجعية".
واعتبر لينين أن
الماخيين بإنكارهم "الواقع الموضوعي المعطى لنا من خلال أحاسيسنا" إنما يغرقون
في الإيمانية وينزلقون إلى اللاعرفانية أو الذاتية، لأن العالم مادة متحركة ويجب دراستها
"إلى ما لا نهاية" إذ لا يمكن أن يكون ثمة شيء آخر خارج هذه المادة، والعداء
الرائج ضد المادية في أوربا "المتمدنة والديمقراطية" وهو ما زال قائما حتى
يومنا هذا يخفيه الأساتذة الرجعيون على الجماهير باعتبارهم خدما للرأسمالية.
ويقول لينين عن الماخية
: "أنظروا إلى موقف الماخية، بوصفها تيارا فلسفيا، من علم الطبيعيات، مطلقة هذه
التسمية على المادية الطبيعية التاريخية، أي الاقتناع العفوي، غير الواعي، غير المتشكل،
للاواعي فلسفيا، لدى الأغلبية الساحقة من علماء الطبيعيات بواقعية العالم الخارجي الموضوعية،
التي يعكسها وعينا. وهذا الواقع يلزم أصحابنا الماخيين الصمت حوله زيفا ونفاقا، طامسين
أو مشوشين الصلة التي لا تنفصم عراها بين المادية العفوية لدى علماء الطبيعيات وبين
المادية الفلسفية بوصفها اتجاها معروفا من قديم الزمان وأكده ماركس وإنجلس مئات المرات".
وقارن لينين الأسس
النظرية للمذهب النقدي التجريبي مع الديالكتيك الماركسي وأجرى محاكمات فعلية للفلسفة
الماخية، ووقف على "المسائل العرفانية الرجعية التامة" التي تلازم هذا المذهب
الذي استعمل كلمات سماها ب"الجديدة"، وارتكب عبرها الماخيون الأخطاء القديمة
للمثالية واللاعرفانية حيث لا يمكن الجمع بينه وبين المذهب الماركسي، كما سعوا للوصول
إلى ذلك بطريقة لاعرفانية لجهلهم بالديالكتيك الماركسي مدعين أنهم يطورون الماركسية.
وحدد لينين موقع
المذهب النقدي التجريبي باعتباره مدرسة فلسفية صغيرة بين المدارس الفلسفية الأخرى في
العهد المعاصر، فانطلق ماخ وأفيناريوس من كانط في الاتجاه المعاكس للمادية نحو هيوم
وبركلي في محاولة فاشلة لتطهير "التجربة"، ولم يقعا غير تطهير اللاعرفانية
من الكانطية ورسخا المنظور المثالي في الفلسفة الماخية في وحدة مع الكمونية الأشد إغراقا
في الرجعية.
وأقر لينين أن الماخية
في صلة وثيقة مع مدرسة في فرع من فروع العلوم الطبيعية الحديثة التي تضم مجموع علماء
الطبيعة خاصة في الفيزياء، الذين عجزوا أمام أزمة الفيزياء فانزلقوا عبر مفهوم النسبية
نحو المثالية بحكم جهلهم بالديالكتيك الماركسي، وتشبثوا بالمثالية الفيزيائية شأنها
شأن المثالية الفيزيولوجية فيما قبل.
وأكد لينين أن المذهب
النقدي التجريبي يتسم بالسكولايستيك العرفاني الذي يحدد صراع الأحزاب في الفلسفة، من
خلال صراع الطبقات المتناقضة في المجتمعات المعاصرة عبر أيديولوجيتها المتناقضة، واعتبر
الفلسفة الحديثة حزبية مثلها مثل الفلسفة منذ القدم باعتبار المادية نقيض المثالية
وهما في صراع دائم إلى الأبد، ويقول عن المثالية واللاعرفانية : "و ما المثالية
غير شكل متفنن، منعم للإيمانية التي تقف على كامل التأهب، وتملك منظمات هائلة، وتواصل
التأثير أبدا ودائما في الجماهير، مستغلة في صالحها أقل تاريخ في الفكر الفلسفي. وأن
دور المذهب النقدي التجريبي، دوره الموضوعي، الطبقي ينحصر كليا في خدمة الإيمانية بخنوع
ومذلة في نضالهم ضد المادية على العموم وضد المادية التاريخية على الخصوص".
واستنتج لينين عبر
نقده للمذهب النقدي التجريبي منظوره حول الديالكتيك الماركسي الذي أعطاه بعدا أدق وأشمل،
بتحديد أسس "الحركة الذاتية" عبر:
ـ إن ازدواج ما هو
واحد ومعرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك.
ـ إن تماثل الأضداد
هو إقرار بميول متناقضة، متضادة، ينفي بعضها بعضا في جميع ظاهرات الطبيعة والمجتمع
وتفاعلاتها.
ـ إن إدراك
"الحركة الذاتية" لتفاعلات العالم، من حيث تطورها العفوي، من حيث واقعها
الحي، ينبغي إدراكها من حيث هي وحدة من الأضداد، ويعطينا التاريخ مفهومين أساسيين للتطور:
ـ إن التطور هو نضال
الأضداد، التطور بوصفه نقصانا وزيادة، بوصفه تكرارا.(المفهوم الأول(
ـ إن التطور بوصفه
وحدة الأضداد (ازدواج ما هو واحد، إلى ضدين ينفي أحدهما الآخر، وعلاقات بين الضدين).
(المفهوم الثاني(
ـ المفهوم الأول
جامد، عقيم، جاف، والمفهوم الثاني طافح بالنشاط والحياة، وهو يعطينا مفتاح "الحركة
الذاتية" لكل ما هو موجود (القفزات، الانقطاع في الاستمرار، تحول الشيء إلى ضده،
تدمير ما هو قديم، ولادة ما هو جديد(.
ـ إن وحدة الأضداد
مشروطة، مؤقتة، نسبية، ونضال الأضداد التي ينفي بعضها بعضا، هو مطلق، كما هو عليه التطور،
كما هو عليه الحركة.
و يقول لينين عن
النسبية والمطلق : "إن الذاتية (الريبية والسفسطائية، إلخ) تختلف عن الديالكتيك،
فيما تختلف عنه، بما يلي :
ـ إن الفرق بين النسبي
والمطلق هو أيضا نسبي بنظر الديالكتيك (الموضوعي(.
ـ بنظر الديالكتيك
الموضوعي يوجد مطلق في النسبي.
ـ بنظر الذاتية والسفسطائية،
فالنسبي ليس سوى نسبي، وهو ضد المطلق".
و أكد لينين أن ماركس
تناول في كتابه "رأس المال" أدق الجزئيات في الحركة داخل المجتمعات الرأسمالية،
أبسط الأشياء، الأشياء العادية، أكثرها شيوعا، الأشياء الأساسية، تبادل البضائع، وقام
بتحليلها وبين لنا "في هذه الظاهرة البسيطة جميع تناقضات المجتمع المعاصر"،
وكذلك يجب أن يكون الديالكتيك بشكل عام في تناوله لجميع القضايا، تناول أبسط الجمل
العادية، وأكثرها تواترا، لكن المادية "الميتافيزيقية" تعجز عن تطبيق الديالكتيك
"على مجرى المعرفة وتطورها" كما قامت بذلك المادية التاريخية.
و يقول لينين عن
الديالكتيك : "الديالكتيك، بوصفه معرفة حية، متعددة الجوانب (إذ أن الجوانب تتكاثر
بلا انقطاع)، مع ما لا حد له من الأشكال والألوان، بغية مجابهة الواقع، بغية الاقتراب
من الواقع (مع نهج فاسفي ينبثق من كل شكل ولون ليشكل كلا واحدا)، ذلك هو محتوى فائق
الغنى بالنسبة للمادية "الميتافيزيقية"، التي مصيبتها الكبرى أنها غير أهل
لتطبيق الديالكتيك على Bildertheorie )نظرية الإنعكاس)، على مجرى المعرفة وتطورها".
لقد ناضل لينين ضد
تحريف الماركسية التي أعطت للديالكتيك بعده المادي بعد نزع بقايا المثالية من فكر هيكل،
مما ساهم بشكل كبير في تحديد قوانين التطور في الطبيعة والمجتمع الشيء الذي دفع البورجوازية
والتحريفية الانتهازية بعد وفاة ماركس وإنجلس، إلى محاولة تحريف الديالكتيك الماركسي
من طرف الماخية التي نشرت في أوربا منظور المذهب النقدي التجريبي، الذي سعى إلى محاربة
المادية باسم تطوير الماركسية مما جعل لينين يدحض منطلقات الماخيين العرفانية المتسمة
بالمثالية الذاتية، وطور الديالكتيك الماركسي إلى أعلى مستوى بتطبيقه على المعرفة وتطورها
ووضع أسس اللينينية، التي قام ستالين بتفسيرها وتحليلها وتطويرها ممارسة ونظريا في
ظل دولة دكتاتورية البروليتاريا، وقد حلل المنظور الماركسي اللينيني للتطور في ظل المجتمعات
الاشتراكية في كتابه "أسس اللينينية".
لقد علم لينين الماركسيين
اللينينيين كيفية مقاربة الأفكار من خلال تحديد منطلقاتها، فيما إذا كانت تستند إلى
المادية أو الميتافيزيقا، فيما إذا كانت تعتمد الديالكتيك أم المادية الميتافيزيقية،
فيما إذا كانت تسير بنا إلى الأمام أم في اتجاه الوراء. وطور بذلك الديالكتيك الماركسي
في مجال المعرفة بتوظيفه لمفهومي التناقض والتطور في الطبيعة والمجتمع، في الحركة الذاتية
وتناقضاتها وعلاقاتها، وتطبيق الديالكتيك على "مجرى المعرفة وتطورها"، ويعتبر
ستالين أحد تلامذته العباقرة الذين بلوروا مفهوم الديالكتيك الماركسي لدى لينين على
مستوى تنظيم الجماهير، أي بين الحزب، الطبقة والجماهير.
وسار ستالين على
نهجه باعتماده الديالكتيك الماركسي على طبيعة الحركة الذاتية في الحزب الشيوعي، في
التعاطي مع تناقضاته الداخلية، في تطوره عبر تطبيق المادية التاريخية، ومن خلال دراسة
وتحليل الإرث النظري الذي خلفه لينين، وأعطى ستالين تعريفا أبعد للديالكتيك في علاقته
بالتطور التاريخي للحزب الماركسي اللينيني و قال : "المادية الديالكتيكية هي النظرة
العالمية للحزب الماركسي اللينيني. وهي تدعى مادية ديالكتيكية لأن نهجها للظواهر الطبيعية،
أسلوبها في دراسة هذه الظواهر وتفهمها ديالكتيكي بينما تفسيرها للظواهر الطبيعية، فكرتها
عن هذه الظواهر، نظريتها مادية. والمادية التاريخية هي امتداد مبادئ المادية الديالكتيكية
على دراسة الحياة الاجتماعية، تطبيق مبادئ المادية الديالكتيكية على ظواهر الحياة الاجتماعية
وعلى دراسة المجتمع وتاريخه". كراس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية.
و أكد ستالين أقوال
لينين حول الحركة الذاتية وعلاقتها بالواقع الموضوعي، في علاقتها بقوانين العالم الموضوعي،
بأحد أهم هذه القوانين أي التناقض في ظل الوحدة، في علاقتها بالخاص والعام، النسبي
والمطلق، الذاتي والموضوعي.
يقول لينين في هذا
الصدد : "هكذا يجب أن تكون أيضا طريقة عرض الديالكتيك بوجه عام، سواء بدأ بأية
جملة من أبسط الجمل المادية، وأكثرها تواترا، ففيها يوجد الديالكتيك: فما هو خاص هو
عام، وهكذا تكون الأضداد (الخاص ضد العام) متماثلة: فالخاص غير موجود إلا في العلاقة
التي تؤدي إلى العام. والعام غير موجود إلا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام
(بهذه الصورة أو تلك)، وكل عام هو (جزء أو جانب أو جوهر) من الخاص. وكل عام لا يشمل
جميع الأشياء الخاصة إلا على وجه التقريب. وكل خاص لا يشترك تمام الاشتراك في العام،
إلخ ... إلخ ... كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى
(أشياء، ظاهرات، تفاعلات)، إلخ .. حتى هنا توجد عناصر وأجنة مفهوم الضرورة، عناصر وأجنة
العلاقة الموضوعية في الطبيعة إلخ، فالعرضي والضروري، والظاهرة والجوهر، موجودة حتى
هنا
...".
و اعتبر ستالين أنه
لا يمكن تناول الظواهر بمعزل عن الواقع الموضوعي، ويمكن فهم هذه الظاهرة عندما نأخذها
بذاتها، فهي في ترابط مع غيرها من الظواهر المحيط بها، مع الظروف المحيطة بها.
ويقول ستالين :
" على العكس من الميتافيزيقا، لا يعتبر الديالكتيك الطبيعة تراكما عرضيا من الأشياء،
أو الظواهر، لا ترتبط إحداها بالأخرى، أو منعزلة ومستقلة إحداها عن الأخرى، بل يعتبرها
كيانا كليا مرتبطا ارتباطا لا ينفصم، تكون فيه الأشياء والظواهر مرتبطة ارتباطا عضويا
وتعتمد إحداها على الأخرى وتقرر إحداها الأخرى. وعليه فإن الأسلوب الديالكتيكي يعتبر
أنه لا يمكن فهم أية ظاهرة طبيعية إذا أخذت بذاتها، منعزلة عن الظواهر المحيطة بها،
إلى حد أن أية ظاهرة في أي مجال من الطبيعة قد تصبح عديمة المعنى لنا إذا لم تدرس بالترابط
مع الظروف المحيطة بها، بل بالانفصال عنها، وإنه على العكس من ذلك يمكن تفهم أية ظاهرة
وتوضيحها إذا درست في ارتباطها الذي لا تنفصم عراه مع الظواهر المحيطة بها، كظاهرة
تقررها الظروف والظواهر المحيطة بها".
وكما أن الظواهر
غير مستقلة عن بعضها البعض، فإنه لا بد من اعتبار حركتها وتغيرها وتطورها، في نشوئها
وزوالها بارتباطها مع تناقضاتها وعلاقاتها، وتناقض الأضداد في صراعها ونضالها من أجل
نفي بعضها لبعض، وتناول ستالين مفهوم التطور الذي أعطاه لينين بعدا أدق وأشمل
"التطور هو نضال الأضداد ... التطور بوصفه وحدة الأضداد"، وهو ليس عملية
بسيطة باعتباره يجري في ظل الحركة.
يقول ستالين :
"على العكس من الميتافيزيقا، لا يعتبر الديالكتيك عملية التطور على أنها عملية
نمو بسيطة، حيث لا تتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية، بل على أنها تطور يجتاز
من تحولات كمية تافهة غير محسوسة إلى تحولات أساسية مكشوفة، إلى تحولات كيفية، يعتبرها
تطورا لا تحدث التغيرات الكيفيه فيه بصورة تدريجية، بل بصورة سريعة ومفاجئة، تتخذ شكل
طفرة من حالة إلى حالة أخرى، لا تحدث بصورة عرضية بل نتيجة طبيعية لتراكم تغيرات كمية
غير محسوسة وتدريجية. وعليه فإن الأسلوب الديالكتيكي يعتبر أن عملية التطور يجب تفهمها
ليس كحركة في دائرة، ليس كتكرار بسيط لما كان قد حدث فعلا، بل كحركة إلى الأمام وإلى
الأعلى، كتحول من حالة كيفية قديمة إلى حالة كيفية جديدة، كتطور من البسيط إلى المركب،
من الأدنى إلى الأعلى".
والديالكتيك الماركسي
هو نتاج الحركة المعرفية للمادية الجدلية والتاريخية في صراعهما مع المادية الميتافيزيقية،
في نظرتها الذاتية للوقائع التاريخية باعتبارها نتاج الفكر، مستقلة عن الواقع الموضوعي،
باعتبار الظواهر مستقلة عن الجوهر، عكس الديالكتيك الماركسي الذي ينطلق من المادة التي
تنطلق من الواقع الموضوعي للوصول إلى الفكر، وأن قياس المعرفة لا يكمن إلا عبر العلاقة
الجدلية بين الفكر والواقع الموضوعي، ومعرفة قوانين التطور الطبيعي والاجتماعي أمر
ممكن التوصل إليه، كما يمكن تطويع هذه القوانين وتسخيرها في سبيل تطور الأنظمة الاجتماعية.
ويقول ستالين :
" ثم، إذا كان العالم قابلا للمعرفة وكانت معرفتنا لقوانين تطور الطبيعة معرفة
موثوقة لها صحة الحقيقة الموضوعية، ينجم عن هذا أن الحياة الاجتماعية، تطور المجتمع،
هو الأخر قابل للمعرفة وأن المعلومات العلمية بخصوص قوانين تطور المجتمع معلومات موثوقة
لها صحة الحقائق الموضوعية. وعليه يمكن أن يصبح علم تاريخ المجتمع، رغم تعقد ظواهر
الحياة الاجتماعية، علما دقيقا لنقل مثل علم الأحياء، علما قادرا على الاستفادة من
قوانين تطور المجتمع للأغراض العملية. لذا على حزب البروليتاريا ألا يتبع في نشاطاته
العملية الحوافز العرضية، بل يتبع قوانين تطور المجتمع وبالاستدلال العملي من هذه القوانين".
والمادية التاريخية
تستند على العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي، بين الواقع الموضوعي والإدراك،
باعتبار أفكارنا وتصوراتنا انعكاسا للواقع الموضوعي عبر إحساساتنا، التي يمكن أن تعكس
الوجود الاجتماعي في وعينا بشكل يقترب من الحقيقة، إذا كان هنا وجود للوعي، والبحث
عن الحقيقة لا يتم عبر الأفكار والتصورات السياسية والأيديولوجية، إنما يكون انطلاقا
من الوجود الاجتماعي ومعرفة هذا الوجود بواسطة الديالكتيك الماركسي.
يقول ستالين :
" وعليه، فان مصدر تكوين حياة المجتمع الروحية، أصل الآراء الاجتماعية، النظريات
الاجتماعية، الآراء السياسية والمؤسسات السياسية يجب ألا نبحث عنها في الآراء أو النظريات
أو وجهات نظر المؤسسات السياسية ذاتها، بل في ظروف الحياة المادية للمجتمع، في الوجود
الاجتماعي الذي تشكل الآراء والنظريات ووجهات النظر الخ.. انعكاسا لها... وعليه، لكي
لا يخطئ حزب البروليتاريا في سياسته، لكي لا يجد حزب البروليتاريا نفسه في وضع الحالم
التائه، ألا يؤسس نشاطاته على "مبادئ العقل البشري" المجردة، بل على الظروف
الحقيقية لحياة المجتمع المادية باعتبارها المقررة الحقيقية لتطور الحياة المادية للمجتمع".
وهذا لا يعني عدم
أهمية الأفكار في التطور الاجتماعي، فالعلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة لها أهمية
قصوى في حركة المجتمع.
ويقول لينين :
"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية". كتاب ما العمل ؟
وأكد ستالين أن مصادر
الأفكار والنظريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية والفلسفية والفنية وغيرها،
إنما يكمن في شروط الحياة المادية للمجتمع/شروط الوجود الاجتماعي. وتعتبر الأفكار والنظريات
انعكاسا لشروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية وهي تمارس بدورها تأثيرها على تطور
شروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية/الوجود الاجتماعي والقاعدة الاقتصادية للمجتمع.
ويقول ماركس :
"إن النظرية تصبح قوة مادية عندما تتغلغل في الجماهير". نقد الفلسفة الهكلية.
و للنظرية دور فعال
في تحريك التاريخ عبر الصراع الطبقي، عندما تكون هذه النظرية في مستوى المهام المطروحة
على قوى التغيير الاجتماعي، وحينما يتم بلورتها نضاليا وتنظيميا في أوساط الجماهير.
يقول ستالين :
"إن الآراء والنظريات الجديدة لا تنشأ إلا بعد أن يكون تطور حياة المجتمع المادية
قد وضع مهام جديدة أمام المجتمع. إلا أنها ما أن تنشأ إلا وتصبح أشد القوى التي تسهل
تنفيذ المهام الجديدة التي خلقها تطور حياة المجتمع المادية، قوة تسهل تقدم المجتمع.
هنا بالضبط تظهر نفسها الأهمية الهائلة لتنظيم وتحريك وتحويل الآراء والنظريات الجديدة
ووجهات النظر الجديدة والمؤسسات السياسية الجديدة. إن الآراء والنظريات الجديدة تنشأ
بالضبط لأنها ضرورية للمجتمع، لأن من المستحيل تنفيذ المهام الملحة لتطور حياة المجتمع
المادية بدون نشاطها التنظيمي والتحريكي والتحويلي. ولدى نشوء الآراء الاجتماعية الجديدة
عن المهام الجديدة التي يتطلبها تطور حياة المجتمع المادية، فإنها تشق طريقها وتصبح
ملكا للجماهير، تحركهم وتنظمهم ضد قوى المجتمع المحتضرة، وبهذا تسهل إسقاط هذه القوى
التي تعيق تطور حياة المجتمع المادية".
وعلى الحزب البروليتاري
البحث عن القوة الرئيسية في تطور المجتمع، ذلك ما يمكن أن يحدده عبر تحريكه للصراع
الطبقي، باعتبار هذا الأخير المحرك الأساسي للتاريخ، وهو يكمن في التناقض بين القوى
المنتجة وعلاقات الإنتاج.
يقول ستالين :
"ولهذا فإن مفتاح دراسة قوانين تاريخ المجتمع يجب ألا نبحث عنه في أدمغة الناس،
في نظرات وآراء المجتمع، بل في أسلوب الإنتاج الذي مارسه المجتمع في أية فترة تاريخية،
علينا أن نبحث عنه في الحياة الاقتصادية للمجتمع. ولهذا فإن المهمة الرئيسة لعلم التاريخ
هي دراسة وكشف قوانين الإنتاج، قوانين تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، قوانين تطور
المجتمع الاقتصادي. ولهذا إذا أراد حزب البروليتاريا أن يكون حزبا حقيقيا، عليه فوق
كل شيء أن يتوفر على معرفة قوانين تطور الإنتاج، قوانين تطور المجتمع الاقتصادي".
إن الأساس الاقتصادي
ذو أهمية قصوى في التحولات المعرفية فكلما طرأ عليه تغيير إلا وتغيرت المعرفة التي
تلازمه، ولا يمكن البحث عن جذور حدث فكري معين وعن مصادره الاجتماعية بالاكتفاء بمستوى
تطور القوى المنتجة، بل يتم ذلك بالمعرفة الكاملة للنظام الاقتصادي للمجتمع ككل، وذلك
بالبحث عن التوافق أو عدم التوافق بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، ويجب البحث عن
مصادر الأفكار الجديدة في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة
و لهذا
:
ـ فالأفكار التقدمية
مصدرها القوى المنتجة الجديدة في صراعها مع علاقات الإنتاج القديمة.
ـ التناقض بين علاقات
الإنتاج في النظام الاقتصادي السائد والقوى المنتجة الجديدة هو مصدر النزاعات الاجتماعية
وتنامي الصراع الطبقي وبالتالي مصدر الثورات الاجتماعية.
وهذه العلاقة الجدلية
بين المادة والفكر، بين الواقع الموضوع والفكر، بين الأساس الاقتصادي والبنية الفكرية
السائدة، بين تطور الأساس الاقتصادي والثورات الاجتماعية، بين القوى المنتجة الجديدة
وعلاقات الإنتاج القديمة، إلخ ... هي جوهر الديالكتيك الماركسي، أي المذهب الماركسي
اللينيني، الذي يحكم جوهر التغيير في عصر الإمبريالية، في العلاقة بين القوى الجديدة
المحددة للصراع الطبقي وأفق الثورات الاجتماعية، بين حركة الحزب الثوري والقيادة الثورية،
في العلاقة بين الحزب والطبقة والعلاقة بينهما وبين الجماهير، باعتبار الحزب الأداة
الأساسية في تنظيم الجماهير وبلور الأفكار الثورية في أوساطها.
لتعميق بعض التناقض
في التعاطي مع المهام الثورية في علاقتها بتطور الحزب البروليتاري، تناول لينين مسألتي
الاستراتيجية والتكتيك كأسلوبي العمل في الحرب، في علاقتهما بالإصلاحية والثورة، في
علاقتهما بدور الحزب في قيادة الثورة، وصاغ أسس القيادة الثورية في ارتباطها بالشروط
الأساسية لخوض معركة الثورة، من خلال العلاقة بين القيادة الاستراتيجية والقيادة التكتيكية
في كل مرحلة من مراحل الثورة.
فإلى جانب نضاله
ضد الماخية عمل لينين على دحض ادعاءات زعماء الأمية الثانية وعلى رأسهم كاوتسكي، الماركسي
المرتد قائد الانتهازيين الذي قام بتحريف مفهوم الثورة التي حاول تعويضها بالإصلاحية
البرلمانية، حين كانت أحزاب الأممية الثانية هي السائدة في خدمة الدعاية للبرلمانية
ضد الثورة، واعتبر كاوتسكي الأحزاب أدوات السلم، وهي في نظر لينين لا تصلح لخدمة البروليتاريا،
لكونها في خادمة البورجوازية، وهي تقوم بالدعاية المفرطة للبرلمانية، وأصبحت أجهزة
انتخابية يشكل أعضاؤها كتلا داخل البرلمان، مما يجعل هذه الأحزاب ذيلية لهذه الكتل
عاجزة عن خدمة مصالح البروليتاريا، وقاوم ستالين ادعاءات الكاوتسكية خلال البناء الاشتراكي.
وقال عن الحزب والكتل البرلمانية: "المنظمة السياسية الأساسية للبروليتاريا، في
المرحلة التي ساد فيها انتهازيو الأممية الثانية، لم تكن الحزب بل الكتلة البرلمانية.
فمن المعروف أن الحزب، في ذلك العهد، كان ذيلاً للكتلة البرلمانية وعنصراً معداً لخدمتها".
وفي مرحلة المد الثوري
التي شكل فيها القضاء على الاستعمار والسيطرة على الحكم من طرف البروليتاريا، هاتان
المهمتان الأساسيتان للحزب البروليتاري، أصبح الحزب الماركسي ـ اللينيني هو المنظمة
الأساسية في الصراع الطبقي، يعمل على تثقيف البروليتاريا وإعدادها للسيطرة على الحكم،
وأصبح من الضروري بناء حزب ثوري باستطاعته إنجاز المهمات الجديدة، في ظل شروط جديدة،
في ظل تهيئ البروليتاريا لخوض معركة الثورة، من أجل بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
وحدد لينين خصائص
الحزب الماركسي ـ اللينيني كما يلي :
ـ الحزب من حيث هو
فصيلة الطليعة من الطبقة العاملة.
ـ الحزب من حيث هو
فصيلة منظمة من الطبقة العاملة.
ـ الحزب من حيث هو
أعلى أشكال تنظيم البروليتاريا الطبقي.
ـ الحزب من حيث هو
أداة ديكتاتورية البروليتاريا.
ـ الحزب من حيث هو
وحدة في الإرادة لا تقبل وجود التكتلات الانقسامية.
ـ الحزب يقوى بتطهير
نفسه من العناصر الانتهازية.
وأكد مسألة أساسية
في الحزب ودوره في تنظيم الطبقة والجماهير أثناء الحرب الأهلية" نحن حزب الطبقة،
ولذلك فالطبقة كلها على وجه التقريب (أما في وقت الحرب، أي في عهد الحرب الأهلية، فالطبقة
كلها على الإطلاق) يجب أن تعمل تحت قيادة حزبنا وأن تتراص حوله أكثر ما يمكن".
وهذا الحزب هو الحزب الماركسي ـ اللينيني الذي أسسه لينين، وهو فصيلة الطليعة الثورية
للبروليتاريا متسلح بالنظرية الثورية، ملما بقوانين الحركة الثورية، يستطيع قيادة الطبقة
العاملة، لا يكون تابعا للحركة العفوية للجماهير، بل يكون قادرا على الرفع بمستوى الجماهير
لمعرفة مصالحها. ولا يمكن للحزب أن يقوم بهذا الدور إلا عندما يكون فصيلة الطليعة،
وأكثر من ذلك فصيلة من الطبقة، جزءا من الطبقة، باستطاعته توطيد العلاقة مع باقي الجماهير
غير الحزبيين، وأن تقبل الجماهير القيادة الحزبية.
ويؤكد ستالين موقع
الحزب الماركسي ـ اللينيني ومهامه في مرحلة المد الثوري : "...مهمات جديدة أمام
البروليتاريا، هي: إعادة تنظيم كل عمل الحزب وفق أسلوب جديد، ثوري، لتثقيف العمال بروح
النضال الثوري في سبيل الحكم، إعداد القوى الاحتياطية وحشدها؛ التحالف مع عمال الأقطار
المجاورة؛ إقامة روابط متينة مع حركة التحرر في المستعمرات والبلدان التابعة، الخ..
الخ...".
وأكد لينين أنه لابد
للحزب الثوري من استراتيجية منسجمة وتكتيك مدروسة في علاقتهما بالحركة الثورية، وبالرجوع
إلى أعمال ماركس وإنجلس قام لينين بكشف أهم ما أنجزته الماركسية في هذا المجال، والتي
تم طمسها من طرف انتهازية الأممية الثانية، وطور مفهوم الحزب، ودفع به إلى الأمام وصاغ
المبادئ الأساسية للحرب الماركسي ـ اللينيني، التي يجب اتباعها من أجل السيطرة على
الحكم من طرف البروليتاريا، وأسس بذلك علم قيادة نضال البروليتاريا الثوري.
وناضل ستالين من
أجل تطبيقها في مرحلة البناء الاشتراكية والحرب ضد الإمبريالية في العلاقة بين الاستراتيجية
الثورية واستراتيجية بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني ف"الاستراتيجية هي تحديد
اتجاه الضربة الرئيسية للبروليتاريا على أساس مرحلة معينة من الثورة، ووضع برنامج مناسب
لترتيب القوى الثورية (الاحتياطات الرئيسية والثانوية)، والنضال في سبيل تحقيق هذا
البرنامج طوال تلك المرحلة المعينة ..."، وحدد علاقة الاستراتيجية بالطبقة والجماهير
على أنها أي الاستراتيجية "تهتم بالقوى الأساسية للثورة وباحتياطاتها. وهي تتغير
كلما مرت الثورة من مرحلة إلى أخرى، مع بقائها هي دون تغيير، من حيث الأساس، طوال مرحلة
معينة". وفي علاقة الاستراتيجية بالتكتيك ودورها في بلورة النضال البروليتاري
في كل مرحلة من مراحل الحركة الثورية فالتكتيك "هو تعيين خطة سلوك البروليتاريا
خلال مرحلة قصيرة نسبياً، مرحلة مد الحركة أو جزرها، نهوض الثورة أو هبوطها، والنضال
من أجل تطبيق هذه الخطة بإبدال أشكال النضال والتنظيم القديمة بأشكال جديدة، والشعارات
القديمة بشعارات جديدة، وبالتوفيق بين هذه الأشكال، الخ...". وحدد دور كل الاستراتيجية
والتكتيك في إنجاح المهام الثورية للحزب الماركسي ـ اللينيني "فإذا كان هدف الاستراتيجية
كسب الحرب، مثلاً، ضد القيصرية أو البرجوازية، والقيام إلى النهاية بالنضال ضد القيصرية
أو البرجوازية، فإن التكتيك يأخذ على عاتقه أهدافاً أقل شأناً، إذ أنه يسعى لا لكسب
الحرب بمجموعها، بل كسب هذه أو تلك من المناوشات، هذه أو تلك من المعارك، يسعى لتحقيق
هذه أو تلك من الحملات، هذه أو تلك من الأعمال الملائمة للوضع الواقعي الملموس خلال
فترة معينة من نهوض الثورة أو هبوطها". واعتبر "التكتيك هو جزء من الاستراتيجية،
جزء خاضع لها، ووظيفته أن يخدمها".
ولا بد من القيادة
الاستراتيجية التي تقود الثورة وذلك ب:
ـ ضبط القوى الرئيسية
والقوى الاحتياطية لإنجاح الثورة.
ـ تحديد نقط ضعف
العدو عندما تكون الثورة قد نضجت.
ـ اختيار اللحظة
المناسبة للثورة المسلحة.
و حدد لينين شروط
استخدام قوى الثورة استراتيجياً كما يلي:
1ـ ينبغي عدم اللعب أبداً بالثورة المسلحة،
وعند البدء بها، ينبغي العلم بقوة ووضوح أن من الواجب السير بها إلى النهاية.
2ـ من الضروري حشد قوى متفوقة كثيراً على
قوى العدو، في المكان الحاسم وفي اللحظة الحاسمة، وإلا فإن العدو، وهو أحسن استعداداً
وتنظيماً، يبيد الثائرين.
3ـ حين تبدأ الثورة المسلحة ينبغي العمل
بأعظم عزيمة وحزم، والانتقال من كل بد، وبصورة مطلقة، إلى الهجوم. الدفاع هو موت الثورة
المسلحة
.
4ـ ينبغي السعي لأخذ العدو على حين غرة،
واختيار اللحظة التي تكون فيها جيوشه مبعثرة.
5ـ ينبغي الحصول على نجاحات، حتى ولو كانت
صغيرة، كل يوم (ويمكن القول كل ساعة، إذا كانت القضية تتعلق بمدينة واحدة)، والاحتفاظ،
مهما كان الثمن، بـ التفوق المعنوي.
و يمكن اعتبار اللحظة
قد حانت للمعركة الحاسمة إذا :
1ـ كانت القوى الطبقية المعادية لنا قد غرقت
بصورة كافية في الصعوبات، ومزق بعضها بعضاً إلى حد كاف، وأضعفت نفسها إلى درجة كافية،
بنضال هو فوق طاقتها.
2ـ كانت جميع العناصر المتوسطة، المترددة،
المتخاذلة، المترجرجة ـ أي البرجوازية الصغيرة، الديمقراطية البرجوازية الصغيرة، بوصفها
مختلفة عن البرجوازية ـ قد انفضحت بصورة كافية أمام الشعب، واكتسبت الخزي والعار بإفلاسها
العملي.
3ـ بدأت في صفوف البروليتاريا، وأخذت ترتفع
بقوة، حالة فكرية جماهيرية لتأييد أشد الأعمال حزماً وعزماً وجرأة ثورية، ضد البرجوازية.
عندها تكون الثورة قد نضجت.
وعندها، إذا أخذنا
بعين الاعتبار جميع الشروط المذكورة أعلاه... وإذا اخترنا للحظة اختياراً صحيحاً. يكون
انتصارنا مضموناً.
ولا بد للحركة الثورية
من القيادة التكتيكية التي تعتبر ضرورية لإنجاز مهما القيادة الاستراتيجية، وهي التي
تعمل على تيسير عمل البروليتاريا في كل مرحلة من مراحل الثورة، من حيث هي أداة لضبط
السير النضالي والتنظيمي للطبقة العاملة وضبط أشكالها ومهماتها، و"القيادة التكتيكية
هي جزء من القيادة الاستراتيجية، خاضع لمهماتها ومقتضياتها"، علاقتها في إنجاز
المهام الثورية و"مهمة القيادة التكتيكية هي هضم جميع أشكال نضال البروليتاريا
وأشكال تنظيمها وتأمين استخدامها الصحيح للحصول، ضمن نسبة معينة بين القوى، على الحد
الأقصى من النتائج، الضروري لتهيئة النجاح الاستراتيجي".
و حدد لينين عمل
القيادة التكتيكية ومهامها في نقطتين أساسيتين :
ـ أولاً: أن توضع،
في المقام الأول، أشكال النضال والتنظيم التي من شأنها، لكونها ملائمة أحسن من غيرها
لشروط المد أو الجزر في الحركة، أن تسهل وتؤمن تسيير الجماهير نحو المواقف الثورية،
تسيير الجماهير الغفيرة نحو جبهة الثورة، وتوزيعها على جبهة الثورة.
ـ ثانياً: في كل
لحظة معينة، العثور في سلسلة التطورات، على الحلقة الخاصة التي يسمح الإمساك بها، بالتمكن
من كل السلسلة وتهيئة الشروط للنجاح الستراتيجي.
يقول لينين:
"لا يكفي أن يكون المرء ثورياً ومناصراً للاشتراكية. أو شيوعياً بصورة عامة..
من الواجب أن نعرف، في كل لحظة معينة، العثور على تلك الحلقة الخاصة التي ينبغي الإمساك
بها بكل قوة، للتمكن من كل السلسلة وتهيئة الانتقال إلى الحلقة التالية تهيئة متينة.. ".
و ميز لينين بين
التكتيك الإصلاحي والتكتيك الثوري بحيث الأول يخدم مصالح الانتهازية التي تسخر الإصلاحات
خدمة لمصالحها الانتهازية، أما التكتيك الثوري فهو ليس ضد الإصلاحات ولكن شريطة أن
تخدم مصلحة الثورة والطبقة العاملة، فالانتهازية تضع الإصلاحية في المقام الأول، تستعيض
به عن الثورة، تسخره ضد الثورة خدمة للبورجوازية، والحزب الماركسي ـ اللينيني يضع الثورة
في المقام الأول باعتبارها مسألة استراتيجية، والتكتيك الثوري يضع الإصلاحية في خدمة
الثورة، وأكد أن "الماركسية وحدها، تحدد، بشكل دقيق وصحيح، العلاقة بين الإصلاحات
والثورة". ولم يستطع ماركس أن يرى هذه العلاقة إلا من جانب واحد أي في الظروف
السابقة لانتصار البروليتاريا انتصاراً وطيداً إلى حد ما، ودائماً إلى حد ما، في بلد
واحد على الأقل، ففي تلك الظروف، كانت هذه العلاقة الصحيحة ترتكز على المبدأ التالي
وهو: إن الإصلاحات هي النتاج الثانوي لنضال البروليتاريا الطبقي الثوري. أما بعد انتصار
البروليتاريا في بلد واحد على الأقل، فيبرز شيء جديد في العلاقة بين الإصلاحات والثورة.
ومن حيث المبدأ، يبقى كل شيء كما كان سابقاً. ولكن يحدث تغيير في الشكل ما كان ماركس
ليستطيع التنبؤ به، ولكن لا يمكن إدراك هذا التغيير إلا على أساس فلسفة الماركسية وسياستها.
... فهي (أي الإصلاحات – ملاحظة من ي. ستالين). بعد الانتصار (مع بقائها ذلك النتاج
الثانوي نفسه من وجهة النظر العالمية) تؤلف فوق ذلك، بالنسبة للبلد الذي تم فيه الانتصار،
هدنة لا بد منها، هدنة مشروعة عندما تصبح القوى، عقيب توتر شديد إلى الحد الأقصى، غير
كافية، بصورة جلية، لتحقيق هذا الانعطاف أو ذاك، بالطريق الثوري. إن الانتصار يعطي
ذخراً في القوى يسمح بالثبات حتى خلال تراجع اضطراري – الثبات سواء بمعناه المادي أو
بمعناه المعنوي." (لينين: حول أهمية الذهب – المؤلفات الكاملة – المجلد 27، ص
84 – 85).
وما يجري على المستوى
العالي للثورة يجري على جميع أنواع المستويات النضالية من البسيط إلى المعقد في العلاقة
بين الاستراتيجية والتكتيك، في بناء الحزب وعلاقته بالطبقة والجماهير، في بناء النقابة
في علاقته لقيادة المعارك النضالية للطبقة العاملة، في قيادة الحركة الجماهيرية للعمال
والفلاحين، إلخ
...
ويعتبر كتاب ستالين
"أسس اللينينية ـ حول مسائل اللينينية" أغنى مرجع يفسر الثورة والوضع الثوري
بين الاستراتيجة والتكتيك الثوريين والعلاقة بينهما واستراتيجية بناء الحزب الماركسي
ـ اللينيني وعلاقته بالطبقة والجماهير وإنجاح الثورة البروليتارية.
لقد عبد لينين الطريق
للماركسيين اللينينين بتطويره للديالكتيك الماركسي على مستوى المعرفة برفعه إلى مستوى
أعلى، وسار ستالين في نهجه بتطبيق خلاصاته حول الديالكتيك الماركسي على مستوى تطور
الحزب الماركسي اللينيني وقيادة الثورة الاشتراكية، واستفاد ماو من أعمال ستالين حول
الديالكتيك وأسس اللينينية، وأكد ماو على ضرورة إخراج مسألة الديالكتيك الماركسي من
إطاره الفلسفي ليصبح أداة للتحليل في متناول الجماهير الشعبية.
وقال ماو في هذا
الصدد:" برأيي يجب أن يبتعد الجدل عن حلقة الفلاسفة ليتجه نحو أوسع الجماهير الشعبية".
ماو، المنهج الجدلي لتثبيت وحدة الحزب. النسخة الإليكترونية، ترجمة: أمين الخطابي.
وعمل ماو على تيسير
الديالكتيك الماركسي حتى يصبح في متناول الجماهير الشعبية التي لا تحمل ثقافة عالية،
محاولا ربط خلاصاته بالثقافات الشعبية الصينية التي تتداولها أوسع الجماهير الشعبية،
من أجل بلورة الديالكتيك الماركسي في الحياة اليومية للطبقة العاملة والفلاحين، خاصة
داخل الحزب الشيوعي الصيني الذي يجب أن ينفتح على أوسع الجماهير، وأكد أنه "من
الضروري الدخول في حملة إعلامية واسعة النطاق حول مفهوم وحدة المتناقضات وحول الجدل".
نفس المرجع.
لكن بعض الماركسيين
اللينينيين لا يدركون كنه أعمال ماو وعلاقتها بالمستوى الأعلى للديالكتيك الماركسي
عند لينين، وهو هذه الصيغة الجماهيرية لممارسة الديالكتيك الماركسي التي يسعى إليها
ماو، وهؤلاء يريدون تحميل أعمال ماو أكثر مما هي عليه، وبذلك يعملون على قلب الديالكتيك
الماركسي، فهم لم يفهموا مقولته التالية حول الحزب التي استنتجها من أعمال لينين
"في مسألة الديالكتيك"، وهي أن" الواحد ينقسم إلى اثنين إنها هنا ظاهرة
كونية وهذا هو الديالكتيك". نفس المرجع.
إن مقولة ماو هذه
هي من صلب خلاصات لينين حول الديالكتيك الماركسي، وقد سبق لماو أن استشهد بهذه الخلاصات
في أعماله حول فهم العالم، باعتبار الديالكتيك الماركسي أداة لضبط قوانين الطبيعة والمجتمع،
وأكد أنه" خلال تاريخ المعرفة البشريَّة كله كانت هُناك وجهتا نظر حول قوانين
تطوُّر العالم، هما وجهة النَّظر الميتافيزيقيّة ووجهة النَّظر الدِّيالكتيكيّة اللَّتان
تُشكلان نظرتين متضادتين إلى العالم. ويقول لينين "إن وجهتي النَّظر الأساسيّتين
(أو الممكنتين؟ أو المُشاهدتين تاريخياً؟) عن التطوُّر (الارتقاء) هما: التطوُّر كنقصان
وازدياد، كتكرار؛ والتطوُّر كوحدة الضدَّين (انقسام الواحد إلى ضدَّين متعارضين تربط
بينهما علاقة متبادلة)". إن ما يعنيه لينين هنا هو هاتان النَّظرتان المُختلفتان
إلى العالم". ماو، نظرات إلى العالم.
وكان هاجس ماو مثله
في ذلك مثل ستالين، هو ضبط الحركة داخل الحزب الماركسي ـ اللينيني الذي يعتبر أداة
لتنظيم البروليتاريا وحلفائها وبالتالي تنظيم الجماهير الشعبية وقيادة الثورة، من خلال
ضبط التناقضات داخل الحزب التي تلعب دورها في تطوير حركة الحزب في علاقاتها بالتناقضات
في الواقع الموضوعي، فتناقضات الحزب ما هي إلا نتاج صراع التناقضات الموضوعية في المجتمع،
لذا وجب على الحزب أن يطور أيديولوجيته وفق تطور التناقضات داخل المجتمع، على اعتبار
أن الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي كما قال ماركس، وأكد ماو أنه
"ينبغي النَّظر إلى كل اختلاف في مفاهيم الإنسان على أنه انعكاس لتناقض موضوعيّ.
إن التَّناقضات الموضوعيّة تنعكس في التَّفكير الذاتي، فتشكل حركة التَّناقض في المفاهيم،
وتدفع التَّفكير نحو التطوُّر..."، وهو صلب ما قاله ماركس وطوره لينين بمزيد من
الشرح العلمي المادي في صراعه ضد التجريبيين.
وحدد لينين صراع
الأضداد في ظل الوحدة ودورها في تطور الحركة الذاتية في علاقاتها بالحركة الموضوعية،
وتجليات الديالكتيك في الطبيعة والمجتمع التي تتضح في الأشياء البسيطة كما تتجلى في
الأشياء المعقدة، ومهمة الماركسيين اللينينيين هي تطبيق الديالكتيك الماركسي على أوسع
نطاق من البسيط إلى المعقد، في الحياة الخاصة والعامة، في ممارساتنا اليومية الشخصية
والحزبية، في الطبيعة والمجتمع، لضبط أسس التطور داخل الحزب في علاقته بالمجتمع. وأكد
ماو قول لينين على ضوء استنتاجات لينين حول دراسة أعمال ماركس في رأس المال "ولقد
أشار لينين أن ماركس قد قدَّم في كتابه "رأس المال" تحليلاً نموذجياً لحركة
التَّناقض التي تجري خلال عمليَّة تطوُّر الأشياء من البداية حتى النِّهاية. وهذه هي
الطَّريقة التي ينبغي أن تُطبَّق في دراسة عمليَّة تطوُّر كل شيء. ولقد طبقها لينين
نفسه أيضاً بصورة صحيحة والتزم بها في جميع كتاباته...".
و عمل ماو على تطبيق
خلاصات لينين حول الديالكتيك الماركسي على مجريات الثورة الصينية، خاصة في أحلك مراحلها
وهي أثناء المعارك المسلحة، مستفيدا من خلاصات لينين حول الحزب والحرب التي رأيناها
في مقال سابق، والتي حدد فيها لينين شروط النجاح في كسب المعركة خاصة في أعلى مراحلها
وهي المعركة المسلحة "شروط استخدام قوى الثورة استراتيجياً" كما سماها لينين،
وطبق ماو هذه الشروط في العلاقة بين الحرب النظامية وحرب العصابات، واستطاع كسب الثورة
الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني لمعركة حرب التحرير الشعبية، ضد الإمبريالية والانتهازية،
مستعينا في ذلك بالعلاقة بين الاستراتيجية والتكتيك، التي أعطاها ستالين بعدا أدق وأشمل
في كتابه "أسس اللينينية"، كما استفاد منها هو شي منه وتلميذه الجنرال جياب
في الحرب الشعبية للفلاحين خلال الثورة الشعبية الفيتنامية ضد الإمبريالية طيلة 30
عاما من الحرب الثورية ضد الإمبريالية اليابانية والفرنسية والأمريكية.
واستفاد ماو من الديالكتيك
الماركسي عند لينين على مستوى الاستراتيجية والتكتيك اللتان أسهب ستالين في تفسيرهما
في علاقتهما بين الحزب والحرب، وأكد ماو أن "الحرب النظامية تلعب الدور الرئيسي
في حرب المقاومة ضد اليابان، أما حرب العصابات فهي تلعب فيها دورا مساعدا. ولقد توصلنا
إلى فهم صحيح حول هذه المسألة. وما دام الأمر كذلك فإننا لن نجابه في حرب العصابات
إلا قضايا تكتيكية، فلماذا نطرح إذن قضايا الاستراتيجية ؟"، وتناول ماو ظروف الحرب
في علاقاتها بالتناقضات الذاتية والموضوعية، في علاقاتها بالاستراتيجية والتكتيك، مؤكدا
على دور الحزب في قيادة معركة حرب التحرير الشعبية، ووضع الأهداف الأساسية لحرب العصابات
استراتيجيا وتكتيكيا، في بلد شاسع جغرافيا ومتخلف تكنولوجيا ضد دولة إمبريالية صغيرة
جغرافيا ومتقدمة تكنولوجيا، في علاقاتها بين المعركة في الداخل والخارج، في علاقتها
بين الحرب النظامية وحرب العصابات، وأكد أن "القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات
المناهضة لليابان هي بطبيعتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقضايا الاستراتيجية في حرب المقاومة
ضد اليابان بمجموعها، بسبب أن هناك نقاطا مشتركة كثيرة تجمع بينهما. ولكن حرب العصابات
من جهة أخرى تختلف عن الحرب النظامية ولها خصائصها المميزة، وبالتالي فإن قضاياها الاستراتيجية
تتميز كذلك بكثير من الخصائص، ولذلك لا يجوز لنا أبدا أن نطبق المبادئ الاستراتيجية
العامة لحرب المقاومة ضد اليابان، بدون تعديل، على حرب العصابات التي تتميز بخصائصها
المحددة"، وهذا هو صلب تطبيق الديالكتيك الماركسي عند لينين على مستوى الاستراتيجية
والتكتيك في العلاقة فيما بينهما على مستوى قيادة الحرب الشعبية في العلاقة بين الحرب
النظامية وحرب العصابات، كما طبقها القائد الثوري هو شي منه على مستوى قيادة الحرب
الثورية ضد الإمبريالية لما تأكد على أن المقاومة الشعبية للفلاحين هي السبيل إلى التحرر
والديمقراطية وبنى الحزب الشيوعي، بعد اطلاعه المباشر على الثورة البلشفية في لقائه
التاريخي بلينين وستالين وعمله كمستشار عسكري بالصين، واستطاع بناء تجربة ثورية عظيمة
بفيتنام خلال حرب شعبية بقيادة الفلاحين استمرت إلى عشية انحراف الحزب الشيوعي الصيني
وإسقاط التجربة الصينية.
وانطلاقا من الديالكتيك
الماركسي في علاقته بين النظرية والممارسة استنتج ماو الشروط الأساسية لحرب العصابات،
في علاقاتها بالشروط الاستراتيجية في الحرب التي صاغها لينين حول المعركة في ظروف الثورة،
في العلاقة بين الهجوم والتراجع، في العلاقة بين الخطوط الداخلية والخارجية، في العلاقة
بين الحرب الإمبريالية وحرب التحرير الشعبية، في العلاقة بين الثورة الاشتراكية والثورة
البورجوازية، الاستنتاجات التي صاغها لينين خلال معارك الحرب الأهلية/الحرب التي قادها
العمال والفلاحين ضد الأعداء الداخليين والخارجيين، ضد البرجوازية والانتهازية المحلية
وضد الإمبريالية العالمية، وبناء أسس الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي الذي قاده
ستالين بقيادة الحزب الشيوعي والتي استفاد منها في الحرب ضد الإمبريالية خلال الحرب
الإمبريالية العالمية، باعتبار الثورة الاشتراكية السوفييتية تكون الذراع الواقي للثورتين
الصينية والفيتنامية في عهد ستالين.
وصاغ ماو ما سماه
"السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في حرب العصابات" وهي:
1ـ المبادرة والمرونة والتخطيط في القيام
بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية، وفي القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة
الأمد، وفي خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي .
2ـ تنسيق عمليات حرب العصابات مع عمليات
الحرب النظامية
.
3ـ إنشاء القواعد.
4 ـ الدفاع الاستراتيجي و الهجوم الاستراتيجي .
5ـ تطوير حرب العصابات إلى حرب متحركة .
6ـ إنشاء علاقة صحيحة بين القيادات .
كما أن التجربة الثورية
الفيتنامية غنية بالدروس حول الحرب الثورية ضد الحرب الإمبريالية على الشعوب المضطهد
وكانت آخر حلقات المقاومة المسلحة للفلاحين المنظمين تحت راية الحزب الشيوعي، التي
استفادت منها جميع تجارب المقاومة المسلحة لحركة التحرر بإفريقيا من الخمسينات إلى
اليوم والتي أعطاها الجنرال جياب تلميذ العم هو نفسا طويلا.
لقد عمل ستالين وماو
على بلورة خلاصات الديالكتيك الماركسي الأعلى لدى لينين على مستوى المعرفة، في الواقع
الموضوعي للثورتين السوفييتية والصينية والعلاقة بينهما، في الواقع الموضوعي للثورتين
الاشتراكية والبورجوازية، في الحرب ضد الإمبريالية وحرب التحرير الشعبية، واستطاعا
معا بلورة مفهوم العلاقة بين النظرية اللينينية الثورية والممارسة العملية للماركسيين
اللينينيين، في ظل القيادة التاريخية للحزب الماركسي ـ اللينيني، من خلال تحقيق نتائج
باهرة في حربهما ضد الإمبريالية والانتهازية على مستوى أعلى، في المعارك المسلحة خلال
الحرب الإمبريالية الثانية، وشكلت الثورتين السوفييتية والصينية تكاملا في الممارسة
العملية، في ظل التناقض بين الحرب النظامية بالاتحاد السوفييتي وحرب العصابات بالصين
ضد الإمبريالية والانتهازية، في ظل الوحدة بين التناقضات التي تشكل جوهر الديالكتيك
الماركسي.
المراجع :
ـ ماركس، برومير
لويس بونابرت، دار النشر الاجتماعية الأممية باريس 1927.
ـ ماركس، .نقد الفلسفة
الهكلية.
ـ ماركس، موضوعات
عن فورباخ 1845.
ـ ماركس إنجلي، مختارات
الجزء الثاني.
ـ ماركس إنجلس، بصدد
الدولة.
ـ إنجلس، لودفيغ
فورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية.
ـ إنجلس، مقدمة كتاب
ماركس "بؤس الفلسفة".
ـ إنجلس، ديالكتيك
الطبيعة.
ـ إنجلس، أصل العائلة
والملكية الخاصة والدولة.
ـ لينين، المادية
والمذهب النقدي التجريبي.
ـ لينين، ما العمل؟.
ـ لينين، الإمبريالية
أعلى مراحل الرأسمال.
ـ لينين، الدولة
والثورة.
ـ لينين، في الثقافة
والثورة الثقافية.
ـ لينين، مرض
"اليسارية"الطفولي في الشيوعية.
ـ مسائل بناء الاشتراكية
والشيوعية في الاتحاد السوفييتي.
ـ ستالين، أسس اللينينية.
ـ ستالين، المادية
الديالكتيكية والمادية التاريخية.
ـ ماو، المنهج الجدلي
لتثبيت وحدة الحزب. النسخة الإليكترونية، ترجمة: أمين الخطابي.
ـ ماو، نظرات إلى
العالم.
ـ ماو، في التناقض.
ـ كتاب "سرد
حول المقاومة الفيتنامية" 1925ـ 1945، (FM/petite collection maspero).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire