لما تحدث ماركس عن
العنف الثوري، تأكد أولا من أن الدولة هي أداة لممارسة عنف الطبقات المسيطرة على الطبقات
المضطهدة، فلا يمكن مواجهة عنف الدولة إلا بالعنف الثوري، فالحركة الثورية ضد استبداد
الدولة لا معنى لها بدون ممارسة العنف الثوري.
وأكد إنجلس أن تطور
الدولة تم بعد تجاوز وضع العالم القديم وبرزت السلطة العامة "... وتوجد هذه السلطة
العامة في كل دولة. وهي لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية، السجون
ومختلف مؤسسات القسر..."، وهذه القوة المشكلة في العالم الحديث هي نقيض ما يسميه
إنجلس "منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها" السائدة في العالم
القديم ولم يعد لها شأن مع بروز الدولة كقوة فوق المجتمع.
وواجه إنجلس الفكر
البرجوازي الصغير الذي يؤمن بوجوب وجود قوة الدولة والذي لم يستوعب "لماذا غدا
من الضروري وجود فصائل خاصة من رجال مسلحين (الشرطة والجيش الدائم) توضع فوق المجتمع
وتنفصل عنه"، حيث يجيب البرجوازي الصغير أن ذلك ضروري بسبب "تعقد الحياة
الاجتماعية، تمايز الوظائف ...".
لقد أسهب إنجلس في
تفسير موقع الدولة في المجتمع، ودحض ماركس المفهوم المثالي للدولة لدى هيكل القائل
بأنها طرف ثالث محايد بين المتصارعين في المجتمع، فالدولة كما قال لينين "هي نتاج
استعصاء التناقضات الطبقية".
وأكد لينين منظور
ماركس حول العنف الثوري، فبدون أداة ثورية : الحزب الماركسي ـ اللينيني لن يستقيم الطريق
الثوري، لم يستطع البلاشفة الوصول إلى السلطة إلا بالعنف الثوري المنظم، فقدموا من
أجل ذلك شهداء من صلب العمال والفلاحين.
ففي أول مجزرة كبيرة
في بتروغراد استشهد العمال أبناء الفلاحين، خرجوا فقط للمطالبة بتحسين أوضاع الاستغلال،
استشهدت قبلهم الجماهير الشعبية أمام قصر القيصر عندما طالبوا بفك بعض أغلالهم، فتعرضوا
لمجزرة رهيبة.
وقام ماو تسي تونغ
على استلهام دروس الثورة الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي وإنجاز الثورة بالصين البلد
المضطهد من طرف الإمبريالية، من الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية إلى محاولة بناء
النموذج الاشتراكي في بلد شبه مستعمر.
وعمل هو شي منه على
بلورة الحرب الثورية ضد الإمبريالية بقيادة الفلاحين المنظمين في الحزب الشيوعي الذي
بناه في الأدغال والكهوف، بعد أن اقتنعت جماهير الفلاحين بالحرب الثورية الشعبية ضد
الحرب الإمبريالية الاستعمارية التي استغرقت أزيد من 30 سنة من النضال الثوري في علاقته
ببناء الحزب الثوري والاستراتيجية الثورية.
إن عنف الدولة من
طبيعتها كأداة عنف تحت تصرف الطبقات المسيطرة المستثمرة للطبقات المضطهدة في المجتمع،
لما تحتدم الصراعات الطبقية إلى حد تتشابك فيه القوتان المضادتان في المجتمع : قوة
العنف الثوري للمضطهدين وقوة عنف المسيطرين، تنتشر الفصائل المسلحة في الشارع العام
لقمع المتظاهرين رغم انهم سلميين باسم الخروج عن النظام العام للدولة، وتفح السجون
لاستقبال المعتقلين السياسيين الخارجين عن طاعة الدولة كقوة فوق المجتمع في خدمة المسيطرين
على الاقتصاد، السياسة والجيش، قد تكون المظاهرات عفوية أو منظمة، غالبا ما يطال الاعتقال
السياسي المناضلين المنظمين الذين صنفتهم الدولة في اللوائح السوداء أيام السلم، وقد
يكون المعتقلون مناضلين جدد تفرزهم الاحتجاجات الجماهيرية بالشارع العام.
إن أقوى مراحل العنف
الثوري لما تمثلك القوى الثورية السلاح كما كان الشأن في التجارب الثورية العالمية،
أبرزها والتي أحدثت تحولات عميقة في العالم هي الثروة البلشفية، الثورة الصينية والثورة
الفيتنامية، هذه الأخيرة التي تغفلها جميع الدراسات الماركسية رغم أنها قادت أطول حرب
ضد الإمبريالية لأزيد من ثلاثة عقود، قادها الفلاحون ضد ثلاث إمبرياليات : اليابان،
فرنسا وأمريكا.
الاستراتيجية الإمبريالية
الجديدة
إن انتقال الرأسمالية
الحديثة/الإمبريالية من احتكارية الشركات الإمبريالية إلى احتكارية الدول الإمبريالية
عبر انتقالها من اتحادات الرأسماليين الاقتصادية إلى اتحاداتهم السياسية وبناء الدول
الامبريالية الجديدة، يتطلب وحدة الطبقة العاملة عالميا أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة
السيطرة الاستعمارية لاتحادات السياسيين الإمبريالية التي تسخر اتحادات الأروستقراطية
العمالية المتبرجزة المنظمة في أحزابها التحريفية والإصلاحية عالميا، ويشكل هذا العمل
للنضال الثوري للحركة العمالية الثورية العالمية الأساس المادي للصراعات الطبقية.
ذلك ما يتطلب من
الحركة الماركسية ـ اللينينية قيادة الثورات الديمقراطية البروليتارية بالدول الإمبريالية
والثورات الوطنية الديمقراطية الشعبية بالبلدان المضطهدة، ولن يتم ذلك دون المرور عبر
الطريق الثوري : البناء الاستراتيجي للثورة في علاقته ببناء الأحزاب الماركسية ـ اللينينية
وتوحيد نضالاتها عالميا، ولن يتم ذلك دون فهم الأساس الاقتصادي للوضع السياسي العالمي
الجديد وظروف نشأته وتطوره والطبقات المتصارعة مما يتطلب دراسة علمية مادية تاريخية
للصراع بين البناء الاشتراكي للدولة في مواجهة الدولة الاحتكارية.
إن مرحلة التفكيك
الفعلي للتجارب الاشتراكية قد بلغ أوجه بعد التحاق روسيا والصين بركب الدول الاحتكارية،
فرغم انتصار الثورة الفيتنامية في حربها ضد الإمبريالية في 1975، إلا أن الاتجاه الجديد
للحزب الشيوعي الصيني (الاشتراكية ـ الإمبريالية) بعد موت ماو تسي تونغ في 1976 والانقلاب
على الثورة الصينية حال دون تطوير هذا الانتصار في اتجاه تصليب المد الثوري الشيوعي،
وساهم في ذلك انخراط الحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي في الحروب اللصوصية بشكل مباشر
في حربه على أفغانستان في 1978.
وعملت أمريكا على
نقل الحروب اللصوصية من "الشرق الأدنى" إلى "الشرق الأوسط" مع
احتداد "الحرب الأهلية" بلبنان لتصفية المقاومة الفلسطينية وإشعال
"الحرب الطائفية" بين العراق وإيران، التي تم فيها توظيف الإسلام أيديولوجيا
بهدف السيطرة على النفط والغاز وتفكيك ما تبقى من الحركة القومية الثورية بالمنطقة،
بعد تحويل ما يسمى الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي إلى حرب فعلية غير
مباشرة بأفغانستان وتسخير أموال النفط في تمويلها باسم الإسلام.
بدأ بروز الاستراتيجية
الإمبريالية الجديدة بتحييد مصر بعد معاهدة كامب ديفيد بينها وبين الكيان الصهيوني
في 1978 التي تلت حرب أكتوبر 1973 المفبركة، من أجل ضمان حياد الجيش المصري وفتح سوق
تجارية للكيان الصهيوني بمصر وفك العزلة السياسية عنه، جامعة الدولة العربية، مما ساهم
في توسيع مجال الصراعات الثانوية بين الدول العربية الرافضة للمعاهدة والمشاركة في
طبخها في السرية والعلنية.
وساهم هذا الوضع
بروز الحروب ضد ـ الثورية على رأسها الحرب على الشعب الصحراوي في 1975 وما تلا ذلك
من حروب ضد الأنظمة الوطنية الديمقراطية بإفريقيا، لتكتمل خريطة الحروب اللصوصية وتشمل
آسيا وإفريقيا بعد انتهاء الثورات التحررية بهاتين القارتين في اتجاه توسيع رقعة هذه
الحروب، خاصة بعد انهزام الحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي بأفغانستان وتفكيك الاتحاد
السوفييتي وإسكات طبول "الحرب الطائفية" بين العراق وإيران و"الحرب
الأهلية" بلبنان ووقف إطلاق النار بالصحراء الغربية، في استراحة استراتيجية لهيكلة
المشهد السياسي لمرحلة جديدة من الاستعمار الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وحائط
برلين وإدماج أنظمة بلدان شرق أوربا في المنظومة الإمبريالية الأوربية فيما يسمى الاتحاد
الأوربي.
وواكب هذه الأحداث
الدموية حملة إعلامية شرسة على الفكر الماركسي وخاصة الماركسية اللينينية بلغت مداها
في التسعينات من القرن 20، فيما يسمى عصر العولمة ونهاية التاريخ والتبشير ب"الديمقراطية
وحقوق الإنسان في العالم" بعدما بلغت الأحزاب الشيوعية عبر العالم ذروة عالية
من التحريفية بالتعايش مع الأحزاب الاشتراكية التي تشارك في تسيير أزمة الرأسمالية
الإمبريالية الأوربية، وفشل الأحزاب الاشتراكية القومية العربية في بناء دول وطنية
ديمقراطية وحربها الشرسة على الفكر الماركسي اللينيني وإعدام الشيوعيين، وعقد مصالحة
مع الفكر الظلامي والتحالف مع تنظيماتها العسكرية في الحروب اللصوصية ب"الشرق
الأوسط" خاصة في "الحرب الأهلية" بلبنان و"الحرب الطائفية"
العراقية ـ الإيرانية، مما قاد الأنظمة القومية العربية الفاشلة إلى السقوط في أحضان
الظلامية الوهابية التي تدعمها الإمبريالية الأمريكية وتمولها الأنظمة العربية الرجعية
التي ترى فيها الدول الاحتكارية سوقا تجارية عالمية مربحة للأسلحة، وتم إخماد الثورية
الفلسطينية عبر اتفاق أوسلو والتبشير بدولة فلسطين على الأراضي المحتلة في 1967 مقابل
الهدنة، ليتم دك آخر مسمار على نعش المقاومة الفلسطينية الثورية.
وانطلق البعد الاستراتيجي
الجديد للإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا بالحرب الإمبريالية على العراق في 1991
لتستمر بالمنطقة العربية الحروب اللصوصية وتجارة الأسلحة بعد تفكيك ترسانة الأسلحة
الكيماوية العراقية واحتلال العراق في 2003 في موازاة مع الحرب بأفغانستان تحت ذريعة
ما يسمى الحرب على الإرهاب، مما ساهم في إنعاش مد الحركات الأصولية ـ الظلامية المسلحة
التي طبعت كل الحروب اللصوصية التي تشعلها الإمبريالية بالمنطقة، والتي بلغت مداها
في ما يسمى الربيع العربي الذي عرى فضل الأحزاب القومية العربية، مما أكد فشل المشروع
الأيديولوجي المرتكز على القومية في مواجهة الإمبريالية وبالتالي دحض المشاريع الاشتراكية
ـ القومية التي منحت الشرعية للفكر الأصولي ـ الظلامي.
ووصل هذا الوضع الجديد
ذروته مع الحرب الإمبريالية ـ الصهيونية ـ الرجعية على الشعب السوري كامتداد طبيعي
للحرب الإمبريالية على العراق لتشمل المنطقة العربية برمتها، في أفق توسعها لتشمل إفريقيا،
القارة المصنفة لدى الإمبريالية بالواجهة الخلفية لمستقبل الحروب اللصوصية التي تم
التمهيد لها بالقضاء على الدول الوطنية الديمقراطية وإشعال الحروب القبلية بين شعوبها،
من أجل تركيز أنظمة تبعية للإمبريالية لتسهيل السيطرة على اليورانيوم باعتباره طاقة
المستقبل التي تعوض البترول مستقبلا.
وعرفت إفريقيا منذ
اندلاع ثورات حركة التحرر الوطني بها في الستينات والسبعينات من القرن 20 بسط السيطرة
الإمبريالية عبر هيمنة الدول الاحتكارية وعلى رأسها فرنسا، وبدا فشلها في السيطرة على
الأوضاع الثورية هناك أمام نبض الحركة الثورية التي حاولت بناء تجارب ثورية محلية في
علاقتها بالتجربة الثورية الفوكية، التي تمت مواجهتها من طرف الإمبريالية الأوربية
بتنظيم انقلابات عسكرية على التجارب الوطنية الديمقراطية واغتيال الثوار، وساهم النظام
التبعي بالمغرب في دعم هذه الانقلابات والحروب اللصوصية خاصة في الكونغو ومالي تحت
إشراف الإمبريالية الفرنسية، ودخل الإمبريالية الأمريكية بشكل مباشر بعد تأسيس جيش
أفريكوم مقره بفرنسا وتركيز قاعدته العسكرية بالنيجر لدعم الإمبريالية الفرنسية، ومن
أجل مراقبة شريط دول الساحل العابر لعرض إفريقيا والغني باليورانيوم.
وأصبحت إفريقيا مجالا
للحروب الطائفية التي من المنتظر أن تنتقل إليها عبر ليبيا كأحد أهداف الاستراتيجية
الإمبريالية الجديدة تحت ذريعة ما يسمى الحرب على "داعش" و"القاعدة"
بعد تأصيل النموذج المحلي للحركات الأصولية ـ الظلامية "بوكوحرام"، من أجل
تبرير تدخلها العسكري بالمنطقة للسيطرة على خيراتها ومنع شعوبها من التحرر والديمقراطية.
هكذا تم وضع الخريطة
الجديدة للاستراتيجية الإمبريالية الجديدة التي تحظى فيها إفريقيا بأهمية قصوى تكون
فيها الصحراء الغربية مدخلا أساسيا في الصراع بين الإمبرياليات حول تقسيم العمل عالميا،
حيث تعتبر هذه المنطقة الواجهة الخلفية للصراعات الطبقية بالغرب الإفريقي التي يشكل
فيها المغرب على مدى 60 سنة أداة في يد الإمبريالية لتطويع الشعوب الإفريقية وعلى رأسها
الشعب الصحراوي.
وتعتبر الصحراء الغربية
حسب القوانين الدولية منطقة تصفية الاستعمار مما جعلها خلفية لتخزين الثروات الطبيعية
خاصة اليورانيوم، البترول، الغاز والذهب، حيث لا يمكن استغلالها من طرف الشركات الإمبريالية
العالمية إلا بعد تصفية وضعيتها القانونية دوليا مما جعلها بؤرة توثر دائمة وبوابة
للحروب اللصوصية المقبلة بجنوب الصحراء ودول الساحل، ووسيلة ضغط على النظام التبعي
بالمغرب الذي أصبح أداة طيعة في يد الإمبريالية لتمرير سياساتها الاستعمارية الجديدة
بإفريقيا، خاصة أن موقعه في ظل الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة قد لا يحظى باهتمام
كبير بعد الحرب بسورية، اليمن وليبيا التي ساهمت في انتقال مشروع أفريكوم من الصحراء
الغربية إلى النيجر، في استراتيجية جديدة من أجل دعم الحروب اللصوصية الجديدة المقبلة
بإفريقيا المرتكزة في دول الساحل التي تشكل فيها الجزائر مركزا إقليميا قويا وخصما
عنيدا المغرب حول قضية الصحراء الغربية.
وتميزت الاستراتيجية
الإمبريالية الجديدة باعتمادها على المد الأصولي ـ الظلامي الذي يسير في اتجاه التوسع
بينما الأحزاب الإصلاحية والتحريفية تسير في اتجاه الالتفاف حول الأنظمة التبعية للإمبريالية
في اعتقاد منها أنها ستحميها من خطر الحرب، وما يميز الحروب اللصوصية الجديدة هو بروز
حرب العصابات، التمرد والإرهاب التي تتحكم فيها الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة مما
يجعل الجيوش النظامية لا يمكن أن تنتصر في ظل دعم الدول الاحتكارية لهذه الحروب.
ويتميز الوضع السياسي
الجديد بالمنافسة على السيطرة على الطاقة بين أمريكا والإمبرياليات الصاعدة وأساسا
روسيا والصين مما يزيد في شروط اندلاع هذه الحرب، ويعتبر الغرب الإفريقي قابلا للاشتعال،
خاصة عبر الصحراء الغربية، في أي وقت ترى فيه الإمبريالية مصلحتها في ذلك، ويبشر بذلك
وضعية ملف الصحراء الغربية لما وصل إلى مجلس الأمن في انتظار قرار أمريكا لتحديد مصيره
وفق الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة بإفريقيا.
أسس الاستراتيجية
الثورية للأحزاب الماركسية ـ اللينينية
في ظل الاستراتيجية
الإمبريالية الجديدة وانطلاقا من تجارب الحروب اللصوصية بالمنطقة العربية وامتداداتها
بإفريقيا تبقى الأحزاب الإصلاحية والتحريفية عبارة عن أدوات فارغة من المضمون السياسي
الوطني الديمقراطي، ذلك أن تجارب الحرب بالعراق وسورية تؤكد شيئا مهما هو أن العقيدة
العسكرية للحزب الثوري تشكل في المرحلة الجديدة للاستعمار الجديد أهمية قصوى في تنظيم
الجماهير.
وفي ظل الوضع السياسي
العالمي الجديد يتحتم على الحركة الماركسية ـ اللينينية النظر في الاستراتيجية الثورية
الجديدة الملائمة لها في علاقتها باستراتيجية بناء الأحزاب الماركسية ـ اللينينية،
الأداة الثورية الوحيدة الكفيلة بتنظيم جماهير العمال والفلاحين لمواجهة الاستراتيجية
الإمبريالية الجديدة والسياسات الاستعمارية الجديدة.
وتعتبر التجارب الثورية
العالمية أهم روافد الخط الأيديولوجي والسياسي للأحزاب الثورية حيث نضالاتها الثورية
مرتبطة بنضالات الحركة العمالية الثورية العالمية، إذ يعتبر النضال الثوري ضد الإمبريالية
أهم المنطلقات الثورية، وتشكل وحدة الطبقة العاملة التي نادى بها ماركس إحدى المهام
المركزية للحركة العمالية الثورية العالمية، ويشكل الخط الثوري للحركة العمالية بالبلدان
المضطهدة إحدى روافدها المهمة باعتبارها مستهدفة في الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة،
خاصة بالغرب الأفريقي وامتداداته بمجمل بلدان القارة الأفريقية.
ويعتبر ضرب الحركة
العمالية الثورية بهذه البلدان من بين المهام التي سطرتها الاستراتيجية الإمبريالية
الجديدة ضمن أولوياتها، مما يجعل النضال الثوري مرتبط أشد ارتباط بالتجارب الثورية
العالمية وخاصة السوفييتية، الصينية والفيتنامية.
موقع البلشفية في
الاستراتيجية الثورية
تعتبر الثورة البلشفية
إحدى أسس الخط الأيديولوجي والسياسي للحركة الماركسية ـ اللينينية لما لها من تأثير
كبير على بناء طريق الثورة في البلدان التي تحكمها أنظمة إمبريالية، فهي أول ثورة اشتراكية
أسقطت أوهام الإمبريالية وزعزعت أركانها في مرحلة تاريخية كان يتم فيها حسم الصراع
بين الإمبرياليات حول تقسيم العمل عالميا خلال الحرب الإمبريالية العالمية الأولى.
وتم تحقيق سيطرة البروليتاريا على السلطة في دولة ديكتاتورية البروليتاريا، دولة السوفييتات،
دولة العمال والفلاحين والجنود الثوريين.
ولم يسلم الوطن الاشتراكي
من هجوم الإمبريالية وحلفائها البورجوازيين والملاكين العقاريين الكبار من أجل إجهاض
الثورة الاشتراكية وإعادة الرأسمالية إلى روسيا، فخلال الحرب الإمبريالية العالمية
الأولى والحرب الأهلية تعلم الثوريون المحترفون بالحزب البلشفي الكثير حول مسألة البناء
الاشتراكي الذي وضع لينين أسسه المادية عبر مسألتين أساسيتين:
ـ ضرورة التحالف
الحربي بين العمال والفلاحين ضد تحالف البورجوازية والملاكين العقاريين الكبار/الكولاك
من أجل الانتصار في الحرب.
ـ ضرورة التحالف
الاقتصادي بين العمال والفلاحين في مرحلة البناء الاشتراكي في دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
وتشكل هاتين المسألتين
الأساس المادي التاريخي لنظرية البناء الاشتراكي في الوطن الاشتراكي حيث لا يمكن بناء
الاشتراكية دون القدرة على الدفاع عن الثورة الاشتراكية ضد الأعداء الطبقيين عالميا،
إقليميا ومحليا.
وتشكل الثورة الاشتراكية
في البلدان الرأسمالية الهدف المركزي للاستراتيجية الثورية عالميا من أجل إسقاط الأنظمة
الإمبريالية وتحرير شعوبها والشعوب المضطهدة.
وتعتبر وحدة الطبقة
العاملة في البلدان الرأسمالية إحدى الأسس المادية لانتصار البروليتاريا على البورجوازية
وبناء دول ديكتاتورية البروليتاريا بها.
ووضعت الثورة البلشفية
أسس النضال الطبقي الاشتراكي ضد الرأسمالية الإمبريالية عبر ممارسة العنف الثوري لتحالف
العمال والفلاحين في مواجهة عنف تحالف البورجوازية والملاكين العقاريين الكبار عبر
ديكتاتورية البروليتاريا ضد ديكتاتورية البورجوازية.
ويشكل الأحزاب الماركسية
ـ اللينينية التنظيمات السياسية الوحيدة القادر على تحقيق هذه المهام الثورية والتي
وضعت الماركسية اللينينية أسسها المادية والنظرية، خلال التجربة الثورية بروسيا (الثورة
الديمقراطية البورجوازية 1905/1907 وفبراير/مارس 1917 والثورة الديمقراطية البروليتارية
في أكتوبر 1917) ودور البروليتاريا فيهما.
لقد تعلم البلاشفة
من هزيمة الثورة الديمقراطية البورجوازية الأولى كيفية التراجع الصحيح من أجل بناء
الهجوم الصحيح، وكان الحزب البلشفي الحزب الوحيد الذي استطاع رص صفوفه وإعادة بناء
قوته من منطلقات ثورية جديدة، بينما باقي الأحزاب البورجوازية الصغيرة التحريفية والإصلاحية
غرقت في الرجعية على طول الخط، مما أهله لقيادة الثورة الديمقراطية البروليتارية في
أكتوبر 1917.
إن الحزب الثوري
هو الذي يتعلم في زمن الأزمة أكثر مما يتعلمه خلال أيام الرخاء كما استنتج لينين، وذلك
عبر استراتيجية التراجع الصحيح واستراتيجية الهجوم الصحيح، ولما يقرر الحزب الثوري
إشهار سلاحه فليس تمة فرصة للتراجع بعد ذلك ولو في ظل تحقيق انتصارات قليلة الأهمية
يتم الحفاظ على مكتسباتها، كما أكد لينين ذلك.
وقام ستالين بتطوير
دور الحزب البلشفي خلال مرحلة البناء الاشتراكي وأعطاه بعدا أدق وأشمل انطلاقا من المبادئ
الأساسية للحزب الثوري، التي وضعها لينين بوضعه لعلم قيادة البروليتاريا إلى السيطرة
على السلطة في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا، واستطاع ستالين بلورة مفهومي علم التكتيك
والاستراتيجية لدى لينين في قيادته للحرب ضد النازية والفاشية اللتين سحقهما خلال أطوار
الحرب الإمبريالية العالمية الثانية، ولم يتم ذلك إلا بفضل قيادة الحزب الماركسي ـ
اللينيني الذي يتسم عمله السياسي الثوري بالانضباط الحديدي والطاعة الثورية للمناضلين
الثوريين المحترفين.
ولعب الحزب البلشفي
دورا هاما في إعادة بناء ما دمرته الحرب الإمبريالية على دولة ديكتاتورية البروليتاريا
من أجل تدمير التجربة الاشتراكية.
واستطاعت التجربة
الاشتراكية توحيد شعوب وقوميات الاتحاد السوفييتي في ظل نظام اشتراكي امتد إلى شرق
أوربا، وأسس سوق تجارية اشتراكية عالمية مناقضة للسوق التجارية الإمبريالية العالمية،
في الممارسة الثورية ضد الإمبريالية على المستوى الاقتصادي مما أحدث تناقضا أساسيا
في الأساس الاقتصادي العالمي.
ولما تم التخلي عن
تعليم الماركسية اللينينية في البناء الاشتراكي في علاقته بقيادة الحزب البلشفي تم
تحريف الطريق الثوري إلى الشيوعية، مما ركز من جديد ديكتاتورية البرجوازية وتم سحق
ديكتاتورية البروليتاريا وتم تفكيك دول الاتحاد السوفييتي، ولم يتم ذلك بين عشية وضحاها
إنما استمر هذا التفكيك أزيد من خمس وثلاثين سنة من تدمير البنية الأساسية للدولة الاشتراكية
وتحولت روسيا إلى دول إمبريالية.
موقع الثورة الصينية
في الاستراتيجية الثورية
تعتبر التجربة الثورية
الصينية الشكل الثاني من التجارب الثورية التي أفرزتها الصراعات الطبقية بين الاشتراكية
والرأسمالية في عصر الإمبريالية، وتختلف عن الثورة البلشفية بكونها تمت في بلد شبه
مستعمر ودولة شبيهة بالإقطاع، كما تعتبر النموذج الثوري المكمل للثورة البلشفية في
بعدهما العالمي، في التناقض بين الثورة الديمقراطية البورجوازية والثورة الديمقراطية
البروليتارية، وفي تكاملهما في الانتقال من الديمقراطية البورجوازية إلى الديمقراطية
البروليتارية، التي دعا إليها لينين حيث المهام الثورية للبروليتاريا لا تتوقف عند
حدود الديمقراطية البورجوازية بل تتعداها إلى تحقيق الديمقراطية البروليتارية، فلا
يمكن تحقيق الديمقراطية كاملة إلا بسيطرة البروليتاريا على السلطة في ظل ديكتاتورية
البروليتاريا حسب النظرية الماركسية اللينينية.
وعمل ماو تسي تونغ
على بلورة مفهوم الديمقراطية البروليتارية التي سماها "الديمقراطية الجديدة"
في بلد يسود فيه نظام شبه إقطاعي لم تنضج فيه شروط الثورة الاشتراكية بعد، التي تتطلب
بلوغ مستوى الرأسمالية في مراحلها العليا أي الإمبريالية كما هو الشأن في روسيا.
وأكد ماو تسي تونغ
على دور البورجوازية الوطنية في التحالف الطبقي ضد الإمبريالية وحلفائها الكومبرادور
والملاكين العقاريين الكبار، من التحالف في حرب التحرير الشعبية التي قادها الحزب الشيوعي
الصيني والسيطرة على السلطة بقيادة البروليتاريا إلى البناء الاشتراكي في بلد مضطهد
من طرف الاستعمار الإمبريالي.
وكان للحزب الشيوعي
الصيني دور كبير في بلورة التكتيك والاستراتيجية الثوريين أثناء حرب التحرير ضد الإمبريالية،
فكان للتحالف التاكتيكي مع الكومبرادور أثناء الحرب الإمبريالية العالمية الثانية أثر
كبير في انتصار حركة التحرر الوطني، وكان لاستراتيجية التحالف الطبقي بين البروليتاريا
والفلاحين أثر كبير في القضاء على الكومبرادور خلال حرب التحرير الشعبية وسيطرة البروليتاريا
على السلطة، وجاء التحالف التاكتيكي مع البورجوازية الوطنية من أجل التسريع ببلورة
الشروط المادية للبناء الاشتراكي في دولة ديكتاتورية البروليتاريا.
إن التحالف الطبقي
المركزي في البناء الاشتراكي هو التحالف الحربي والاقتصادي بين البروليتاريا والفلاحين
وفق النظرية الماركسية اللينينية، ويبقى التحالف الطبقي لهاتين الطبقتين الاستراتيجيتين
في الثورة مع البورجوازية الوطنية في التجربة الصينية تحالف تاكتيكي، نظرا لشروط الحياة
المادية لتحقيق الثورة الاشتراكية التي لم تنضج بعد بالصين لكون البنية الرأسمالية
ضعيفة فيها وفي وطن شاسع غالبية سكانه فقراء، حيث لا يمكن الحديث عن الثورة الاشتراكية
دون وجود مقدمات الأساس الاقتصادي الرأسمالي في أعلى مراحلها/الإمبريالية.
وهكذا تكون الثورة
الصينية قد أتمت مقومات النظرية الماركسية اللينينية ممارسة حول مفهوم الثورة في عصر
الإمبريالية، في التناقض بين أقلية من الدول الإمبريالية التي تضطهد شعوب البلدان الفقيرة
للسيطرة على ثرواتها الطبيعية وترويج سلعها في السوق التجارية العالمية، وبين الغالبية
العظمى من الدول الكومبرادورية التابعة للإمبريالية التي تقوم باضطهاد شعوبها في ظل
التحالف الطبقي بين الرأسمال الإمبريالي والرأسمال الكومبرادوري ضد مصالح الشعوب المضطهدة.
إن العلاقة الجدلية
بين الثورات الاشتراكية في ظل الديمقراطية البروليتارية بالدول الإمبريالية والثورات
الوطنية الديمقراطية الشعبية بالبلدان المضطهدة من طرف الدول الكومبرادورية، يحيلنا
إلى العلاقة الجدلية بين التحالف الطبقي بين البروليتاريا بالدول الإمبريالية والبروليتاريا
بالدول الكومبرادورية وحلفائهما الطبقيين الفلاحون والبورجوازية الوطنية في التجربة
الصينية.
وهكذا فإن الثورتين
البلشفية والصينية صيغتين متناقضتين متكاملتين لطريق انتصار الثورات الاشتراكية على
الدول الإمبريالية، طريق الثورات البروليتارية يكون فيها الحزبان الشيوعيان البلشفي
والصيني الصيغتين التنظيميتين المتكاملتين في تحقيق الثورة الاشتراكية عالميا.
التجربة الثورية
الفيتنامية
تعتبر التجربة الثورية
الفيتنامية المحك الحقيقي للثورة البلشفية والصينية حيث تمت في بلد مستعمر سكانه فلاحون
استطاع القائد الثوري هو شي منه بلورة مفهوم الثورة الجديدة في مواجهة الإمبريالية
في أعتى تجلياتها، من النضال الثوري العالمي في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي والتجربة
البلشفية مرورا بالقيادة العسكرية في الثورة الصينية وصولا إلى النضال الثوري بأوساط
الفلاحين وبناء التجربة الثورية الفيتنامية في علاقتها ببناء الحزب الشيوعي الفيتنامي
وقيادة الحرب الثورية ضد الإمبريالية.
استمرت الحرب الثورية
الفيتنامية ثلاثين شنة بعد الحرب الإمبريالية الثانية التي انتصرت فيها الحزب البلشفي
وانبثقت فيها عبقرية الحرب الشعبية بالصين بقيادة الحزب الشيوعي، فما كان أمام القائد
هو شس منه إلا أن يقود بناء تجربة ثورية جديدة في ظل أعتى نيران حرب إجرامية قادتها
الإمبريالية الأمريكية بعد فشل الإمبريالية الفرنسية في حربها ضد الشعب الفيتنامي بعد
معركة ديان بيان فو، وعاش الحزب الشيوعي الفيتنامي أقوى لحظات بنائه تحت القصف العسكري
الرهيب للإمبريالية الأمريكية التي استعملت جميع وسائل الدمار الشامل ضد ثورة الفلاحين.
في ظل المقاومة العسكرية
للشعب الفيتنامي بقيادة الحزب الشيوعي يعيش الاتحاد السوفياتي والصين صراعات أيديولوجية
وسياسية عميقة عصفت بالمد الشيوعي عالميا، وكان الحزب الشيوعي السوفييتي يقود تدمير
البناء الاشتراكي بينما الحزب الشيوعي الصيني في طور قيادة البناء الاشتراكي في أفقر
دولة، مما ساهم في وضع الحزب الشيوعي الفيتنامية في محكة قيادة الحرب الثورية وحيدا
ضد الإمبريالية الأمريكية القائدة للحروب اللصوصية.
كانت الاستراتيجية
الثورية للحزب الشيوعي الفيتنامي بقيادة هو شي منه والجنرال جياب بعد موته قد بلورت
عقيدة عسكرية فريدة من نوعها تم نقلها إلى باقي العام بعد انتصار الثورة الفيتنامية،
واستمرت بلورتها في الحروب الثورية ضد الحروب اللصوصية التي تقودها أمريكا ضد الشعوب
المضطهدة بأسيا وأفريقيا وخلال المقاومة المسلحة لحركات التحرر الوطني بإفريقيا خلال
الستينات والسبعينات من القرن 20.
وكانت نظريات القائد
هو شي منه حول حرب العصابات التي بلورها منذ بناء الأنوية الأولى للجيش الشعبي الثوري
في 1941 في أوساط الفلاحين، قد تمت كتابتها على شكل دروس سياسية مبسطة قابلة للتطبيق
الميداني يستفيد منها الفلاحون المنظمون بجمعيات الدفاع الذاتي والعصبة الشيوعية بعد
التحام القبائل فيما بينها حول حرب التحرير الشعبية ضد الإمبريالية، وتم بناء مدارس
عسكرية سرية بالأدغال لدراسة العقيدة العسكرية الثورية ولتكوين الأطر العسكرية من طرف
الحزب الشيوعي الذي تم بناء أنويته الأولى بالكهوف والأكواخ في ظروف جد قاسية، وتم
نقل هذه النظريات من طرف القائد العسكري الثوري الجنرال جياب عبر العالم إلى فلسطين،
ظفار، لبنان، إيران، الصحراء الغربية وغيرها.
ورغم قلة الدراسات
حول الحزب الشيوعي الفيتنامي واهتمام الماركسيين اللينينيين بتجربته الثورية تبقى عقيدته
العسكرية النموذج الثوري القوي في الاستراتيجية الثورية ضد الاستراتيجية الإمبريالية
الجديدة، وتركت بصماتها على التجارب الثورية الحديثة في العالم بعد انحراف جميع الأحزاب
الشيوعية في منتصف السبعينات من القرن 20.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire