من أجل إعادة بناء الخط الأيديولوجي للمنظمة الماركسية - اللينينية المغربية

يعتبر الخط الأيديولوجي الثوري الأساس النظري للتنظيم السياسي الثوري ويتم تحديد أسسه انطلاقا من تحديد التصور السياسي المنبثق من التحليل المادي التاريخي للواقع الموضوعي انطلاقا من دراسة الوضع السياسي الراهن، وهو بوضلة طريق الثورة للتنظيم السياسي الثوري خلال النضالات الثورية لمناضليه في أوساط نضالات الجماهير الشعبية خلال الصراعات الطبقية التي تقودها الطبقة العاملة والفلاحون. ويعتبر التنظيم السياسي الثوري أداة للصراع الأيديولوجي والسياسي ضد أعداء الطبقة العاملة من بورجوازيين وتحريفيين انتهازيين وإصلاحيين، كما يعتبر ميدانا لهذا الصراع بين المناضلين الثوريين المنتمين له.
ويتم باستمرار تطوير الخط الأيديولوجي خلال أطوار الصراعات الطبقية في مختلف مراحلها التي يجب أن ينخرط فيها جميع مناضلي التنظيم السياسي الثوري، ومواكبة تطورات الحركة الاجتماعية التي تخضع فيها صراعات الطبقات الاجتماعية المتناقضة لقوانين التطور الطبيعي والاجتماعي (التناقضات في ظل الوحدة، النفي ونفي النفي، الكم والكيف). والتنظيم السياسي الثوري وفق النظرية الماركسية اللينينية يخضع لقوانين العلاقة الجدلية بين السرية والعلنية، من خلال العلاقة بين انتماء المناضلين الماركسيين اللينينيين إلى المنظمة الثورية (الثوريون المحترفون) وعملهم داخل المنظمات الجماهيرية وشبه الجماهيرية (المنظمات النقابية العمالية والفلاحية أساسا).
إن تفاعل العلاقة بين العمل السري والعلني أثناء الصراعات الطبقية يساهم بشكل كبير في فرز الطليعة الثورية للبروليتاريا /القيادة التاريخية للحزب الماركسي ـ اللينيني، على اعتبار أن هذا الفرز يشكل المهمة المركزية في بناء المنظمة الثورية في أفق بناء الحزب الثوري، مما يتطلب تمحيص وتدقيق الخط الأيديولوجي الثوري للثوريين المحترفين المغاربة في إطاره العام (النظرية الماركسية اللينينية والتجارب الثورية العالمية) في علاقته بالإطار الخاص (الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" والتجارب الثورية الوطنية). وقد حدد الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" (الخ ث لم إ م) الإطار العام للخط الأيديولوجي الثوري للحركة الماركسية اللينينية المغربية في أفق تحقيق الهدف الاستراتيجي للبناء التنظيمي الثوري للبروليتاريا، في العلاقة بين الاستراتيجية الثورية واستراتيجية بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، وذلك عبر وضع أسس طريق الثورة المغربية من خلال تجاوز منظور "الانطلاقة الثورية" إلى مستوى أعلى من التنظيم الثوري وهو "الاستراتيجية الثورية".
ونظرا لعدم تحقيق الهدف الاستراتيجي لمنظمة "إلى الأمام" وهو بناء الحزب الماركسي اللينيني المغربي نتيجة عدة أسباب ذاتية وموضوعية لا مجال هنا لذكرها، فإن الحركة الماركسية اللينينية المغربية اليوم تعرف عدة خطوط أيديولوجية متناقضة من ثورية، تحريفية انتهازية، فوضوية، شعبوية ... مما يحول دون إمكانية تحقيق وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة في منظمة ثورية واحدة. ويشكل الخ ث لم إ م في هذه الحركة أساس الخط الأيديولوجي الثوري لبناء المنظمة الثورية المغربية. ويبقى الصراع الأيديولوجي والسياسي قائما بين مختلف الخطوط في فضاء الحركة الماركسية اللينينية المغربية على شكل تيارات ومجموعات ومناضلين ثوريين، وعلى جميع المناضلين الثوريين المنتمين للخ ث لم إ م الانخراط في هذا الصراع للمساهمة في فرز ثوريين محترفين جدد يساهمون في بناء المنظمة الماركسية ـ اللينينية الثورية المغربية.
إن الانتقال من مستوى فضاء الحركة الماركسية اللينيننة المغربية إلى مستوى أعلى من البناء التنظيمي الثوري وفق النظرية الماركسية اللينينية لمنظمة الثوريين المحترفين، يتطلب الوضوح الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي لمناضلي الخ ث لم إ م وباقي الماركسيين اللينينيين المغاربة، ذلك ما لا يمكن تحقيقه إلا عبر الجواب الدقيق لكل مناضل ماركسي لينيني وبشكل فردي على سؤال المرحلة: من نحن، ماذا نريد وما العمل؟
إن بناء المنظمة الثورية للثوريين المحترفين يستوجب الممارسة العملية الثورية اليومية وفق العلاقة بين "الأمن"/وضع أمن المناضلين الثوريين فوق كل اعتبار، و"السرية"/أثناء عملهم الثوري الذي يتطلب السرية التامة، هذه الثنائية في العمل الثوري يجب أن تطبع علاقات المناضلين الماركسيين اللينينيين المنتمين إلى الخ ث لم إ م فيما بينهم أثناء عملهم اليومي.
إن شراسة النظام الكومبرادوري وقدراته الاستخباراتية العالية المدعومة من طرف الأجهزة الاستخباراتية الإمبريالية العالمية (أمريكا، فرنسا، العدو الصهيوني) والتجارب الدموية التي واجه بها منظمة "إلى الأمام" في مهد تأسيسها، يحتم على جميع مناضلي الخ ث لم إ م أن يكونوا حرصين أشد الحرص على مضمون العمل الثوري السري وفق المنظور الماركسي اللينيني للمنظمة الثورية للثوريين المحترفين.
لهذا لا بد لنا من بناء تصور أيديولوجي لعملنا الثوري يتماشى والصرامة التنظيمية والانضباط التنظيمي الحديدي الذي تتطلبه مرحلة البناء التنظيمي الثوري.

الأسس المادية التاريخية للخط الأيديولوجي الثوري

يرتكز مناضلو الح ث لم إ م في منطلقاتهم الأيديولوجية على النظرية الماركسية اللينينية للتنظيم السياسي الثوري انطلاقا من دور منظمة الثوريين المحترفين في تنظيم عملهم في أوساط الطبقات الاستراتيجية في الثورة وعلى رأسها الطبقة العاملة، من أجل تطوير الوعي السياسي الطبقي لديها كمهمة مركزية في أي عمل ثوري عبر حمل هذا الوعي من خارج الطبقة، عبر ربط نضالات الطبقة العاملة بباقي نضالات الطبقات والفئات الشعبية المضطهدة أي من خارج النضال الاقتصادي. إن مهمة حمل المعرفة السياسية للطبقة البروليتارية لا يمكن أن يتم إلا عبر العلاقات الواسعة للطبقة العاملة مع باقي الطبقات والفئات عبر النضال ضد الحكومة والدولة معا، في العلاقة بين جميع الطبقات والفئات، إذ لا يمكن التوجه إلى الطبقة العاملة في الوقت الذي يتم فيه إغفال جميع مظاهر الاضطهاد الطبقي الذي تمارسه الدولة على عموم السكان. ولا تقف مهمة المنظمة الثورية عند هذا الحد بل تتعداه إلى إيجاد الشروط المادية لفرز الطليعة الثورية البروليتارية الكفيلة بقيادة الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، على طريق الثورة من أجل تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية وفق الاستراتيجية الثورية التي وضعها الخ ث لم إ م انسجاما مع شروط الحياة المادية للحركة الثورية المغربية وتطورها.
ولن يتم فرز الطليعة الثورية إلا بتغلغل أيديولوجيا الخ ث لم إ م في أوساط الجماهير الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحون مما يتطلب من الثوريين المحترفين الانغراس في أوساط هاتين الطبقتين الاستراتيجيتين في الثورة، عبر قيادة نضالاتها الثورية ضد الحكومة والدولة من أجل فرز القيادة الثورية البروليتارية التي تقود استراتيجية البناء الحزبي في علاقته بالاستراتيجية الثورية.
ويشكل الأساس الاقتصادي في النظرية الماركسية اللينينية/مكونات البنية المادية لتطور الأنظمة الاجتماعية الذي يتم بداخله الصراع بين القوى المنتجة (وسائل الإنتاج المادية والثقافية والناس المنتجون) وعلاقات الإنتاج (الأسس الأيديولوجية والسياسية والقوانين التي تضعها الطبقات المسيطرة على الدولة) أرضية العمل الثوري التي يجب فهمها واستيعابها، ويدخل في تحديد الأساس الاقتصادي للنظام الاجتماعي جميع مظاهر الحركة الاجتماعية المادية والثقافية لمجمل الطبقات والفئات المتصارعة خلال عملية الإنتاج، أي جميع الطبقات والفئات التي توجد في صلب الصراعات الطبقية بين الطبقات المنتجة والطبقات المسيطرة على وسائل الإنتاج. ففي المجتمعات الرأسمالية تكونت طبقتان أساسيتان، الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها وهي طبقة ثورية والطبقة البورجوازية التي تستغل قوة عمل البروليتاريا وهي طبقة رجعية، أما باقي الطبقات والفئات (أشباه البروليتاريا، الفلاحون المتوسطون والصغار والفقراء، التجار المتوسطون والصغار والكادحون/الفراشة، الحرفيون، التقنيون، المهندسون، الأطباء، المحامون، الأساتذة، الطلبة، المعطلون ...) أي الطبقة الوسطى وعلى رأسها البورجوازية الصغيرة المثقفة، فهي تتدحرج بين أيديولوجيتي هاتين الطبقتين المتصارعتين حول السلطة رغم أن فئات الطبقة الوسطى تشارك في عملية الإنتاج بشكل من الأشكال أو توجد خارج عملية الإنتاج وتتعرض لاستغلال الطبقة البورجوازية.
لقد حددت المادية التاريخية أن الطبقة العاملة والبورجوازية هما الطبقتان اللتان تشكلان أساس الصراعات الطبقية في النظام الرأسمالي، لهذا أكد ماركس على أهمية البروليتاريا في الصراعات الطبقية باعتبارها طبقة ثورية حاسمة في إسقاط الرأسمالية وبناء المجتمعات الاشتراكية. وأكد لينين على أهمية الحزب الثوري في تحقيق انتصار البروليتاريا على البورجوازية في عصر الرأسمالية الحديثة/الإمبريالية التي سماها "أعلى مراحل الرأسمالية" و"عشية الثورات الاشتراكية".
وحدد لينين أسس الإمبريالية فيما يلي :
ـ سيطرة الرأسمال المالي على الرأسمال التجاري والصناعي في السوق التجارية العالمية.
ـ سيطرة الاحتكارية على المزاحمة الحرة في عملية الإنتاج عالميا.
ـ ظهور الدولة الاحتكارية تعبيرا عن تطور أعلى للاحتكارية في عصر الإمبريالية.
ـ الاستعمار والحرب ميزتان أساسيتان تلازمان سيطرة الإمبريالية عالميا.
لهذا دعا لينين إلى بناء الأنظمة الاشتراكية عبر قيادة الثورات الديمقراطية البروليتارية في البلدان التي تحكمها دول امبريالية وتحرير البلدان المضطهدة التي تستعمرها هذه الدول، كما دعا إلى الثورات الديمقراطية البورجوازية في البلدان المضطهدة تقودها البروليتاريا في أفق بناء مجتمعات اشتراكية في ظل الديمقراطية البروليتارية.
وقد علمنا لينين أن شراسة البورجوازية عندما تفتقد سيطرتها على وسائل الإنتاج تكون أشد قتالية كما علمته الحرب الأهلية التي تحالفت فيها الإمبريالية العالمية والبورجوازية الروسية والملاكون العقاريون/الكولاك لإسقاط الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا، ولم تنتصر البروليتاريا على البورجوازية إلا بالتحالف الحربي مع الفلاحين والذي تطور إلى التحالف الاقتصادي لبناء المجتمع الاشتراكي. وهكذا أكد لينين على دور التحالف الطبقي بين الطبقة العاملة والفلاحين في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
وأكد لينين على أهمية الدفاع عن الوطن الاشتراكي حيث أن "الثورة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ليست بثورة"، فالعنف الثوري عامل مركزي في بناء المجتمعات الاشتراكية عبر القضاء على عنف الطبقة البورجوازية، فديكتاتورية البورجوازية لا يمكن إسقاطها إلا بديكتاتورية البروليتاريا كما أن الثورة الديمقراطية البورجوازية لا يمكن تجاوزها إلا بالثورة الديمقراطية البروليتارية.
وأكد لينين على الدور الطبقي للدولة الذي وضع ماركس وإنجلس أسسه الطبقية باعتبار الدولة "أداة قهر الطبقات المسيطرة للطبقات المضطهدة"، أي قهر الطبقة العاملة والطبقات الوسطى من طرف البورجوازية في المجتمعات الرأسمالية، لهذا فالدولة في ظل الديمقراطية البورجوازية لا يمكن أن تسمح إلا باضطهاد هذه الطبقات من طرف الطبقة البورجوازية المسيطرة على وسائل الإنتاج المادية والثقافية. وتعتبر الديمقراطية البروليتارية الوسيلة الكفيلة لحل التناقضات بين البروليتاريا والبورجوازية لصالح الطبقات المضطهدة عبر سيطرة البروليتاريا على السلطة وتجاوز نتائج الثورة الديمقراطية البورجوازية بالشروع في البناء الاشتراكي، وذلك بالانتقال من مستوى الثورة الديمقراطية البورجوازية إلى مستوى أعلى أي الثورة الديمقراطية البروليتارية.
وأكد لينين على أهمية العمل السياسي السري في المنظمة الثورية للثوريين المحترفين في كتابه ما العمل؟ الذي وضع فيه أسس بناء المنظمة الماركسية ـ اللينينية، معتمدا في ذلك على دراسة التناقض بين العفوية التي تطبع نضالات الطبقة العاملة والوعي الذي يجب أن يتجسد أكثر فأكثر في عمل الثوريين المحترفين كلما ارتفع نهوض الجماهير العفوي، واعتبر صفة العفوية التي تطبع نضالات الجماهير العمالية المرحلة الجنينية للوعي، معتبرا أن المنظمة الثورية هي أرقى مظاهر الوعي والكفيلة بنقل الوعي السياسي الطبقي إلى الطبقة العاملة.
وواجه لينين الاقتصاديين الذين يدعون إمكانية نقل المعرفة السياسية للطبقة العاملة عبر النضال الاقتصادي، معتبرين أن النضال الاقتصادي وسيلة أساسية لجذب الجماهير الشعبية إلى العمل السياسي عبر التحريض الاقتصادي الذي يتبعه التحريض السياسي، وهم يجهلون أن جميع مظاهر الاضطهاد البوليسي الذي تمارسه أجهزة الدولة ضد الجماهير الشعبية غير المرتبط ارتباطا مباشرا بالنضال الاقتصادي أساسية في جذب الجماهير إلى العمل السياسي.
ولخص نقده للاقتصاديين في: "والواقع أن عبارة "إضفاء الطابع السياسي على النضال الاقتصادي نفسه" خالية من كل شيء عدا النضال في سبيل الإصلاحية". ما العمل؟
إن النضال الثوري يتضمن دائما المطالب الإصلاحية عبر استعمال التحريض الاقتصادي لكن ليس فقط من أجل الإصلاحات ولكن لمطالبة الحكومة أولا وقبل كل شيء ب"أن تكف عن أن تكون حكومة استبدادية"، والنضال السياسي ضد جميع مستويات مظاهر الاضطهاد الذي تمارسه الدولة على الجماهير الشعبية إلى جانب النضال الثوري من أجل الحرية والاشتراكية. فالطبقة العاملة لا يمكنها أن تكون "واعية لذاتها" إذا لم تستطع التعبير عن المظاهر الاجتماعية لباقي الطبقات والفئات المضطهدة، بشكل علمي مادي حيث وعيها بنفسها لا يتم بمعزل عن معرفتها بواقع جميع الطبقات والفئات المضطهدة، فتوجيه الطبقة إلى "وعيها بذاتها" لا يمكن أن يجعل منها الطبقة الثورية القادرة على الاستقلال الأيديولوجي والسياسي عن باقي الطبقات الاجتماعية.
وأكد لينين على بناء منظمة الثوريين المحترفين تكون مهمتها المركزية اليومية تنظيم العمل السياسي للثوريين المحترفين هدفه نقل المعرفة السياسية إلى الطبقة العاملة، فلا يكفي اندفاع الشباب الثوري لبلورة الوعي السياسي الطبقي لدى الطبقة العاملة في الوقت الذي يفتقدون فيه لأيديولوجيا ثورية تنير طريقهم نحو الثورة. فدرس لينين واقع الحركة الثورية بروسيا في أواخر القرن 19 واكتشف ما يلي:
ـ وجود مجموعات شبابية ثورية شغوفة بمعرفة الماركسية تتوجه إلى الطبقة العاملة.
ـ عدم وضوح التصور الأيديولوجي لدى هذه المجموعات الشبابية الثورية.
ـ سهولة اختراق هذه المجموعات من طرف البوليس السياسي لضرب أنويتها التنظيمية وتفكيك مجموعاتها.
ـ انتشار الأفكار التحريفية والفوضوية والشعبوية في صفوف الحركة العمالية الروسية مما يعرض الحركات الشبيبية الثورية للخطر.
وأكد لينين أن "نمو حركة العمال يسبق نمو المنظمات الثورية وتطورها" حيث يكون الثوريون العاملون في أوساط الطبقة العاملة أقلية غير قادرة على استيعاب نضالات العمال المضطربة، وحدد عمل المنظمة الثورية للثوريين المحترفين وسط الطبقة العاملة فيما يلي:
ـ ضرورة وجود وسائل التحريض السياسي في أوساط الجماهير الشعبية وعلى رأسهم الجماهير العمالية، وأساسها الجرائد والمناشير والنشرات والمطبوعات السرية مما يتطلب الدعم المالي.
ـ الابتعاد عن العمل الحرفي الضيق والعمل الاقتصادي باعتبارهما منافيان للمنظور الماركسي الثوري.
ـ النضال الثوري أبعد بكثير من النضال الاقتصادي ضد الباطرونا والحكومة مما يطرح أهمية المنظمة الثورية في بلورة النضال الثوري ضد الدولة.
ـ منظمة الثوريين المحترفين يكون عملها سريا وتضم بداخلها أناسا مهمتهم المركزية النضال الثوري عكس منظمة العمال المهنية الواسعة للجماهير.
ـ ضرورة محو كل الفروق بين أعضاء المنظمة الثورية بسبب مهنهم أو ثقافتهم بين العمال والمثقفين.
ـ ضرورة الاستفادة من المناضلين الأكفاء الذين تفرزهم الحركة العمالية.
ـ أهمية المركزية الديمقراطية، النقد والنقد الذاتي في عمل المنظمة الثورية.
لهذا فإن أي عمل ثوري في أوساط الجماهير الشعبية وعلى رأسها الجماهير العمالية يتطلب التنظيم داخل منظمة ثورية للثوريين المحترفين.

موقع التجارب الثورية العالمية في بناء الخط الأيديولوجي

تعتبر التجارب الثورية العالمية أهم روافد الخط الأيديولوجي الثوري الذي تستمد منها المنظمة الثورية للثوريين المحترفين أسس عملها الثوري، حيث نضالاتها الثورية مرتبطة بنضالات الحركة العمالية الثورية العالمية، إذ يعتبر النضال الثوري ضد الإمبريالية أهم منطلقاتها الثورية إذ تشكل وحدة الطبقة العاملة التي نادى بها ماركس إحدى المهام المركزية للحركة العمالية الثورية العالمية، ويشكل الخط الثوري للحركة العمالية المغربية إحدى روافدها المهمة حيث يعتبر المغرب مستهدفا في الاستراتيجية الإمبريالية الاستعمارية، نظرا لموقعه الجيوسياسي والاستراتيحي في الثورة المضادة للثورات في الغرب الأفريقي ومجمل القارة الأفريقية والشرق العربي، ويعتبر ضرب الحركة العمالية الثورية المغربية من بين المهام التي تضعها الأجهزة الاستخباراتية الإمبريالية في أولوياتها لما يشكله الحفاظ على النظام الكومبرادوري بالمغرب من أهمية في الاستراتيجية الاستعمارية للامبريالية وأساسا الأمريكية والفرنسية.
لهذا فإن النضالات الثورة للمنظمة الثورية المغربية مرتبط أشد ارتباط بالنضالات الثورية العالمية ضد الإمبريالية، مما يجعل خطها الأيديولوجي الثوري متعلق بالتجارب الثورية العالمية وعلى رأسها التجربتين الروسية والصينية.

التجربة الثورية البلشفية

تعتبر الثورة البلشفية إحدى أسس الخط الأيديولوجي للمنظمة الثورية المغربية لما لها من تأثير كبير على بناء طريق الثورة في البلدان التي تحكما أنظمة إمبريالية، فهي أول ثورة اشتراكية أسقطت أوهام الإمبريالية وزعزعت أركانها في مرحلة تاريخية كان يتم فيها حسم الصراع بين الإمبرياليات حول تقسيم العمل عالميا خلال الحرب الإمبريالية العالمية الأولى. ولم يكن تحقيق سيطرة البروليتاريا على السلطة في دولة ديكتاتورية البروليتاريا، دولة السوفييتات، دولة العمال والفلاحين والجنود الثوريين، سهلا، إنما تم ذلك بإراقة الدماء وبتضحيات الطبقات المضطهدة في حربها ضد البورجوازية وبقيادة البروليتاريا الواعية. ولم يسلم الوطن الاشتراكي من هجوم الإمبريالية وحلفائها البورجوازيين والبورجوازيين الصغار من أجل إجهاض الثورة الاشتراكية وإعادة الرأسمالية إلى روسيا، فخلال الحرب الإمبريالية العالمية الأولى والحرب الأهلية تعلم لينين الكثير حول مسألة البناء الاشتراكي الذي وضع أسسه المادية عبر مسألتين أساسيتين:
ـ ضرورة التحالف الحربي بين البروليتاريا والفلاحين ضد تحالف البورجوازية والملاكين العقاريين الكبار/الكولاك من أجل الانتصار في الحرب.
ـ ضرورة التحالف الاقتصادي بين البروليتاريا والفلاحين في مرحلة البناء الاشتراكي قي دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
إن هاتين المسألتين تشكلان الأساس المادي التاريخي لنظرية البناء الاشتراكي في الوطن الاشتراكي حيث لا يمكن بناء الاشتراكية دون القدرة على الدفاع عن الثورة الاشتراكية ضد الأعداء الطبقيين عالميا ومحليا.
وتشكل الثورة الاشتراكية في البلدان الرأسمالية الهدف المركزي للاستراتيجية الثورية للبروليتاريا من أجل إسقاط الأنظمة الإمبريالية وتحرير الشعوب التي تضطهدها، سواء شعوب البلدان الرأسمالية أو شعوب البلدان التي تحكمها دول كومبرادورية ومن بينها المغرب.
وتعتبر وحدة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية إحدى الأسس المادية لانتصار البروليتاريا على البورجوازية وبناء دول ديكتاتورية البروليتاريا بها.
إن أعداء البروليتاريا في الدول الديمقراطية البورجوازية يعملون على عرقلة وحدة الطبقة العاملة عبر:
ـ نهج سياسات طبقية لاستغلال قوة عمل الطبقة العاملة وسيادة القمع البوليسي ضد الحركة الثورية واضطهاد الشعوب.
ـ دعم الأروستقراطية العمالية والأحزاب التحريفية والإصلاحية داخل الحركة العمالية ضد البروليتاريا وأحزابها الثورية.
إن تطور الرأسمالية الحديثة/الإمبريالية من احتكارية الشركات الإمبريالية إلى احتكارية الدول الإمبريالية عبر الانتقال من اتحادات الرأسماليين الاقتصادية إلى اتحاداتهم السياسية، يتطلب وحدة الطبقة العاملة عالميا لمواجهة السيطرة الاستعمارية لاتحادات السياسيين الإمبريالية واتحادات الأروستقراطية العمالية في أحزابها التحريفية والإصلاحية عالميا، ويشكل هذا النضال الثنائي للنضال الثوري للحركة العمالية الثورية العالمية الأساس المادي للصراع الطبقي بين الرأسمالية والاشتراكية. وقد وضعت الثورة البلشفية أسس النضال الطبقي الاشتراكي ضد الرأسمالية الإمبريالية عبر ممارسة العنف الثوري لتحالف البروليتاريا والفلاحين في مواجهة عنف تحالف البورجوازية والملاكين العقاريين عبر ديكتاتورية البروليتاريا ضد ديكتاتورية البورجوازية. ولن تستقيم طريق الثورة خارج هذه المعادلة المعقدة والمحددة لتطور الصراعات الطبقيات.
ويشكل الحزب الماركسي ـ اللينيني التنظيم السياسي الوحيد القادر على تحقيق هذه المهام الثورية والذي وضعت الماركسية اللينينية أسسه المادية والنظرية، من خلال التجربة الثورية بروسيا (الثورة الديمقراطية البورجوازية 1905/1907 وفبراير/مارس 1917 والثورة الديمقراطية البروليتارية في أكتوبر 1917) ودور البروليتاريا فيهما. لقد تعلم البلاشفة من هزيمة الثورة الديمقراطية البورجوازية الأولى كيفية التراجع الصحيح من أجل بناء الهجوم الصحيح، وكان الحزب البلشفي الحزب الوحيد الذي استطاع رص صفوفه وإعادة بناء قوته من منطلقات ثورية جديدة، بينما باقي الأحزاب البورجوازية الصغيرة التحريفية والإصلاحية غرقت في الرجعية على طول الخط، مما أهله إلى قيادة الثورة الديمقراطية البروليتارية في أكتوبر 1917.
إن الحزب الثوري هو الذي يتعلم في زمن الأزمة أكثر مما يتعلمه خلال أيام الرخاء وذلك عبر استراتيجية التراجع الصحيح واستراتيجية الهجوم الصحيح، ولما يقرر إشهار سلاحه فليس تمة فرصة للتراجع بعد ذلك ولو في ظل تحقيق انتصارات قليلة الأهمية يتم الحفاظ على مكتسباتها.
وقام ستالين بتطوير دور الحزب البلشفي خلال مرحلة البناء الاشتراكي وأعطاه بعدا أدق وأشمل انطلاقا من المبادئ الأساسية للحزب الثوري التي وضعها لينين بوضعه لعلم قيادة البروليتاريا إلى السيطرة على السلطة في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا، واستطاع ستالين بلورة مفهومي علم التكتيك والاستراتيجية لدى لينين في قيادته للحرب ضد النازية والفاشية اللتين سحقهما خلال أطوار الحرب الإمبريالية العالمية الثانية، ولم يتم ذلك إلا بفضل قيادة الحزب الماركسي ـ اللينيني الذي يتسم عمله بالانضباط الحديدي والطاعة الثورية للمناضلين الثوريين المحترفين.
ولعب الحزب البلشفي دورا هاما في إعادة بناء ما دمرته الحرب الإمبريالية على دولة ديكتاتورية البروليتاريا واستطاع ستالين بفضله توحيد شعوب وقوميات الاتحاد السوفيييتي في ظل نظام اشتراكي إمتد إلى شرق أوربا، وأسس سوق تجارية اشتراكية عالمية مناقضة للسوق التجارية الإمبريالية العالمية.

وهكذا أصبحت الثورة البلشفية رمزا من رموز التجارب الثورية العالمية الناجحة التي لها دور كبير في بناء النظرية الثورية : الماركسية اللينينية، التي تعتبر أساس الممارسة العملية للاستراتيجية الثورية في علاقتها باستراتيجية بناء الحزب الثوري : الحزب الماركسي ـ اللينيني، والتي تعتبر فيها الماركسية اللينينية أساس كل أيديولوجية ثورية للمنظمات الثورية للثوريين المحترفين في طريق بناء الحزب الثوري في علاقتها بطريق الثورة.

التجربة الثورية الصينية والفيتنامية

تأتي التجربتين الصينية والفيتنامية ضمن بلورة مفهوم حرب العصابات التي أسسها قائد الثورة الريفية في علاقتها ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية، عبر المقاومة المسلحة للإمبريالية :

1 ـ تجربة الحزب الشيوعي الصيني في علاقتها بالحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية، والحرب الوطنية الثورية ضد النظام الكومبرادوري بالصين من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية في طريق بناء المجتمع الاشتراكي بقيادة البروليتاريا.

2 ـ بناء الحزب الشيوعي الفيتنامي بالأدغال والغابات خلال قيادة الحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية اليابانية، الفرنسية والأمريكية التي استمرت 30 سنة، انتصر فيها الحزب الشيوعي في عشية سقوط التجربة الاشتراكية بالصين.
ذلك ما يتطلب دراسة هاتين الثورتين في علاقتهما بالاستراتيجية الإمبريالية الجديدة.

التجارب الوطنية الثورية ضد الاستعمار القديم والجديد

تعتبر الثورات الوطنية ضد الاستعمار القديم من بين التجارب الثورية التي تلعب دورا هما في بناء منظمة ثورية مغربية، نظرا لما للعوامل الجيوـ ستراتيجية، السوسيوـ ستراتيجية والسوسيوـ ثقافية من مكانة في استراتيجية الثورة المغربية في علاقتها باستراتيجية بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، وكان لمقاومة الاستعمار القديم سواء في مرحلته الأولى أو الأخيرة (1912 ـ 1956) دور هام في بروز الاتجاهات الثورية الوطنية من صلب التجارب الوطنية للثورات الشعبية ضد الاستعمار القديم (ثورة الهبة بالجنوب، ثورات الأطلس، ثورة محند بن عبد الكريم الخطابي)، ومقاومة الاستعمار الجديد الانتفاضات الشعبية (الريف، الأطلس، الجنوب) والتي قادتها الطبقة العاملة والفلاحون والبورجوزية الصغرى الثورية من داخل حركة التحرر الوطني وامتداداتها ضد استبداد الدولة الكومبرادورية (1965، 1981، 1984، 1990 وخلال السنوات الأخيرة).

الثورات والانتفاضات الوطنية الثورية

تشكل ثورة أحمد الهبة بالجنوب (1912 ـ 1913) بقيادة الفلاحين ضد الاستعمار القديم من الصحراء الغربية إلى مراكش التجربة الثورية الأولى التي انبثقت من الوعي القومي الثوري، وكان للوعي القبلي ضد الوعي القومي دور هام في إفشال مهمتها الثورية حيث انقسام القبائل الجنوبية إلى ضدين متناقضين متناحرين (تحكانت وتكوزولت)، مما سهل على الاستعمار القديم دحر جيوش الفلاحين بمراكش وتنصيب الكلاوي الخائن قائدا عميلا للاستعمار القديم على الجنوب، والذي عمل على إخضاع جميع القبائل الجنوبية بالقوة العسكرية الشيء الذي فتح الباب أمام عمق دور الوعي القبلي ضد الوعي القومي الثوري، واستمرارية الحرب الوطنية الثورية بالصحراء الغربية ضد الحرب الإمبريالية والرجعية وتداعياتها على الثورة بالغرب الإفريقي.

وتشكل ثورة محند بن عبد الكريم الخطابي (1919 ـ 1926) ضد الاستعمار القديم الثورة الثانية والتي تعتبر أرقى من ثورة الجنوب، بلورت الوعي القومي الثوري في المقاومة بالريف متجاوزة بذلك الوعي القبلي بعد توحيد القبائل الريفية ضد الاستعمار القديم، مما ساهم في قدرتها على بناء أسس الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية ووضع أسس الحروب الوطنية الثورية ضد الحروب الإمبريالية في القرن 20، مما أزعج الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية اللتان تحالفتا للقضاء عليها بالقوة العسكرية المدمرة.

ولم يتم القضاء على الدولة الوطنية الديمقراطية بالريف إلا بالتحالف العسكري بين الإمبرياليتين اللتان وجدتا في قيامها بشمال المغرب خطرا على مشروعهما الاستعماري الإمبريالي في شمال أفريقيا.

حدث ذلك في بداية البناء الاشتراكي بروسيا بعد خروج ديكتاتورية البروليتاريا من الحرب الأهلية منتصرة، ولم تبلغ الثورة الريفية حد بناء تحالف ثوري عالمي مع الثورة الروسية ضد الإمبريالية مكتفية باستغلال التناقضات بين الإمبرياليتين الألمانية والفرنسية لفتح أبواب السوق التجارية العالمية على اقتصادها والحصول على الأسلحة. وقد ساهم القضاء على ثورة الجنوب وبناء تحالف الاستعمار والإقطاع مع القائد الكلاوي لحماية دولة الكومبرادور في القضاء على الثورة الريفية، وبالتالي القضاء على جميع أشكال انتفاضات الفلاحين في الأطلس والجنوب والجنوب الشرقي التي استمرت إلى حدود 1934.

وتم القضاء على هاتين الثورتين الوطنيتين بسهولة من طرف الإمبريالية المسلحة بأيديولوجيا رأسمالية ذات البعد الاستعماري العالمي عكس أيديولوجيتهما المرتكزة على البعدين القبلي والقومي، وسيطر الاستعمار القديم على بلاد المغرب وعمل على استغلال ثرواته ونشر ثقافته التبعية المرتكزة على أيديولوجيا البورجوازية المتفوقة على القبلية والقومية، وقام ببناء دولة كومبرادورية حديثة تعتمد في أيديولوجيتها على التبعية الرأسمالية الاقتصادية في مضمونها وعلى القومية (العروبة والإسلام) في شكلها، والتي عملت على محاربة الوعي القومي الثوري وإنعاش الوعي القبلي في صفوف الجماهير الشعبية واستغلاله في القضاء على جميع المظاهر الثورية خلال الاستعمار الجديد.
وتغلغلت الأيديولوجيا الإمبريالية بعد بناء دولة كومبرادورية رجعية تستمد أسسها التاريخية من أصول غارقة في الرجعية تمتد إلى قرون من قهر الشعب المغربي باسم الوصاية على الدين وتقديس "السلطان" المنحدر من أصول عربية اسلامية، في مجتمع يسود فيه نمط انتاج ما قبل ـ الرأسمالية وعلاقات إنتاج ما قبل ـ طبقية (القبلية، العائلية، الدين) وسيادة الوعي القومي في أحسن الأحوال (العروبة والإسلام).
وفي ظل الاستعمار القديم نما الوعي القومي لدى جماهير العمال والفلاحين خلال المرحلة الثانية من الثورة المغربية (1934 ـ 1956) حيث تشكلت الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الوطنية والحزب الشيوعي المغربي والنقابات العمالية، والتي وصلت إلى أعلى مستوياتها بعد تأسيس جيش التحرير بالبوادي والمقاومة المسلحة بالمدن بتحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين والبورجوازية الصغيرة الثورية وعلى رأسها القيادات الحزبية والنقابية البورجوازية الصغيرة المثقفة التي قادت الحركة الوطنية الثورية ضد الاستعمار القديم، لكن افتقادها لأيديولوجيا ثورية مناقضة للأيديولوجيا البورجوازية جعل عملها الثوري يحكمه الوعي القومي المنسجم مع شكل الأيديولوجيا الكومبرادورية (العروبة والإسلام)، ووقعت في فخ الاستعمار الجديد بعد مؤامرة 1956، باعترافها بسلطة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار في دولة كومبرادورية وراثية غارقة في الرجعية.
وساهم الوعي القومي للحركة الوطنية بقيادة حزب الاستقلال الذي ينسجم وأيديولوجيا دولة الكومبرادور في إفشال الثورة الثانية ضد الاستعمار القديم، بعد القضاء على جيش التحرير والمقاومة الوطنية المسلحة وبناء الجيش والبوليس للدفاع عن دولة الكومبرادور وحماية مصالح الإمبريالية.
وهيمنة حزب الاستقلال على الحركة العمالية بعد فشل الحزب الشيوعي المغربي على بلورة أيديولوجيا البروليتاريا في صفوف الطبقة العاملة المغربية، مما حال دون نمو الوعي السياسي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية، ولم تستطع التناقضات السياسية داخل حزب الاستقلال فرز حركة ثورية يسارية نظرا لفقدان قياداتها للوعي السياسي الطبقي حيث لم يستطع حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انشق عن حزب الاستقلال بلورة أيديولوجيا ثورية خارج نطاق الدولة الكومبرادورية، مما ساهم في تعميق التناقضات السياسية والأيديولوجية داخل حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والتحرر والاشتراكية/الحزب الشيوعي المغربي إلى حدود 1970 بعد نشأة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

التجربة الثورية لمنظمة "إلى الأمام"

نقد ورقة "المرحلوية أو النيومنشفية - إشارات حول أحد المظاهر الأساسية للفكر اليميني في الحركة الماركسية - اللينينية المغربية" المنشورة بموقع 30 غشت.

نشأت الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وعلى رأسها منظمة "إلى الأمام" في خضم الصراعات الطبقية حول السلطة في ظل استبداد دولة الكومبرادور بالسلطة وقمع الانتفاضات والحركات الاحتجاجية للطبقة العاملة والفلاحين، التي كان يقودها "اليسار" خلال سنوات الستينات وعلى رأسه الشبيبة الثورية الطلابية والتلاميدية والقيادات الثورية البلانكية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وجناحها العسكري والضباط الثوريين في صفوف الجيش، كل هذه الانتفاضات والانقلابات العسكرية تم القضاء عليها لكونها تفتقد للأيديولوجيا الثورية والاستراتيجية لبناء الطريق الثوري.
واستطاعت المنظمة بعد سنة من التجربة الثورية أن تحدد الخط الثوري الجديد لمواجهة السياسات الاستعمارية الجديدة، بعد نقد مفهوم "الانطلاقة الثورية" التي ترتكز على الانتفاضات الشعبية لبناء طريق الثورة المغربية واكتشاف مفهوم "الاستراتيجية الثورية" المرتكز على مفهوم "الحرب الشعبية" كطريق جديد للثورة ضد دولة الكومبرادور. وكان للأساس الأيديولوجي الثوري للمنظمة المرتكز على الجمع بين الانتفاضة في التجربة الثورية الروسية وحرب التحرير الشعبية في التجربة الصينية دور كبير في صمود المنظمة واستمراريتها رغم القمع وتشويش التحريفية والإصلاحية.
ويعتبر الاستقلال الأيديولوجي للمنظمة عن الحزبين السوفييتي التحريفي والصيني الثوري ماديا ومعنويا أساس القوة الثورية للح ث لم إ م التي تميز المنظمة، مما دفع أجهزة البوليس السياسي إلى استعمال جميع أشكال الاختراق للوصول إلى قياداتها وتدمير كيانها التنظيمي وتفكيكها، بعد اعتقال قياداتها وتعذيبهم في مخافر الشرطة السياسية حتى اغتيال قائدها الشهيد عبد اللطيف زروال في 1974، واستشهاد الشهيدة سعيدة المنبهي بعد اضراب طويل عن الطعام في 1977.

اختزل أصحاب هذه الورقة نظرية لينين حول الديالكتيك في جملة بسيطة أشار إليلها ماو في كتابة "في التناقض"، منطلقين في التحليل الديالكتيكي للصراعات الطبقية بالمغرب في منتصف السبعينات من القرن 20 من أجل بناء الطريق الثوري للثورة المغربية، متناولين نقدهم لتصور قيادة منظمة 23 مارس (أشار مترجم هذه الورقة إلى كتاب لينين "حول الديالكتيك" كمصدر لتلك الجملة)، التي اعتمدها أصحاب الورقة من أجل الوصول إلى الإقرار بأن ماو تسي تونغ قد طور الديالكتيك الماركسي دون أن يبينوا لنا أين تم ذلك، وبالرجوع إلى منظور لينين حول جوهر الديالكتيك يتبن أنهم لم يطلعوا على ذلك العمل البالغ الدقة في تطوير المعرفة الماركسية الذي يقول عنه :"إن ازدواج ما هو واحد ومعرفة جزأيه المتناقضين يشكلان جوهر الديالكتيك (أحد "جواهره"، إحدى خصائصه أو إحدى ميزاته الرئيسية، إن لم تكن خاصية الرئيسية).

وأراد بذلك المنطلق البسيط لمفهوم الديالكتيك عند ماو تسي تونغ أصحاب الورقة تناول الصراعات الطبقية بمغرب السبعينات من القرن 20 رسم طريق الثورة المغربية، مما أوقعهم في اللاعرفانية التي اختزلت تطور الديالكتيك الماركسي في كتاب "في التناقض"، محاولين تجاوز أعمال لينين حول الديالكتيك، بل أقروا أن أعمل ماو التبسيطية قد تجاوزت الديالكتيك الماركسي عند لينين، رغم أن ماو لم يقر بذلك يوما بقدر ما قام بتفسير جزء بسيط من أعمال لينين القيمة والبالغة في الدقة مستوى عالي من المعرفة الماركسية، أنظر كتابه "حول الديالكتيك" في كتاب: المادية ونقد المذهب النقدي التجريبي، وكتاب دفاتر فلسفية.

كان ماو منشغلا بالممارسة العملية في مستواها العالي ألا وهو قيادة الحرب الوطنية الثورية ولا يسعه الوق لدراسة جميع أعمال لينين دراسة علمية نقدية، مثل ما قام به المعلم الكبير لينين على مستوى المعرفة 22 قرنا مضت قبل الثورة الروسية، واختزال المضمون المعرفي لدى لينين في كتابه "حول الديالكتيك" في تلك الجملة التي انطلق منها أصحاب هذه الورقة، إنما ينم عن جهلهم بالمعرفة الماركسية اللينينية، وذلك، بطبيعة الحال، يمكن تفهمه نظرا لعدم امكانية إلمامهم بأعمال لينين الكاملة على مستوى المعرفة، حيث الشروط الموضوعية داخل السجن على ما يبدو إن لم يكن افتقارهم للمراجع، دفعهم إلى الاكتفاء بكتاب "في التناقض" الذي اعتبروه مستوى عال من المعرفة الماركسية، مما دفعهم بالإقرار بوجوب بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالمغرب على غرار الثورة الصينية دون القدرة على دراسة أسسها الطبقية ووضع تصور صحيح لبلورته عبر الصراعات الطبقية بالمغرب.

وكانت محاولتهم لبناء تصور ديالكتيكي من منظور معرفي ماركسي لعملية إنجاز الثورة المغربية عبر نقل قوانين الحركة من الطبيعة إلى المجتمع، لا ترقى إلى الفهم الماركسي اللينيني للثورة، فلا يكفي الإقرار بأن الثورة الصينية حدث كبير في بلد شبه مستعمر واختزال المعرفة الماركسية اللينينية في أقوال ماو تسي تونغ حتى نقول أننا وجدنا طريق الثورة المغربية، كما لا يمكن إسقاط تناقضات الثورة الصينية بشكل فج على عملية بناء الطريق الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

فكما جاء في الورقة بأن الثورة الصينية بدأت في 1911 ولم تنتصر جزءا إلا في 1949 حيث بدأت تناقضات جديدة أمام ماو تسي تونغ على مستوى الاقتصادي والاجتماعي، فإن اختزال الثورة الصينية في أعمال الحزب الشيوعي الصيني ودوره في قيادة الثورة لا يكفي لبناء تصور عام حول تناقضات الثورة الصينية.

كما أن تجاهل تناقضات الثورة المغربية التي بدأت في 1912 من الجنوب في الحرب الوطنية الثورية ضد الإمبريالية وامتداداتها بالصحراء الغربية والتجربة الثورية بالريف وبناء الدولة الوطنية الديمقرطية الشعبية الأولى بشمال إفريقيا، باعتبارها أول تجربة عالمية التي وضعت أسس الحروب الوطنية الثورة ضد الحروب الإمبريالية باعتراف ماو تسي تونغ وهو شي منه بذلك، يعتبر "مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية" كما سماه لينين.

كما أن تبني التجربة الثورية الصينية بشكل أعمى دون فهم تناقضاتها إنما ينم عن اللاعرفانية التي تختزل الطريق من أجل الوصول إلى الهدف، الذي لا يمكن أن يكون إلا انعكاسا للفكر المثالي الذاتي والسوليبسيسم في الممارسة العملية التي تقود غلى الانتهازية والتحريفية.

إن غياب بعد النظر لدى أصحاب الورقة قد قادهم إلى اختزال كل تناقضات الصراعات الطبقية بالمغرب من أجل تقديم الثورة الصينية، في طبق من ذهب، على حساب تجاول التراكم الكمي للثورات البروليتارية عبر العالم، وتمييعها في بعض الأحيان، كما جاء في الورقة فيما سماه أصحابها : "تعاليم لينين حول القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية"، دون الإشارة إلى أين يكمن ذلك.

لقد استطاع لينين توضيح العلاقة بين الثورة البورجوازية الديمقراطية والثورة البروليتارية الاشتراكية بصورة فائقة، باعتباره سيطرة البروليتاريا على السلطة أساسي في الانتقال السلس من الأولى إلى الثانية، وفي إنجاز المهام الثورية الرئيسية، وفي تجاوز المهام الثورية الثانوية، وفي القدرة على بلورة مفهوم الديمقراطية البروليتارية، الديمقراطية الثورية، الديمقراطية الاشتراكية، في ظل ديكتاتورية البروليتاريا، في دولتها، في اضطهادها للطبقة البورجوازية، المهمة الرئيسية للثورة البروليتارية الاشتراكية.

وأكد لينين على أهمية العلاقة الجدلية بين الثورة البورجوازية الديمقراطية والثورة البروليتارية الاشتراكية، على اعتبار أن مهام الأولى لا يمكن إنجازها كاملة إلا في ظل الثانية، وأنه بدون ديمقراطية كاملة لا يمكن الحديث عن الديمقراطية البروليتارية.

ويقول عن ذلك :"ليست الثورة الاشتراكية عملا واحدا، وليست معركة واحدة في جبهة واحدة، إنما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الحادة، وسلسلة طويلة من المعارك في جميع الجبهات، أي في جميع مسائل الاقتصاد والسياسة، معارك لا تنتهي إلا بمصادرة ملكية البورجوازية. ومن فادح الخطأ الاعتقاد أن النضال في سبيل الديمقراطية يمكن أن يصرف البروليتاريا عن الثورة الاشتراكية أو أن يكسف هذه الثورة أو يحجبها، الخ... بل الأمر على العكس. فكما أنه يستحيل انتصار الاشتراكية إذا لم تحقق الديمقراطية الكاملة، كذلك لا تستطيع البروليتاريا أن تستعد للتغلب على البورجوازية إذا لم تشنه نضالا ثوريا شاملا دائما، صادقا، في سبيل الديمقراطية" كتاب مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية ـ الثورة الاشتراكية والنضال في سبيل الديمقراطية، ص : 160.

هكذا توصل لينين إلى صياغة كيفية مرور عملية الانتقال من الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى الثورة الديمقراطية البروليتارية، ليس القيادة البروليتارية في الثورة الديمقراطية البرجوازية كما جاء في الورقة، إنما في تناوله للتناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية من منظور الديالكتيك في علاقته بالبراكسيس، خلال الحرب الأهلية التي باشر خلالها أهمية التحالف الحربي بين الببروليتاريا والفلاحين وانتصارهم بقيادة البروليتاريا على الإمبريالية والانتهازية دفاعا عن الوطن الاشتراكي، والشروع في البناء الاشتراكي في ظل التحالف الاقتصادي بين البروليتاريا والفلاحين بقيادة البروليتاريا بعد نهاية الحرب الأهلية، ليكون لينين بذلك قد استكمل منظوره الديالكتيكي الماركسي حول التناقض بين الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الديمقراطية البروليتارية.

أما القول ب"القيادة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية الشعبية"، كما جاء في الورقة، فإنه يحمل لبسا عميقا مناقضا مع الفهم الديالكتيكي الماركسي للثورة الديمقراطية البروليتارية في تناقضها مع الثورة الديمقراطية البرجوازية، ذلك أن الصيغة الثالثة للثورة التي سماها ماو الثورة الشعبية دون أن يكون لهذه الصفة الثالثة : الشعبية، موقعا طبقيا في الصراعات الطبقية حول السلطة، كما هو الشأن بالنسبة للبروليتاريا والبرجوازية المتناقضان المتصارعات حول السلطة في النظام الرأسمالي، فإن هذا المنظور الجديد الغريب عن الماركسية والذي يسميه "الماويون" الديمقراطية الجديدة دون أن تحمل هذه الصفة أي موقع طبقي في الصراعات الطبقية حول السلطة، إنما يأتي ضمن الخيار الثالث بين المادية والمثالية التي سماها إنجلس : اللاعرفانية.

أما القول ب"تعاليم الثورة الوطنية الديمقراطية الفيتنامية"، كما جاء في الورقة، فلا يختلف كثيرا عن التسمية الجديدة للثورة الصينية، ذلك أن الثروة الفيتنامية كما هي في مثيلتها الصينية تمت بقيادة الحزب الشيوعي، الذي يمثل بالنسبة للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية خاصة منظمة إلى الأمام مشروعا غير منجز إلى حد الآن، فبدل الشروع في بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي من صلب الانخراط في الصراعات الطبقية، قام أصحاب الورقة بالتيه في عالم المعرفة دون التسلح بما يكفي من الدراسة والتحليل للماركسية والماركسية اللينينية، والتجارب الثورية الوطنية والعالمية، مما يوضح محاولتهم الهروب إلى الأمام، بالشروع في تناول التناقضات الثانوية بين منظمة إلى الأمام ومنظمة 23 مارس، دون التسلح بما يكفي من المعرفة الماركسية اللينينية.

في هذه الورقة حاول أصحابها تحديد منطلقاتهم النظرية لوضع تصورهم حول الثورة المغربية انطلاقا من دراسة المادة والحركة من خلال منطلقات تحديدات الفيزياء الحديثة : نظرية الكوانطا، لكن في اتجاه يرجع بالنظرية إلى الخلف، في تجاوز تعسفي لأعمال إنجلس ولينين في المجال العلمي المادي : الديالكتيك الماركسي، بالرجوع إلى أقوال هيغل المثالية، التي وردت في هذه الورقة. كل ذلك من أجل الإقرار بأن ماو تسي تونغ قد طور المعرفة الماركسية إلى مستوى عال، لكن غير مدركين أن عملهم هذا يوقعهم في اللاعرفانية، حيث تجاوز أعمال لينين في قولهم :"إن الأيديولوجية البرجوازية قد استنتجت بأن الكوانطا ظاهرة متقطعة ظاهريا، لا يمكن أن تفسر بالمادية. في الواقع هذا خطأ، فبصفة خاصة، قام أحد الفيزيائيين، ينتسب إلى الفكر المادي الجدلي (Jean Vigier)، بتوضيح أن الكوانطا تمثل في حقل طاقة ـ مادة نقط عقدية ذات تراكم طاقي مكثف." انتهى كلام الورقة، وتكريسا لرغبة أصحاب الورقة بتجاوز أعمال لينين في هذا المجال أو ربما جهلهم بها يستشهدون بأحد الشيوعيين "الماويين" بفرنسا 1968 الذي انسحب من الحزب الشيوعي الفرنسي، في محاولة لهم للتأكيد على أن ما يسامونه "ماوية" قد تجاوزت أعمال لينين الفلسفية، باستعارة أقوال هذا الأستاذ الفيزيائي لملء فراع نظرية "الماوية" رغبة في تجاوز أعمال لينين "حول الديالكتيك" وأعمال إنجلس حول "ديالكتيك الطبيعة".

يقول لينين في نقده للأساتذة الفيزيائيين اللاعرفانيين :"... كل هذه أيضا نتائج لجهل الديالكتيك، كل ما لا يتغير، من وجهة نظر إنجلس، هو أمر واحد فقط، هو عكس الوعي البشري (عندما يكون الوعي البشري موجودا) للعالم الخارجي الموجود المتطور خارج وعينا، لا وجود في نظر ماركس وإنجلس لأي "ثابية" أخرى، أو لأي جوهر "مطلق" آخر بالمعنى الذي رسمت به الفلسفة الأستاذية هذه المفاهيم. فإن "كنه" الأشياء أو "الجواهر" هما أيضا نسبيان، وهما يعربان فقط عن تعميق المعرفة البشرية للمواضيع، ولئن كان هذا التعميق لم يمض أمس إلى أبعد من الذرة، واليوم أبعد من الإلكترون والأثير، فإن المادية الديالكتيكية تلح على الطابع المؤقت، النسبي، التقريبي لجميع هذه المراحل من معرفة الطبيعة من قبل العلم المتطور المتقدم لدى الإنسان. إن الإلكترون لا ينضب مثله مثل الذرة، والطبيعة لا متناهية، ولكنها توجد إلى ما لانهاية، إن هذا الاعتراف القاطع الوحيد، بوجودها خارج وعي الإنيان وأحاسيسه هو الذي يميز المادية الديالكتيكية عن اللاعرفانية النسبية وعن المثالية."

إن محاولة تبخيس أعمال لينين من طرف أصحاب الورقة وتقديم أعمال ماو البسيطة حول بلورة الديالكتيك من الطبيعة إلى المجتمع إنما يندرج ضمن النزعة التحريفية في الشيوعية في الربع الأخير من القرن 20، ذلك ما ساهم في تكبيل الحركة الماركسية ـ اللينينية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة، إن تمييع أعمال ماو التي يؤطرها قوله بأنه يجب على الديالكتيك أن يكون في متاول الجماهير : الدفع بالديالكتيك ومحاولة ربطه بالثقافة الشعبية، مما دفع بهؤلاء الأساتذة أصحاب هذه الورقة إلى أبعد من ذلك، بالقول بتطوير المعرفة الماركسية إلى مستوى عال بينما ما فعله ماو هو تبسيطها حتى تفهمها الجماهير حسب مستوى ثقافتها الشعبية، وليس تطويرها فلسفيا، إنما صياغة أساليب بسيطة لتشر تعاليم الماركسية في صفوف الجماهير.

والقول بالديمقراطية الشعبية ليس مفهوما جديدا للديمقراطية، إنما هو من صلب التحلي بأخلاق المناضل الثوري، الذي يجب عليه أن ينبذ النخبوية والتعالي على الجماهير، فالتناقض الأساسي بين الديمقراطية البروليتارية والديمقراطية البرجوازية لا يمكن تعويضه بالديمقراطية الشعبية التي لا تستند إلى أسس طبقية بقدرة ما تصبح مصطلحا فضفاضا، إذا ما أردنا تحويلها من أسلوب التعامل الديمقراطي مع الجماهير إلى مفهوم طبقي نقيض الديمقراطية البرجوازية، التي تتناقض مع الديمقراطية البروليتارية.

وباعتقادهم أنهم اكتشفوا مفهوما جديدا وهو غريب عن الماركسية بإلصاق كلمة "الشعبية" بكل شيء : الثورة الشعبية، الديمقراطية الشعبية، الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية ... إنما يندرج ذلك ضمن التحريفية والانتهازية، حتى أن هؤلاء الأساتذة تملكم الغرور إلى حد القطع مع أعمال إنجلس ولينين العلمية والنقدية للمادية الميتافيزيقية لدى الأساتذة البرجوازيين، الذين حاولوا دحض المادية الديالكتيكية باستنتاجات المذهب النقدي التجريبي ذات المنحى اللاعرفاني والمثالي.

وانطلاقا من قولة Jean Vigier المشار إليها أعلاه يحاول أصحاب الورقة صياغة مفهوم جديد لما يسمى في الماركسية ب"القفزة النوعية"، في قولهم :"إن كل لحظة من لحظات التاريخ، التي تتميز بتحول كيفي، هي النقطة التي تكون فيها السيرورة المتراكمة عميقا في المرحلة السابقة، قد وقع فيها الانفجار، إنها النقطة حيث تحل الضربة الأولى التناقضات المتراكمة. هذه النقطة المسمى نقطة عقدية ليست هدفا في حد ذاته ونقطة النهاية، حيث كل الماضي تمت تصفيته وتطهيره دفعة واحدة. إن مفهوما مثاليا مثل هذا، يقدم صورة متداولة كثيرا حول ثورة أكثوبر، ولا تسمح إذن بفهم التطور اللاحق للاتحاد السوفييتي."، انتهى كلام الورقة، نرى هنا كيف حاول أصحاب هذه الورقة استعارة ما سماه استاذ الفيزياء الشيوعي "الماوي" ب" نقط عقدية ذات تراكم طاقي مكثف" من الفيزياء إلى الثورة الاجتماعية، حتى يبرهنوا أنهم يطورون الديالكتيك الماركسي من صلب ما يسمونه "الماوية" نقيض "اللينينية"، وحتى يؤكدوا برهانهم يعطون مثالا ب"ثورة أكتوبر" التي في نظرهم تعتبرها اللينينية أنها متكاملة ؟؟ من أجل القول أن فهم اللينينية للثورة متجاوز بتلفيق تهمة اعتبار الثورة البلشفية متكاملة ونهائية.

واعتبروا الفهم اللينيني للثورة فهما مثاليا كما جاء في قولهم :"إن مفهوما مثاليا مثل هذا، يقدم صورة متداولة كثيرا حول ثورة أكثوبر، ولا تسمح إذن بفهم التطور اللاحق للاتحاد السوفييتي."، دون قدرتهم على تقديم حجة واحد على ذلك، إنه العبث الفكر الذي يتوخى بناء نظرية جديدة للثورة البروليتارية من أدوات مادية ميتافيزيقية للفكر المثالي الذاتي الجديدة في أوساط "الماويين"، مما كان له تداعيات خطيرة على الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وخاصة منظمة إلى الأمام، التي يسعى "الماويون المغاربة" إلى إلصاق نظرياتهم المادية الميتافيزيقية بمظورها للطريق الثوري للثورة المغربية.

إن كل التقديمات السابقة لأصحاب الورقة التي تتوخى تقديم "في التناقض" لماو على أنه التطوير الممكن للماركسية إلى مستوى، إنما هو عبث "الماوية" فيما يسمى التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي، الذي يبرز في قولهم :"يجب هنا، أن ندقق، في كل سيرورة تكون محددة )موسومة( بفترات من داخل كل مرحلة. وبالفعل، فداخل كل مرحلة، لا توجد كذلك حركة خطية، فسيرورة التراكم، وسيرورة الانفجار، الجزئي على الأقل، تسجل كذلك تناقضات داخل السيرورة الطويلة التي تشمل المرحلة كلها.

إن هذا التميز بين المرحلة والفترة، يشرح الفرق بين التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي. فالتناقض الأساسي يحدد المرحلة كلها، لكن كل فترة من هذه المرحلة تتميز بتناقض رئيسي." انتهى كلام الورقة، هنا يتم التلاعب فقط بالكلمات عبر تقزيم مفاهيم الماركسية ومحاولة نفيها بتناول أجزاء معية من قوانينها وإعادة تجزيئها للقول بأن ذلك هو اكتشاف جديد، والقول بالتناقض الأساسي والناقض الرئيسي يأتي ضمن مفهوم العام والخاص، في المادة والحركة، في العلاقة بينهما، وهو ليس باكتشاف جديد، إنما هو تكييف للمفاهيم الأساسية في المادية الديالكتيكية، من البسيط إلى المعقد، في كل معقد بسيط، وفي كل بسيط معقد، هكذا يتلاعب "الماويون" بالكلمات لإيهام الماركسيين أنهم يطورون الماركسية، وفعلا يطورونها في اتجاه الكانطية، من العرفانية المادية إلى العرفانية المثالية الذاتية والسوليبسيسم، فمهما تكن محاولاتهم الخبيثة للهروب من المعرفة المادية الديالكتيكية عند لينين يسقطون في تناقضاتهم الذاتية.

يقول لينين في هذا الصدد :"إن ماركس يحلل أولا، في "رأس المال"، أبسط الأشياء، وآلفها وأكثرها تواترا، الأشياء العادية، الأشياء الأساسية، ولا أكثر، الأشياء التي تصادفها آلاف المرات : العلاقات في المجتمع البرجوازي (البضاعي) : تبادل البضائع، وتحليله يبين في هذه الظاهرة البسيطة (في "خلية" المجتمع البرجوازي هذه( جميع تناقضات ) respective أجندة جميع تناقضات) المجتمع المعاصر. إن تتمة هذا العرض يبين لنا تطور (ونمو، وحركة) هذه التناقضات وهذا المجتمع في Σ-;-- شتى أقسامه، منذ بدايته حتى نهايته.

هكذا يجب أيضا عرض طريقة ( respective دراسة) الديالكتيك بوجه عام، (لأن ديالكتيك المجتمع البرجوازي ليس، بنظر ماركس، سوى حالة خاصة من حالات الديالكتيك). سواء بدأ بأي جملة من أبسط الجمل العادية، أو أكثرها تواترا، إلخ : أوراق الشجرة خضراء، زيد رجل، غبروش كلب، إلخ. فيها كما )لاحظ هيغل بصورة عبقرية( يوجد ديالكتيك : فما هو خاص هو عام، هكذا تكون الأضداد (الخاص ضد العام) متماثلة : فالخاص غير موجود إلا في العلاقة التي تؤدي إلى العام. والعام غير موجود إلا في الخاص، عبر الخاص. كل خاص له طابعه العام (بهذه الصورة أو تلك). وكل عام هو (جزء أو جانب أو جوهر) من الخاص. وكل عام لا يشمل جميع الأشياء الخاصة إلا في وجه التقريب. وكل خاص لا يشترك تمام الاشتراك في العام، إلخ، إلخ .. كل خاص يرتبط عبر آلاف الدرجات الانتقالية بعناصر خاصة من طبيعة أخرى (أشياء، ظاهرات، تفاعلات)، إلخ .. حتى هنا يوجد عناصر وأجنة مفهوم الضرورة، عناصر وأجنة العلاقة الموضوعية في الطبيعة، إلخ. فالعرضي والضروري، والظاهرة والجوهر، موجودة حتى هنا، لأننا حين نقول : زيد رجل، غربوش كلب، هذه ورقة شجرة، إلخ ...، فإننا نبدد جمل من المميزات بوصفها من الأشياء العرضية، ونفصل الجوهري عما هو طارئ، ونعارض أحدهما بالآخر..."، كتاب "حول الديالكتيك".

لننظر هنا كيف أسس لينين لنظريته حول الديالكتيك بصورة فائقة في الدقة، في التناقض بين العام والخاص في كل الأشياء، في الطبيعة كما في المجتمع، في العلاقة بين المادة والحركة، وقال عن المادة أنها "مقولة فلسفية للإشارة إلى الواقع الموضوعي"، واستعمل "المادة" في كل دراساته بعدما ميع التجريبيون مفهوم الواقع، وحدد العلاقة بين العام والخاص في الطبيعة والمجتمع، من أبسط الأشياء إلى أعقدها، في العلاقة بين أجزاء الحركة، في تطورها، في العلاقة بين ما هو عام فيها وما هو خاص، في العلاقة بين تناقضات العام والخاص، إلخ..

إن كل محاولة لتطوير الماركسية، بمحاولة تجاوز استنتاجات لينين، إنما هي محاولة للقطيعة الإبستمولوجية بين الماركسية والماركسية اللينينية وتعويضها بتفاهات "الماوية" الصبيانية اليسارية في الحركة الماركسة ـ اللينينية.

ما معنى الأساسي والرئيس ؟ هي كلمات يريد أصحابها تعويض مفاهيم ماركسية بها، دون القدرة عن إنتاج نظرية منسجمة مع المنهج المادي الديالكتيكي الماركسي، فتقديم مصطلح التناقض وتقسيمه إلى ما هي أساسي ورئيسي، وإسقاطه على التراكم الكمي للصراعات الطبقية في حركة المجتمع التي ينتج عنها تراكم كيفي : القفزة النوعية، عند انفجاج الثورات الاجتماعية، التي قال عنها ماركس أنها نتاج التناقض بين القوى المنتجة الثورية وعلاقات الإنتاج الرجعية في المجتمع الرأسمالي ذي الصفة التناحرية، إنما هو تبسيط لما هو معقد في الحركة الاجتماعية، أي أقصى تفاعل قوانين الحركة على مستوى المجتمع البشري، فالمقارنة بين "المرحلة والفترة" في علاقتها ب"التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي" وتحديد الرئيسي بالفترة والأساسي بالمرحلة في سيرورة من الفترات إلخ، إنما ينم عن الفكر الميكانيكي الذي يقول بالمطلق هو مطلق والنسبي هو نسبي، بينما في الديالكتيك الماركسي في المطلق نسبي وفي النسبي مطلق، ونفي صفة الأساسي فيما هو رئيسي، إن وجد الرئيسي، إنما هو جهل بالديالكتيك الماركسي، فحصر الفترات التاريخية للحركة فيما هو رئيسي إنما هو عمل دوغمائي من منطلق الفكر الميكانيكي، الذي ورط أصحاب الوقة في محاولة تجاوز خلاصات لينين حول الثورة والحركة الثورية في المجتمعات الرأسمالية وتناقضاتها وسيرورة الصراعات الطبقية فيها.

إن محاولة أصحاب الورقة لفهم الصراعات الطبقية بالمغرب وبناء الطريق الثوري للثورة المغربية كما جاء في هذه الورقة، إنما تندرج ضمن مستويات تعليم تعاليم الماركسية للمبتدئين، وبشكل فج، فهي تروم القطيعة الإبستيمولوجية في النظرية الماركسية بتجاوز اللينينية، واختزال الماركسية في ما يسمونه "الماوية"، التي يقدمونها كنظرية متكاملة للثورة في عصر الإمبريالية، ذلك ما يتجلى في قولهم :"وفي كل هذا الذي يجب بناؤه، فتحطيم جهاز الدولة الكمبرادوري لن يمنع الأشكال السابقة من التطور من جديد، في هيئات جديدة، وأيضا، فصراع الطبقات سيستمر في أشكال جديدة تحت قيادة الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية، وهنا أيضا نجد فترات متتالية من التراكم والانفجار، ولكن يمكن التحكم فيها في هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري، داخل جدلية حزب ـ جماهير الذي رسمت نموذجه العظيم الثورة الثقافية البروليتارية الصينية." انتهى كلام الورقة، لنرى كيف تم تشويه الصراعات الطبقة في مقولة "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية"، من دولة ديكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية البروليتارية إلى هذا المصطلح الغريب عن الماركسية المركب من كلمات متناقضة، فمفهوم ديكتاتورية البروليتاريا نقيض دكتاتورية البرجوازية، من منطلق الصراع الطبقي الذي حددته الماركسية، في التناقض بين البروليتاريا والبرجوزية، أما الديكتاتورية البروليتارية ليست بمفهوم ماركسي، إن لم يكن التشويه المصطلحي لديكتاتورية البروليتارية، أي صناعة كلمات بديلة عن المفاهيم التي وضعها ماركس، للقول بتطوير الماركسية، فعلا تطويرا في اتجاه المثالية الذاتية، أما إضافة كلمة الشعبية فهي تندرج ضمن الرغبة في التميز عن الماركسية اللينينية بما يسمى "الماوية"، والشعبية ليس بمفهوم طبقي يميز شكل الصراعات الطبقية من منظور "الماوية" عن شكلها في النظرية الماركسية اللينينية.

في الأخير يقرون بإمكانية استمرار التناقضات في الحركة الثورية في ظل ما سموه "الديكتاتورية البروليتارية الشعبية"، غير أنهم وجدوا لها الحل في قولهم :"وهنا أيضا نجد فترات متتالية من التراكم والانفجار، ولكن يمكن التحكم فيها في هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري، داخل جدلية حزب ـ جماهير الذي رسمت نموذجه العظيم الثورة الثقافية البروليتارية الصينية."، انتهى كلام الورقة، أنزروا كيف حاولوا اختزال كل شيء ينبع من الماركسية اللينينية، فقول لينين حول "الحزب، الطبقة والجماهير" أصبح في "نظريت"هم الجديدة "الحزب ـ الجماهير" فلا وجود للطبقة، فقط الجماهير أي الشعب في ظل الثورة الشعبية، أي نفي الطبقية في مجتمعهم "الماوي" : "الشيوعية الماوية"، إنه العبث الفكري الذي يريد نفي المجتمع الاشتراكي الضروري في نفي الدولة، في اضمحلالها في دولة ديكتاتورية البروليتارية كما جاء في الماركسية، وليس "البروليتارية الديمقراطية الشعبية" كما يقولون.

بهذا المنظور اللاعرفاني المثالي الذاتي يريد السادة الأساتذة أصحاب هذه الورقة محاربة اليمينية في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وخاصة بمنظمة إلى الأمام، وذلك ببلورة "نموذج الثورة الثقافية البروليتارية الصينية" في أوساط الجماهير، لكن مع الأسف الشديد تبخرت كل أحلامهم حول "الماوية"، بعد موت ماو تسي تونغ شهورا قليل قبل كتابة هذه الورقة، مما يؤكد خطأ أطروحتهم المثالية الذاتية، وهم لا يعلمون أن الصين انتقلت بشكل سلس نحو الإمبريالية في نفي المرحلة التي يتحدثون فيها عن الفترات والإنفجارات.

وما زال هناك من يطبل، يزمر ويهتف بهذه الأقوال الزائق البعيدة عن الديالكتيك الماركسي اللينيني.

وعن مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية الذي يعتبر أحد أصول الثورة في تصور منظمة إلى الأمام للثورة المغربية، يمكن أن نتفق عليه مبدئيا، لكن نختلف عليه من منطلق فهمه الأيديولوجي والسياسي وحتى الاقتصادي، في التكتيك والاستراتيجية، في الديالكتيك والراكسيس، وفي تفسير بنية المفهوم التركيبية اللغوية في حد ذاتها، ذلك ما يمكن أن يواجه أصحاب الوجبة الجاهزة للثورة المغربية، من أصحابنا "الماويين" المتهافتين لإلصاق فهمهم تعسفا بتصور المنظمة للثورة المغربية، بالتعسف على مفهوم تطوير الماركسية والماركسية ـ اللينينية.

وبالرجوع إلى أسسه التاريخية، كما أشرنا لذلك سابقا في الحلقات السابقة، فإنه غير غريب عن التجارب الوطنية الثورية المغربية، خاصة الثورة الريفية ضد الإمبريالية ودولة البرجوازية التجارية، التي وضعت أسس الحرب الوطنية الثورية الشعبية ضد الحرب الإمبريالية الصيغة الجديدة الثورة بالبلدان المضطهدة بما فيها الصين، وأسست أول دولة وطنية ديمقراطية شعبية بشمال إفريقيا.

إذن هذا المفهوم ليس بغريب عن تجارب بلادنا الثورية ضد الإمبريالية، ولا نحتاج لمن يعطينا فيها دروسا ويضعها أمام المناضلين مفصلا أيديولوجيا وسياسيا، أما مسألة تطويرها عبر التجربة الثورية بالصين فذلك شان آخر، يمكن أن نختلف أو نتفق حوله، فلكل حججه في تاريخ التجارب الثورية العالمية، وهي عديدة وعلى رأسها التجربة الثورية الفيتنامية الرائدة عالميا.

هكذا نرى هذه المسألة الشائكة، التي يريد أصحابنا "الماويين" الركوب عليها، ولن يكون ذلك بالسهل عليهم، فتجربة بلادنا الثورية أولى بنا من أي أحد آخر، بالاستفادة منها، بالرجوع إلى أصولها التاريخية، ولو عاش ماو تسي تونغ اليوم لقال لهؤلاء الأساتذة نفس الكلام عن هذه التجربة الثورية العالمية، كما فعل يوما مع انتهازية حزب التحرر والاشتراكية في الستينات من القرن 20.

وبالرجوع إلى الورقة نجد مجموعة من المصطلحات التي تناولناها بالدرس في حلقات سابقة، خاصة التي لها علاقة اصطلاحية بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فالثورة الوطنية يجب أن تكون ديمقراطية وأن تكون شعبية حتى تنتصر، وهاذان الشرطان أساسيان في انتصارها الحتمي على شكل الحرب الثورية ضد الحرب الإمبريالية، ذلك ما قام به القائد الثوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، في ظل دولة البرجوازية التجارية عميلة الإمبريالية، لكن هل تتم في مرحلة واحدة أم في مرحلتين متتاليتين ؟ وهنا أيضا قد نختلف مع أصحابنا "الماويين" الذين يحملون نسخة جاهزة طبق الأصل للنسخة الصينية، وقد نختلف معهم اختلافا جوهريا.

وحول ما جاء في هذه الوثيقة المليئة بمصطلحات لا علاقة لها بالمفاهيم الماركسية، نختلف معهم جوهريا : ضد تحريف المفاهيم الماركسية المحددة للصراع الطبقي، المحرك الأساسي للتاريخ كما حدد ماركس ذلك، وأكده لينين عبر إنجاز الثورة البروليتارية عبر مرحلتين : الانتفاضة والحرب الأهلية، وليس عبر الانتفاضة فقط كما يدعي "الماويون" في نقدهم للبلشفية، إنما أيضا عبر الحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية وعملائها من الانتهازيين، البرجوازيين والملاكين العقاريين، في حرب دامت أربع سنوات، وهي حرب شعبية بقيادة البروليتاريا، دفاعا عن الوطن الاشتراكي، وتجاوز الثورة البرجوازية بقيادة الانتهازية التي تم إسقاطها.

إن محاولة أصحاب الورقة الرامية إلى تقديم تصورهم للثورة المغربية، عبر ما سموه "التناقض الأساسي" و"التناقض الرئيسي" في علاقتهما ب"المرحلة" و"الفترة" من أجل تحديد طريق الثورة المغربية، إنما هو لعب بالكلمات وهروب إلى الأمام، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" كما قال إنجلس في نقده للكانطيين.

والتناقض، يعتبر أحد القوانين العامة للحركة، التي حددها ماركس وإنجلس بعد اكتشافه في الطبيعة والمجتمع معا، فلا غبار عنه، والحركة الثورية يسري عليها ما يسري على الحركة بصفة عامة، والثورة باعتبارها حركة خاصة في المجتمع، في أقصى تجليات الحركة في تناقضاتها، تضم بداخلها ما هو عام وما هو خاص ككل حركة، مع العلم أن في كل عام خاص، وفي كل خاص عام، وليس هناك عام مطلق ولا خاص مطلق إلا في حدود معينة جدا، والثورة تحمل صفة الوحدة لكنها حابلة بالتناقضات في ظل الوحدة، فالتناقض الأساسي في الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية هو الصراع الأساسي ضد الإمبريالية، بين البروليتاريا والبرجوازية، بين الحرب الثورية والحرب الإمبريالية، وهو المحدد الأساسي لسيرورة الثورة في طريقها نحو الانتصار، وهو يشمل مرحلة الثورة عامة، منذ بروزها على شكل تناقضاتها البسيط إلى أعلى تناقضاتها المعقدة : الحرب الثورية، والتناقض الرئيسي هو كل ما يشمل هذه المرحلة من قفزات نوعية، لما يكتمل نضج كل قفزة، عبر تراكمها الكمي الذي يتولد عمه تراكم كيفي، الذي يصبح معطى جديدا وثابتا في سيرورة الثورة، ومحددا من محددات صيرورتها، وفي أعلى تجلياته ميلاد الحزب الثوري، الحزب الماركسي ـ اللينيني.

أما اختزال التناقض الأساسي والرئيسي في المرحلة والفترة، كما فعل أصحاب الورقة، فما هو إلا لعب بالديالكتيك للمبتدئين من المتعلمين لتعاليم الماركسية، فالمرحلة والفترات هي أجزاء من التاريخ الطويل للثورة، كما هو الشأن بالنسبة للثورة المغربية ذات التاريخ الطويل في الصراعات الطبقية، وتناقضاتها خلال مرحلة الإمبريالية لم يتغير فيها ما هو أساسي وما هو رئيسي، إذ لم تحدث فيها ثورة برجوازية يمكن أن نعتبرها قفزة نوعية تحدد صيرورة الثورة المغربية، بل تعمق فيها التناقض الأساسي : في الصراع ضد الإمبريالية، وتمركز فيها التناقض الرئيس : في الصراع ضد دولة البرجوازية التجارية، المهيمنة على السياسة والاقتصاد، هناك يكمن الطرح الديالكتيكي للثورة في علاقته بالبراكسيس وبناء الحزب الثوري : قائد الثورة.

وكل ما جاء في هذه الورقة وفي ملحقها، يمكن تصنيفه ضمن ممارسة ديماغوجية حاول عبرها أصحابها تقديمها على أنها علم الديالكتيك الماركسي، الديالكتيك الميتافيزيقي المغلف بالديماغوجية طبعا، والحامل لأخطاء نظرية سموها علم "الماوية"، وأكدوا ذلك بالملموس في تحريف المفاهيم الماركسية، في إصرار أعمى على تجاهل الديالكتيك الماركسي عند لينين، من أجل تقديم "حسائهم الاختياري" على أنه تطوير للمعرفة الماركسية من طرف ماو تسي تونغ، وهو بريء من هذا القول حيث لم يقر يوما أنه تجاوز لينين وبعد ستالين.

فالورقة تكرس بشكل فج، مقولة نحن لسنا بحاجة إلى أعمال لينين القيمة، ولا لتجربة ستالين الثورية، ما دامت هناك نظرية جديدة للثورة في عصر الإمبريالية : "الماوية"، من أجل تحقيق ما سموه "الديمقراطية الجديدة" ثم "الاشتراكية"، في فترات من "النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبيرة" من أجل تحطيم "أجهزة الدولة الكمبرادورية" تحت قيادة "الديكتاتورية الديمقراطية الشعبية" التي "يمكن التحكم فيها هذه المرة بواسطة الحزب البروليتاري داخل جدلية حزب ـ جماهير"، هكذا بنى هؤلاء الأساتذة تصورهم المثالي الذاتي حول الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، لكن دون القدرة على تحديد كيف بنوا حزبهم البروليتاري هذا ؟ وهي آليات "جديدة" خالية من المضمون الماركسي اللينيني.

الورقة تنتقد كذلك الميكانيكية في التفكير لدى اليمين في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ولكن دون قدرة أصحاب الورقة على التخلص من الفكر الميكانيكي الذي جعلهم يمارسون القطيع الإبستيمولوجية في النظرية الماركسية اللينينية، وذلك بنفي التجربة الثورية البلشفية التي استفاد منها ماو تسي تونغ بنفسه عدا ذكر "الحزب البروليتاري"، لكن دون الحديث عن سيرورة بنائه خلال ما سموه "المرحلة"، ودون الحديث عمن يقود ما سموه "دكتاتورية الديمقراطية الشعبية" و"النضالات الديمقراطية الجماهيرية الكبرى"، ولا تحديد الطبقة التي تقود هذه النضالات ولا الأدوات التنظيمية الجماهيرية وهل هي أيضا تنظيمات جديدة شعبية ؟ أم ماذا ؟

تسير الأحداث في الورقة في شكل خليط من الأفكار غير المنسجمة مع الواقع الموضوعي للصراعات الطبقية بمغرب ما بعد موت ماو تسي تونغ، كأننا في جزيرة معزولة عن عالم الإمبريالية، جزيرة تشاهد سيرورة بناء "الديمقراطية الجديدة" بمغرب "الماويين"، دون أن تحرك الإمبريالية ساكنا ؟ إنه الفكر المثالي الذاتي لدى أصحابنا "الماويين" المسيطر على أصحاب الورقة، الذين يقدمون أنفسهم على أنهم ثوريون بعد الشهيد عبد اللطيف زروال، ولو فكرة من أفكاره الثورية واردة في الورقة كأن فترة من الفترات الزاهية في حياة المنظمة لم تمر سوما، وأقروا بكل إيمان أعمى أن الثورة الصينية أسقطت الإمبريالية، وهي وجبة ثورية جاهزة للتطبيق بالمغرب وغرب إفريقيا : الحرب الوطنية الثورية بالصحراء الغربية، التي هي الأخرى لم تحظ بشيء يذكر في الورقة.

إن سقوط أصحاب الورقة في الديالكتيك الميتافيزيقي في تناولهم للحركة الاجتماعية، وفي أقصى تجلياتها : الثورة الاجتماعية في عصر الإمبريالية، إنما يعبر بكل وضوح عن نتاج فكر ثالي ذاتي : النكسات التي ألمت بالحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية أيديولوجيا وسياسيا، خلال تاريخها الطويل المليء بالتضحيات دون التقدم خطوة إلى الأمام في سيرورة تأسيس الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي، ذلك أن الفكر المثالي الذاتي المسيطر على تصورات قادة منظمة إلى الأمام بعد اغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، حال دون قدرتهم على فرز قيادة ثورية مسلحة بالديالكتيك والبراكسيس، مما جعل أصحاب هذه الورقة يقفزون على المراحل المهمة في تاريخ الثورة المغربية ويبخسونها، محاولين تجاهلها رغم أنها واقع موضوعي، وهو محدد أساسي لكل خطوة متقدمة في طريق الثورة المغربية، ونقصد هنا بالذكر التجربتين الثوريتين بالجنوب والشمال، بالريف وبالصحراء الغربية، مما جعلهم يقدمون وجبتهم الثورية "الماوية" بشكل فج، ومازالوا يقدمونها إلى اليوم رغم النكسات التي حلت بالتجربة الثورية الصينية.

واليوم وقد تعمقت التناقضات في السيرورة الثورية في البلدات المضطهدة، وتعيش الأحزاب الشيوعية والتنظيمات الماركسية ـ اللينينية نكسات عميقة، في الوقت الذي يعرف فيه النهوض الجماهيري الشعبي اندفاعا هائلا نحو الديمقراطية والتحرر، مما يتطلب التنظيم أكثر فأكثر كما قال المعلم لينين، مازال نفس التفكير يهيمن على أغلب هذه التنظيمات إلى حد الانصهار في المد الظلامي المهيمن على الانتفاضات الشعبية من المحيط إلى الخليج، مما يعيد إلى الواجهة بناء الحزب الماركسي ـ اللينينية المغربي، كأولوية نادى بها الشهيد عبد اللطيف زروال في وثيقة "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو"، وبقيت هذه المهمة الملحة إلى الآن دون الشروع في إنجازها، مما يضع مثل هذه الأوراق في خانة المزايدة السياسية وتعميق الصراعات داخل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

Aucun commentaire: