النقد العلمي المادي لتجربة 30 غشت - 1
نعمل على نشر مقالات نقدية لما نشر في موقع 30 غشت كبداية للعمل الكبير الذي ينتظرنا والذي أعطينا انطلاقته بمقال "30 غشت : انطلاق النقد العلمي المادي للتجربة"، هذا العمل الذي سبقته مجموعة من المقالات نشرت في 2014 وتم توقيفها بشكل مؤقت.
لقد ترددنا كثيرا قبل أن نقرر تناول كتابات هذا المناضل الماركسي اللينيني الذي تناول جزءا هاما من تاريخ الحركة الماركسية ـ اللينيننية المغربية التي شارك فيها بشكل من الأشكال إلى جانب مناضلين كبار في تلك المرحلة أمثال الشهيد عبد اللطيف زروال وأبرهام السرفاتي قبل ارتداده، والغاية من تناول هذه الكتابات بالتحليل والنقد إنما يروم تسليط الأضواء على مرحلة تاريخية من تاريخ النضال الثوري ببلادنا تم فيها بدل الكثير من أجل تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية ببلادنا، هذا العمل الثوري الذي يروم حسم السلطة لصالح الطبقة العاملة والفلاحين، سلطة الشعب في مواجهة سلطة ديكتاتورية البورجوازية التبعية، العمل الثوري في مواجهة السياسات الاستعمارية الجديدة.
في تقديم عام للمناضل فؤاد الهلالي لتجربة منظمة "إلى الأمام" وبعد سرد مجموعة من وثائق المنظمة التي تبين مدى قوة العمل النظري والصراع الأيديولوجي والسياسي في الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، هذا العمل الذي لا يقابله ما يوازيه من الممارسة العملية حيث المنظمة لم تطلق رصاصة واحدة تعلن هويتها السياسية العسكرية الثورية. وقام الكاتب بالإسهاب في سرد مجمل الوثائق التي أصدرتها المنظمة عبر إسهامات مناضليها دون أن نرى في كتاباته ما يوازي ذلك من الممارسة العملية الثورية للمنظمة التي تعمد الكاتب إغفالها في نقده الذاتي للمنظمة، وكأن المنظمة عبارة عن ورش نظري للثقافة الماركسية اللينينية.
في التقديم العام الذي قدمه المناضل فؤاد اختزل بداية تاريخ الحركة الثورية في نتيجة هذه الحركة وهي انتفاضة 23 مارس 1965 التي اعتبرها منعطفا تاريخيا لنضال الشعب المغربي، والتي اعتبرها كذلك "نقدا دمويا لأحزاب الإصلاح" و"مؤشرا على بداية إفلاس الخط البورجوازي الصغير لأحزاب الإصلاح ..."، هنا تعمد الكاتب إغفال مرحلة تاريخية حاسمة في العمل الثوري الذي قاده المناضلون الثوريون لليسار الثوري بعد إفلاس العمل السياسي الاصلاحي للبورجوازية الصغيرة في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن 20 الذين اختاروا طريق العمل السياسي العسكري وحملوا السلاح، هذا المؤشر الذي سيعتبره الكاتب عملا بلانكيا والذي رفضته المنظمة ووجهت له نقدا لاذعا دون إعطاء البديل في الممارسة العملية العسكرية الثورية، وذهب الكاتب مع النظرية الثورية للمنظمة بعيدا في غياب الممارسة العملية لهذه النظرية التي سيعتبرها فيما يلي من كتاباته "استراتيجية ثورية" لكن دون القدرة على حمل السلاح الذي يعتبر المرحلة العليا في العمل السياسي الثوري، الذي تجرأ عليه ما تسميهم المنظمة بالبلانكيين الذين استثناهم الكاتب في كتاباته لتاريخ العمل الثوري ببلادنا ليختزل مؤشر بداية العمل الثوري الحقيقي في "الانطلاقة الثورية" بعد انتفاضة 23 مارس 1965.
إن هذا النوع من التعاطي مع تاريخ بلادنا إنما هو عمل تجزيئي مخالف لقواعد النظرية الماركسية اللينينية التي تعتمد المادية التاريخية في التعاطي مع الأحداث التاريخية دون إغفال جميع التفاصيل الدقيقة في تفكيكها وتركيبها لإعادة بناء العمل الثوري بناء ماديا تاريخيا حتى لا تتم إعادة مأساة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.
إن هذا النوع من الكتابات لتاريخ العمل الثوري ببلادنا إنما هو يغلب عليه الوصف وإقحام الذات في الموضوع بعيدا عن التعاطي الموضوعي في تناول التجربة بالنقد والنقد الذاتي، فما جدوى إذن هذا النوع من الكتابات إن لم يرم تشريح ذات المنظمة وتحليلها ونقدها نقدا ماديا تاريخيا ؟ ما جدوى هذا العمل التأريخي الذي يقحم الذات في الموضوع بشكل تعسفي الذي حول الصراع الأيديولوجي والسياسي داخل المنظمة إلى عمل شخصاني ؟
إن مثل هذا العمل كغيره من جل كتابات المساهمين في الحركة الماركسية ـ اللينينينة المغربية في سنوات 1970/1980 إنما هو عمل تقديسي للتجربة التي تترفع عن هذا الأسلوب من التنويه والإثراء الذي يحولها إلى أيقونة تضر بدماء الشهداء.
بعد سرد وجيز لطبيعة الأحزاب الاصلاحية وطبيعة النظام "كومبرادوري تبعي" كما جاء على التقدم العام كأن هناك كومبرادور غير تبعي مع العلم أن طبيعة الكومبرادور هي خدمة أسياده الإمبرياليين وهو يلعب دور الوكيل التجاري للرأسمال في بلده، بعد هذا السرد المليء بالأخطاء كالقول " ... لأحزاب الإصلاح التي مرت بفترة انعاش امتدت من 1958 إلى 1965 لتبدأ في الإندحار باندلاع أحداث الإنتفاضة المجيدة لسنة 1965" ولم يكلف الكاتب نفسه عناء توضيح هذا الإنعاش في الوقت الذي تجاهل فيه دور العمل السياسي العسكري للجناح العسكري لليسار الثوري في هذه المرحلة التاريخية الهامة من التاريخ الثوري الشعب المغربي، لينتقل بنا إلى اعتبار 1970 "سنة تلاقي العوامل الموضوعية والذاتية وتضافر الجهود لتأسيس وتشكيل الأنوية الرئيسية للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية"، في تجاهل تام لاستمرار العمل السياسي العسكري لليسار الثوري إلى حدود 1973 الذي يتم نعته بالبلانكية دون قدرة المنظمة على ربط العلاقة مع هذا الخط لتحويل هذا العمل الثوري البلانكي في الواقع الموضوعي إلى عمل ثوري استراتيجي أو على الأقل الاستفادة منه في الممارسة العملية الثورية حيث المنظمة لم تحمل يوما السلاح، وكما هو معروف في جميع الحركات الثورية العالمية فإن حمل السلاح شرط أساسي في طبيعة أي منظمة تسمي نفسها ثورية، ويتجاهل الكاتب أن العمل البلانكي من بين الأساليب الأساسية في العمل السياسي الثوري العسكري وجزء هام من عمل أي منظمة ثورية ماركسية ـ لينينية وأسلوب ضروري في العملية الثورية، فبدون حمل السلاح لا يمكن نعت عمل المنظمة بالثوري ودون استراتيجية العمل السياسي العسكري للمنظمة لا يمكن أن تتقدم في إنجاز مهامها الثورية المسطرة نظريا في استراتيجيتها للسيطرة على السلطة، ذلك ما أغفله الكاتب في جميع كتاباتها التي ستأتي بعد هذه المقدمة التعسفية لإقحام الذات في الموضوع.
واختزال بداية العمل الثوري الماركسي ـ اللينيني في 1970 إنما يريد اختزال تاريخ الشعب المغربي في نهج أسلوب القطيعة الإبيستيمولوجية مع مجمل التراكم النظري للثورة المغربية منذ بداية القرن 20 كأنما الصحوة الثورية الهائلة قد حدثت فجأة في 1970، إن هذا النوع من التعاطي مع التجربة الثورية المغربية إنما يرو إبراز الذات عن الموضوع وتقديس الشخصنة باعتبار كل من لم يعش هذه المرحلة التاريخية وبالأخص في أحضان الحركة الماركسية ـ اللينينية بالذات ليس له تاريخ ثوري.
إن هذا النوع من التعاطي مع التجربة الماركسية ـ اللينينية المغربية إنما هو تعبير عن الإنحطاط الفكري وضيق الأفق النظري وتجميد الحركة الثورية ببلادنا، فبدل أن يقوم الكاتب بتشريح هذه التجربة التي يقول أنه عايشها بما لها وما عليها لم يستطع التنكر للأساليب التي نهجها من سبقوه لتناول هذه التجربة والذين يطغى في عملهم التمجيد والإثراء في الذات بدل ممارسة النقد الذاتي المادي التاريخي للمرحلة.
فدون تناول هذه التجربة بالنقد لا يمكن للحركة الماركسية ـ اللينينية أن تتقدم وهي تحمل معها جميع الأمراض التي لم يتجرأ أحد من دوي الرصيد في هذه التجربة في تقديم النقد الذاتي الموضوعي لها ما داموا أحياء، أما وإن أصبحوا في عداد الموتى فللباحثين الحق في تحليل وتشريح وتجزيء وتركيب أعمال هؤلاء الكتاب المرموقين في كتابة تجاربهم الخاصة الخالية من قواعد أدب السيرة الذاتية في علاقتها بالموضوع.
ينتقل الكاتب إلى تناول العوامل الموضوعية المساهمة في نشأة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وضمنها منظمة "إلى الأمام" وذلك بمزيد من الوصف الخالي من التحليل المادي التاريخي كما هو معتاد في جميع التحاليل التجزيئية المعروفة لدى الأحزاب الاصلاحية التي يوجه لها الكاتب النقد في قوله "تحدثنا أعلاه عن تلاقي الظروف وتضافر الجهود الفاعلة في تأسيس الحملم سنة 1970 إلا أنه لابد من التذكير بأن تلك النشأة لم تكن فقط رغبة ذاتية بقدر ما كانت كذلك نتيجة لضرورة موضوعية ستعبر عن نفسها أواخر الستينات وصولا إلى لحظة التأسيس سنة 1970 كتتويج تركيبي وبلورة وتركيز لعدة أفكار وتصورات أجابت عن تساؤلات المرحلة التاريخية لدى العديد من المناضلين الثوريين المغاربة".
بعد هذه المقدمة الموجهة لكتاباته ينتقل الكاتب إلى وصف الوضع السياسي والطبقي وصفا تقليديا : عالميا، وطنيا، ذاتيا، بشكل لا يختلف تماما عن التحليل البورجوازي والوصف الصحفي ولا يختلف عن التأريخ الخالي من النظرة السوسيولوجية للأحداث في تجاوز تام للنظرية الماركسية ـ اللينينية التي تتبناها المنظمة، هذا النوع من التأريخ الذي لا يفيد كثيرا تقديم التجربة على حقيقتها التاريخية نظريا وممارسة والذي تطغى عليه الذاتوية التي لم تكن حتى في مستوى الإطاروية الأكاديمية مما يجعل هذا النوع من العمل خاليا من الرغبة في تعليم الأقلام الناشئة في صفوف الشباب الماركسي أسلوب التعاطي المادي التاريخي للتجربة الثورية ببلدنا.
هنا لا نرغب في تناول ظاهرة الذاتورية في تقديم العمل الثوري السري في تجربة المنظمة للمس في شخص الكاتب إنما يجب التنبيه إلى خطورة مثل هذا التعاطي مع تجربة ثورية أعطت الكثير من التضحيات الجسام دون قدرة المساهمين فيها على حمل أمانة نقدها نقدا ماديا تاريخيا للمساهمة في تطوير العمل الثوري ببلادنا.
ينتقل بنا المناضل فؤاد الهيلالي إلى دور الحركة الطلابية في نشأة منظمة "إلى الأمام" هذا الشق من موضوعاته يريد اختصاره حيث يعتبره في قوله "قد يطول بنا نظرا لما لهاته العلاقة من أهمية بالغة" هذا الارتباط العضوي بالحركة الطلابية طالما قيد عقول المساهمين في تجربة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ونشاهد تداعياته اليوم في الجامعات وما خلفه ذلك من تطاحنات ميدانية بين جل الفصائل الطلابية التي تدعي انتسابها إلى الخط الأيديولوجي والسياسي للمنظمة، فرغم أن المؤسسين الحقيقيين للحركة الماركسية ـ اللينينية من السياسيين المنحدرين من التجربة اليسارية الثورية الشيوعية والاشتراكية إلا أن الكاتب يحاول إعطاء المنظمة الطلابية أكثر مما تستحقه لكونها فقط مجالا من مجالات العمل السياسي للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، ونظرا لعجز المنظمة أو بالأحرى مناضلي المنظمة عن توسيع هذه المجالات لتشمل الطبقة العاملة كطبقة أساسية في المشروع الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية يتم اختزال نشاط المنظمة في مجال الحركة الطلابية، ذلك ما ذهب الكاتب إلى إبرازه لكن دون تكليف نفسه عناء نقد هذا النهج الذي ساهم في عقم دينامية الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وأدخلها في طاحونة الهواء داخل أسوار الجامعات.
وبدل أن يعمل المناضل فؤاد الهيلالي على إبراز دور الحركة الطلابية في إغناء مجالات عمل المنظمة أخذ في إبراز دور الطلبة الشيوعيين في تطوير الحركة الطلابية في اتجاه تثويرها في مواجهة الإصلاحية مبرزا ذلك في قوله "اتساع دائرة نفوذهم(أي الطلبة الشيوعيين) بل سيطرتهم على مجموعة من المعاهد والمدارس العليا مثال: المدرسة المحمدية للمهندسين(EMI)، المدرسة الوطنية للادارة(ENA)، وINSEA الشيء الذي استمر إلى حدود ما قبل تشكيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين"، مما يجعل الكاتب يسقط في الوصف بدل التحليل المادي التاريخي والذاتية بدل الموضوعية في تناول الحركة الطلابية ودورها في تطوير الحركة الماركسية ـ اللينينية وخاصة منظمة "إلى الأمام"، دون أن يستطيع الكاتب منح المنظمة الطلابية حقها في ذلك دون تجاوز حدود العمل السياسي على المستوى الجماهيري العام خاصة دور المنظمة في قيادة نضالات الطبقة العاملة والفلاحين.
ويواصل الكاتب سرد مجمل الوقائع والأحداث والمواقف السياسية لحزب التحرر والاشتراكية ليبرز سدادة موقف الانسحاب من هذا الحزب الإصلاحي من طرف مجموعة من المناضلين من بينهم شباب تلاميذ (الكاتب من بينهم) وطلبة اختاروا صف الثورة بدل الإصلاحية، إلا أنه لم يعر اهتماما لدور الأطر السياسية الذين ساهموا في قيادة الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية وضمنها هؤلاء الشباب، كما لم يعر اهتماما يذكر للطلبة الوافدين الجدد على هذه التجربة ومن بينهم الشهيد عبد اللطيف زروال الذي لم يعش تجربة الحزب الإصلاحي إنما هو مناضل ثوري أصبح قياديا لهذه المنظمة، وبدل التركيز على دور الجامعة في فرز أطر ثورية جديدة استطاعت ضخ الدماء في صفوف المنظمة يسهب الكاتب في سرد أحداث حزبه الإصلاحي وظروف وشروط وأسباب الانسحاب كأنما التحريفية هي وليدة 1968 عند تغيير اسم الحزب الشيوعي المغربي.
إن مثل هذا التعاطي السردي الوصفي الخالي من عناصر أدب السيرة الذاتية إنما هو خروج عن إطار التحليل الماركسي للأحداث التاريخية ونقدها نقدا بناء يستطيع تقويمها وإعطاءها نفسا طويلا للاستمرار في التطور بدل تقديمها على أنها جامدة لا حركة فيها. وهنا نضع السؤال التالي على الكاتب وهو ألا يمكن أن نعتبر انحدار قيادات المنظمة من الحزب الشيوعي التحريفي المغربي عاملا أساسيا في إبراز التحريفية من جديد داخل المنظمة في وقت مبكر ؟ إن مثل هذه التساؤلات الحرجة يتفاداها الكاتب ولم يكلف نفسه عناء طرحها فبالأحرى تحليلها وإبراز أهميتها في نقد تجربة منظمة "إلى الأمام" بل أكثر من ذلك يغض الطرف عنها ويقدم المغادرين لهذا الحزب الإصلاحي على أنهم ثوريون.
واستمرارا في نهج السرد والوصف الخالي من التحليل المادي التاريخي يمطرنا الكاتب بمزيد من الوقائع والأحداث الطلابية التي تركز على الشكليات بدل تحليل مضمونها الطبقي كقوله مثلا "هكذا وفي هذا السياق ستعرف الجامعة أول مرة انتخابات دون لوائح مضمونة ومسبقة بل تعتمد على تقديم البرنامج والشعار مما ساهم في بث الحماس لدى الطلبة الذين بدأوا يشاركون بقوة في الانتخابات حيت ستعرف هذه الأخيرة حضورا قياسيا من حيت عدد المشاركين ( 600 مشارك بدل 160 أو 200 مشارك في الانتخابات). ضمن هذا التوجه بدأت اللوائح الشيوعية تحظى بأغلب الأصوات"، هنا يسقط الكاتب في التعاطي البورجوازي لمؤشرات تطور الحركة الماركسية ـ اللينينية بالجامعات حيث يعتبر عملية الانتخابات من بين العوامل التي يمكن أن تساهم في تطور الفكر الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية وأن السيطرة على أجهزة المنظمة الطلابية كفيل بنشر هذا الفكر الجديد على الساحة الطلابية والتاريخ يكذب ذلك، فما بالنا إذا ربطنا هذا التعاطي البورجوازي الصغير مع الأحداث بالجامعات ودور المنظمة الطلابية في قيادة الحركة الثورية في غياب وجود منظمة ثورية مرتبطة بالطبقة العاملة واختزال كل هذا الدور في التواجد داخل الحركة الطلابية، فمتى كانت الانتخابات تعبيرا عن طريق الثورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا ؟ ومتى كانت السيطرة على أجهزة المنظمة الطلابية أداة لبناء منظمة ثورية صلبة جماهيريا ؟ ذلك ما كذبه التاريخ المأساوي للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية التي تعيش اليوم نكسات اختيار طريق الثورة في صفوف البورجوازية الصغيرة.
لا نريد هنا الإسهاب في سرد الأمثلة المملة التي قدمها الكاتب على شكل أحداث ووقائع منفصلة عن مضمونها المادي التاريخي إلى حد شخصنة المواقف وتسمية المجموعات بأسماء زعمائها الموهومين إنما يهمنا هنا هو إبراز عدم قدرة الكاتب على الخروج عن المألوف في تناول مثل هذه القضايا السياسية الكبرى.
لم يستطع المناضل فؤاد الهيلالي التخلص من ثقافة سائدة في صفوف المحللين البورجوازيين الصغار حتى بلوغ مستوى التناول الميكانيكي للأرقام وتوظيفها بشكل تجزيئي واعتبارها مؤشرات على تقدم الفكر الماركسي اللينيني في صفوف الحركة الطلابية، هذا الأسلوب الذي ما زال مستمرا في صفوف التيارات اليسارية داخل الحركة الطلابية إلى حد إبراز تيارات تحريفية تقودها مخلفات العناصر التحريفية المنبثقة من جديد في صفوف منظمة "إلى الأمام"، ولن يكون بعيدا مثل هذا التعاطي كتعبير عن ارتباط الكاتب بمخلفات التحريفية لتجربة منظمة "إلى الأمام" التي يقودها حزب النهج الديمقراطي الذي أسس فصيلا تحريفيا بالجامعات المغربية، فهل المناضل فؤاد الهيلالي اختار العمل في صفوف ما يسمى طلبة اليسار التقدمي بعد فشله في ربط علاقات ناجحة مع فصيل الطلبة القاعديين ؟
إن تناول تجربة منظمة "إلى الأمام" بهذا الشكل اللامادي اللاتاريخي إنما يضر بتاريخها أكثر مما يخدم الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ويقدمها على أنها عبارة عن رقم سياسي كان في الماضي ولم يصبح له وجود اليوم بل نقدها وتقييمها وتقويمها لخدمة طريق الثورة المغربية، والذي يجب من تناول هذه التجربة هو تقديمها على أنها بالفعل حركة مليئة بالتناقضات التي يجب الوقوف عند أهم هذه التناقضات التي لها دور كبير في استمرارها في الوجود أي في تناول جوهرها المتحرك الذي يعطيها قوة وحركة لتلعب دورها في الحياة السياسية الثورية ببلادنا.
يجب تناول هذه التجربة الثورية بالنقد والنقد الذاتي لكون الكاتب تحمل المسؤولية داخل المنظمة كما يقدم نفسه للقراء وعليه دمج كيانه وتجسيده داخل هذه التجربة بدل جعل نفسه أحد المشاهدين لأحداثها ووقائعها المنفصلة عن الذات، فالكاتب لم ينجح في جعل القراء يشعرون بالاندماج في حياة هذه التجربة كمكون من مكونات التجارب الثورية المغربية بقدر ما وضعهم بعيدا عن أحداثها ووقائعها مما يجعل المطلعين على هذه الكتابات يسقطون في ملل من قوة تأثير الوصف والسرد المتواصل والمجرد من الإثارة والتشويق ناهيك عن التحليل المادي التاريخي.
وفي نهاية تناوله لدور الحركة الطلابية في تطور الحركة الماركسية ـ اللينيننية المغربية والتناقضات بين مكوناتها وبين الأحزاب الإصلاحية وبروز تعبيراتها في صفوف الفصائل الطلابية المتناقضة ختم الكاتب هذا الفصل بالسبب الرئيس في عرقلة مسار الثورة المغربية في قوله "ويبقى أن تقاطع العوامل الموضوعية والذاتية وخاصة غياب حزب الطبقة العاملة المغربية المفتقدة لأداتها السياسية بعد فشل تجربة الحزب الشيوعي في التشكل كحزب ثوري للطبقة العاملة، كان حاسما في توفير شروط النشأة لمنظمة "إلى الأمام" أي توفر الضرورة الموضوعية المعبرة عن نفسها في تلاقي الظروف الموضوعية وتضافر الجهود الذاتية نهاية الستينات لإطلاق مسلسل البناء هذا" انتهى قول الكاتب، ويرجع بنا الكاتب إلى صلب الموضوع ألا وهو فشل نشأة الحزب الشيوعي الإصلاحي في التطور إلى حزب ثوري متناسيا أن هذا الحزب قد استمد تحريفية بارتباطه بالحزب الشيوعي السوفييتي الذي انحرف منذ 1956، ذلك ما شكل بالنسبة إليه عاملا من عوامل نشأة منظمة "إلى الأمام" كضرورة موضوعية من أجل بناء الحزب الثوري المغربي.
مع الأسف الشديد لم يختلف نهج كتابات المناضل فؤاد الهيلالي عن باقي كتابات التحريفيين التي يناهضها رغم أنه تحمل عناء البحث في تاريخ المنظمة طويلا قد تجاوز 20 سنة منذ خروجه من السجن.
ينتقل بنا المناضل فؤاد الهلالي إلى جزء مهم من كتاباته وهو ما سماه "التشكيلة الاجتماعية المغربية" بغية وضع السياق العام للصراع الطبقي الذي يحكم مرحلة بروز الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية محاولا تحديد طبيعة النظام الطبقي الذي يحكم البلاد، وهو يبدأ بما سماه "سيرورة الاندماج ومحاور الاستراتيجية الاستعمارية ونتائجها وآلياتها" محاولا تحديد الشروط المادية العالمية التي أنتجت النظام التبعي الرأسمالي ببلادنا وانعكاساته على التشكيلة الاجتماعية المغربية والتحولات التي طرأت عليها، وفي مقدمته يعرض ما سماه في قوله: "نعرض هنا هذه المقدمة حول التشكيلة الاجتماعية المغربية بشكل عام وحول الظرفية التي كانت تمر بها انطلاقا من 1970 إلى حدود بداية الثمانينات وذلك لوضع كل الوثائق في هذه الحلقة ضمن سياقها التاريخي الموضوعي حيث تتسارع الاستراتيجيات والسياسات ضمن صراع طبقي يحكمه التناقض الرئيسي للتشكيلة الاجتماعية في تلك المرحلة وحيث التناقضات الثانوية تتأثر وتتحدد بذلك التناقض في علاقة جدلية مستمرة" انتهى قول الكاتب، وهو يعرض هنا مجموعة من الإشكاليات الاستراتيجية والسياسية ذات العلاقة بالسياسة الإمبريالية ببلادنا في الظرفية التاريخية لعقد السبعينات من القرن 20 ذات العلاقة بكتاباته التي تحكمها العلاقة الجدلية بين تطور التشكيلة الاجتماعية المغربية بشكل عام بتناقضاتها الرئيسية والثانوية وبروز منظمة "إلى الأمام" ضمن هذا السياق التاريخي العام، فهل نجح الكاتب في بلورة تصور مادي تاريخي لهذه المرحلة التاريخية الهامة من تاريخ المغرب الحديث ؟ أم أنه سقط في أسلوب التحليل التجزيئي المعتاد لدى جل المحللين البورجوازيين للصراعات الطبقية بالمغرب ؟
ذلك ما سنحاول تناوله فيما جاء في هذه المقدمة التي حاول فيها الكاتب إبراز ملامح الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي واندماج التشكيلة الاجتماعية المغربية فيه في قوله: "عرفت التشكيلة الاجتماعية المغربة أولى مراحل اندماجها في النظام الرأسمالي العالمي ابتداء من 1850 (أي منذ المرحلة التجارية للرأسمالية العالمية) حين بدأت سيرورة اندراجها في شبكة علاقات التبادل الغير المتكافئ القائم على نزع الفائض الاقتصادي من دول العالم الثالث ونقله إلى مركز النظام الرأسمالي لدعم عملية التراكم الرأسمالي" انتهى قول الكاتب، بالنظر إلى هذا الجزء الهام من مقدمته لبلورة تصور عام حول التشكيلة الاجتماعية بالمغرب يسقط الكاتب في أطروحة التجزيئيين البورجوازيين وذلك عبر مجموعة من الأخطاء النظرية أولها يتجلى في قوله :"أولى مراحل اندماجها في النظام الرأسمالي العالمي ابتداء من 1850 (أي منذ المرحلة التجارية للرأسمالية العالمية)" انتهى قول الكاتب، هنا حدد المناضل فؤاد الهلالي مرحلة من مراحل تطور الرأسمال التي يقسمها المحللون الماركسيون إلى ثلاثة مراحل أساسية وهي: مرحلة الرأسمال التجاري، مرحلة الرأسمال الصناعي، مرحلة الرأسمال المالي. ودون الدخول هنا في التفاصيل فالكل يعلم أن مرحلة الرأسمال التجاري قد بدأت ما بين القرن 13 و 14 في إيطاليا ذات العلاقة بالتطور التجاري من الشمال إلى الجنوب عبر الطرق التجارية التي لعبت فيها دول شمال إفريقا (تونس، الجزائر، مراكش) دورا هاما، وبالرجوع إلى أولى الدراسات السوسيولوجية لدى المؤرخ بن خلدون يمكن الوقوف عند أهمية منطقة شمال أفريقيا في تطور التجارة العالمية والمحللون الماركسيون يعتمدون كتابات هذا الباحث الاجتماعي الذي بلور بداية التحليل السوسيولوجي للتاريخ، إذن اندماج المغرب في الرأسمال التجاري أو بالأحرى دوره التاريخي في تأسيس هذه المرحلة من مراحل الرأسمال لم يبتدئ في 1850 بل هو أعمق من ذلك لكون الحركة الاقتصادية والاجتماعية بشمال أفريقيا بلغت أوجها في القرن 13، ولم تعرف هذه المنطقة تراجعا إلا بعد سقوط غرناطة واكتشاف طرق تجارية بحرية عبر استعمار أمريكا في 1492 أي في نهاية القرن 15 وهذا لا يعني أن هذه المنطقة خرجت من مضمون الاندماج في الرأسمال التجاري لكونها من بين مؤسسي هذه المرحلة التاريخية من تاريخ البشرية أي بروز الرأسمال التجاري المسيطر على التجارة العالمية. ودون الدخول في التفاصيل فإن دور صادرات المعادن والنسيج وغيرها تمثل أبرز معالم تطور التجارة العالمية والرأسمال التجاري بين دول شمال أفريقيا والعالم الغربي الأوربي إلى حد طبع ثقافات البلدان الأوربية بنوع محدد من المواد المصدرة إليها من تونس كما هو الشأن بالنسبة لمدينة "بجاية" التونسية المشهورة بتصدير الشمع الممتاز إلى أوربا إلى حد تسمية الشموع باسمها La bougie إضافة إلى تصدير أجود الصوف المسمى باردو ...
أما محاولة تحديد التشكيلة الاجتماعية المغربية من طرف الكاتب بالرجوع إلى 1850 إنما هو جهل بالتاريخ وسقوط في المنظور التجزيئي لتحليل الوقائع والأحداث التاريخية، وهذه المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب إنما هي مرحلة أوج سيطرة الرأسمال الصناعي (أي الرأسمالية التنافسية) على التجارة العالمية وتجاوز مرحلة الرأسمال التجاري ووضع ملامح الرأسمال المالي الذي تحدث عنه ماركس في كتاباته حول الاقتصاد السياسي وبلوره لينين في كتاباته حول الإمبريالية (الرأسمالية الاحتكارية) أي مرحلة سيطرة الرأسمال المالي على التجارة العالمية.
والذي غاب عن الكاتب أثناء محاولته تحديد التشكيلة الاجتماعية المغربية هو دور المغرب في مراحل سابقة من تطور الرأسمال أي الرأسمال التجاري ودوره في وضع أسس الرأسمال دون القدرة على تجاوز هذه المرحلة بعد بروز الدول الاستعمارية الأوربية وأساسا إسبانيا والبرتغال واحتلال أمريكا وتطور الصناعة أي الثورة الصناعية الأوربية التي أنتجت الرأسمال الصناعي، ولكن رغم ذلك لم تتم القطيعة بين المغرب وما يجري عالميا إلا أن العلاقات الخارجية للنظام الحاكم بقيت في حدود التبادل التجاري والتركيز على الصادرات خاصة في المدن الساحلية بعد تفكيك الدولة الموحدية ونشأة الدولة المرينية وبعدها السعدية فالعلوية التي ختمت مراحل الانحطاط لتركز في المغرب نظاما كومبرادوريا بامتياز، هذا النظام الذي بلغ مداه في مرحلة الإمبريالية حيث شرعن الاستعمار لإنقاذ حكمه من الانهيار في بداية القرن 20 مع بداية اندماجه في التبعية الرأسمالية الإمبريالية التي بلغت مداها في 1956 مع تركيز نظام كومبرادوري وضع أسس اندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالي، هذا الاندماج الذي بلغ مداه في سنوات السبعينات من القرن 20 عند القضاء على جميع مظاهر الاقتصاد الوطني وهيكلة مؤسسات النظام من برلمان وجماعات محلية وأحزاب والشروع في خوصصة المؤسسات الوطنية المالية والصناعية والفلاحية بعد الشروع فما بات يسمى التقويم الهيكلي.
كما غاب عن ذهن الكاتب أن المقصود باندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالية ليس هو مجمل العمليات الإحصائية والرقمية في المجال التجاري والصادرات إنما هي عملية معقدة يدخل فيها الأيديولوجي والسياسي وتأثيرها على الاقتصادي في اتجاه القضاء على ملامح تداعيات النظام الاشتراكي عالميا في مجمل العمليات الاقتصادية من أبسطها إلى أعقدها، وتعتبر مرحلة سنوات 1970 ـ 1980 أهم مرحلة تاريخية في الانتقال من المنظور الوطني للدولة الذي كان مسيطرا آنذاك على الساحة السياسية بفضل تداعيات الكفاح المسلح ضد المستعمر القديم والجديد (المقاومة المسلحة وجيش التحرير، المجموعات المسلحة المرتبطة باليسار الثوري)، وتكتسي هذه المرحلة التاريخية أهميتها في كونها مرحلة انتقالية على المستوى العالمي اقتصاديا وسياسيا حيث بداية تحكم الإمبريالية في مصير العالم سياسيا واقتصاديا بعد التحقق من حتمية سقوط التجارب الاشتراكية بالاتحاد السوفييتي وشرق أوربا وسقوط التجربة الصينية في 1976 بعد موت ماو تسي تونغ.
لهذا فنشأة أو إعادة بناء اليسار الثوري على غرار الحركة الماركسية ـ اللينينية ما هي إلا حتمية تاريخية أنتجتها شروط انهيار الأحزاب الشيوعية عالميا بقيادة الحزب الشيوعي السوفييتي بعد التخلي عن التجارب الاشتراكية واندماج هذه الأنظمة في سيرورة النظام الإمبريالي.
مع الأسف الشديد ورغم أن الكاتب ينتمي إلى اليسار الماركسي اللينيني إلا أنه لم يستطع التجرد من مخلفات التحاليل التجزيئية ذات المنحى البورجوازي المتناقضة مع التحليل المادي التاريخي الماركسي ذلك ما يتجلى في جرده المسهب لبعض المعطيات الشكلية المجردة من مضمونها المادي والتي تعتبر نتاج السياسات الإمبريالية، بدل الغوص في الأسباب المادية التاريخية الحقيقية المشكلة للتناقضات الأساسية والثانوية في التشكيلة الاجتماعية المغربية، وندرج هنا هذا المثال الصارخ في وصف سياسة الإمبريالية الفرنسية بالمغرب في مرحلة الاستعمار القديم في قول الكاتب: "وقامت الاستراتيجية الامبريالية الفرنسية بالمغرب على خمس محاور أساسية:
1 ـ الاستيلاء على خيرة الأراضي الخصبة للبلاد وتسليمها للمعمرين على حساب جماهير الفلاحين مع الإبقاء على أراضي الإقطاعيين، الدعامة الأساسية للاستعمار.
2 ـ الاستحواذ على المناجم والمعادن ونهبها وتصدير خيراتها إلى المراكز الرأسمالية.
3 ـ الاعتماد على الوجود العسكري المباشر كدعامة لاستعمار البلاد: (جيش وقواعد عسكرية وأجهزة قمعية(.
4 ـ اعتماد سياسة تقوم على تحالف المعمرين والإقطاعيين والمخزن مع استثناء فئات من البورجوازية المغربية وعلى حساب أوسع جماهير الفلاحين.
5 ـ الاعتماد على الوظيفة الإيديولوجية للسلاطين لتمرير الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية ضدا على مصالح أوسع فئات الفلاحين بالبوادي والكادحين بالمدن" انتهى قول الكاتب.
لكن لم يبزر الكاتب دور الحرب الإمبريالية على المغرب بعد 82 عاما من استعمار الجزائر ودور مقاومة الفلاحين المسلحة المنظمة لها والتي أصبحت من بين التجارب الثورية العالمية، ثورة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب في 1912 الذي نصب نفسه ملكا في مملكته وتمت مبايعته من طرف القبائل بالجنوب وسيطر على مراكش وطرد الإقطاعي الكلاوي منها وأعلن الحرب على الإمبريالية الفرنسية واستمرت بجبال الأطلس الصغير إلى حدود 1934، وامتداداتها بالصحراء الغربية وتداعياتها اليوم هناك جون أن يكون للحركة الماركسية ـ اللينينية موطأ قدم هناك، وثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في 1919 التي بنت ولأول مرة في تاريخ شمال إفريقيا دولة وطنية ديمقراطية شعبية استمرت إلى حدود 1926، أذهلت الإمبريالية الفرنسية والإسبانية اللتان تحالفتا من أجل سحقها بتعاون مع جيش النظام الكمبرادوري الملكي، هاتين الثورتين اللتان لم تتم يوما القطيعة في تطورهما إلى حد الآن، وكانتا ملهمتين للثوار في العالم بما فيهم ماو تسي تونغ الذي يعتمده الكاتب في تحاليله الأيديولوجية دون القدرة على السير في نهجه الذي يقر بأهمية دراسة الثورة المحلية والاستفادة منها.
أما النقاط الخمس التي أشار إليها الكاتب فهي نتيجة للسياسة الإمبريالية العدوانية على الشعب المغربي وقواه الحية وعلى رأسها الفلاحون حملة السلاح المنظمون بعد الانتصار المرحلي للإمبريالية.
نكتفي بهذا النموذج الحي للتحليل الخالي من المنظور المادي التاريخي للوقائع والأحداث التاريخية في مرحلة مهمة من تاريخ بلادنا يريد الكاتب وضعها بين أيدي الشباب الثوري، هذا الأسلوب البورجوازي الصغير الذي يطبع كتابات جل المحللين التجزيئين غير المقبول في كتابات يعتبرها صاحبها أنها تتناول قضايا أيديولوجية وسياسية وتنظيمية ذات العلاقة باستراتيجية طريق الثورة بالمغرب.
نواصل سلسلة كتابات حول نقد تجربة منظمة إلى الأمام من خلال كتابات فؤاد الهيلالي لكشف ما يشوب الكتابة السياسية من شوائب نتيجة طغيان التجزيئية والذاتوية على التحليل المادي التاريخي، مما يجعل هذه الكتابات غير قادرة على القيام بمهامها التاريخية المتجلية في نقد التجربة وإعطاء الحلول لأزمة الحركة الماركسية ـ اللينينية وفتح الأفق للمشروع الثوري الذي تحمله.
تبقى التساؤلات المطروحة هي هي :
لماذا لم تستطع الكتابة السياسية بالمغرب أن تخرج من هذا النفق المسدود طيلة عقود كبلت عقول الكتاب السياسيين ؟
بين الانتقال من التجزيئية إلى المادية التاريخية تقف الذاتوية والسياسوية حجرة عثرة ضد ممارسة النقد والنقد الذاتي، أهي إرادة ذاتية أم موضوع مركبة في شخصية الكتاب السياسيين ؟
بين تمجيد الماضي وتغليب الذات على الموضوع في تناول الأحداث التاريخية بشكل تعسفي والتطلع إلى المستقبل يظل الحاضر في حركة متذبذبة يرغب في التقدم دون القدرة على تجاوز مخلفات الماضي، ذلك ما يمكن أن نلمسه في كل الكتابات السياسية بالمغرب التي تسقط في الذاتوية وشخصنة الصراعات السياسية داخل الإطارات والعجز أمام جدلية النقد والنقد الذاتي، الكتابات السياسية التي ترى عزاءها في تقديس الماضي وتركيز المقدس والمقدسات والدفع بها للوصول إلى مستوياتها العليا إلى حد تقديس مصطلحات تقليدية تجاوزها التاريخ.
نتناول هنا ما سماه الأستاذ فؤاد الهيلالي "الدولة المخزنية ونظام الحكم السياسي الكمبرادوري للكتلة الطبقية السائدة" كعنوان وضعة لفصل مهم في تناوله للتشكيلة الطبقية والاجتماعية بمغرب السبعينات، قبل الانتقال إلى تناول مضمون هذا الفصل نريد أولا تفكيك عناصره ماديا تاريخيا وإعادة تركيبها حتى يتبن لنا مضمون الخطاب التقليدي الذي تحمل والغارق في التشبث بالماضي وتمجيده، ونبدأ بمصطلح "الدولة المخزنية" كمفهوم تقليدي للأساس الاقتصادي الذي يميز دولة معينة سماها الكاتب "المخزن" وهو مصطلح فضفاض تمت وراثته عن الكتابات التأريخية التقليدية للمؤرخين البرجوازيين المعمرين الفرنسيين، وهو من جهة أخرى مصطلح تتداوله التحريفية وتعطيه أهمية كبرى في تناولها للصراعات الطبقية بالمغرب نتيجة التذبذب الذي أصاب أيديولوجيتها الحاملة للصفة الفوضوية والعفوية.
الدولة من المنظور الماركسي هي أداة قمع طبقة لطبقات مضطهدة في مجتمع معين كما وضع ماركس وإنجلس ذلك وأكده لينين في كتابه الدولة والثورة، الدولة تستند في بنياتها إلى الأساس الاقتصادي الذي يطبع نظامها السياسي والاقتصادي والعسكري فهل هناك مفهوم "دولة مخزنية" ذات أساس اقتصادي معين ؟
الدولة كمفهوم، حددت الماركسية بناءها المادي التاريخي في علاقته بتطور الأنظمة الاقتصادية الأربعة الأساسية (المشاعة، العبودية، الإقطاع، الرأسمالية) وحددت أسس الصراعات الطبقية فيها، وخلصت إلى إبراز الصراعات الطبقية في النظام الرأسمالي كنظام سائد عالميا في مراحله العليا الإمبريالية والدولة الاحتكارية منذ أوائل القرن 20، والدولة الاحتكارية أنتجت دولا رأسمالية تبعية تدور في فلكها بعد اقتسام العمل عالميا وركزت فيها أنظمة تبعية تخضع لسياسات الاستعمار الجديد في العلاقة بين الدول الإمبريالية والدول الكومبرادورية أي التبعية.
هذا المصطلح الفضفاض "المخزن" الذي استعملته الكتابات التأريخية التقليدية وركزته الكتابات البورجوازية الاستعمارية للمعمرين للفصل بين الدولة المركزية ودول الحكم الذاتي بالقبائل، بين الأرستقراطية المدنية والأرستقراطية القبلية، بين الحكم بالمدن والحكم بالبوادي، بين حكم "السلطان" وحكم القواد القبليين، هي إذن بنية تقليدية للدولة كما وجدها الاستعمار القديم لما احتل بلاد المغرب، فهل مصطلح "المخزن" يرقى إلى مفهوم سياسي للدولة يمكن أن يدخل ضمن مفاهيم الكتابة المادية التاريخية أم أن هذا المصطلح يبقى رهين عقلية الكتابة التقليدية للكتاب المتشبثين بالماضي ؟ وما موقع هذا المصطلح في قاموس الصراعات الطبقية بالدولة الكومبرادورية أي في الأساس الاقتصادي للدولة التبعية ؟ وهل استطاع هذا المصطلح أن يكتسب صفة مفهوم يدخل ضمن مفاهيم التحليل المادي التاريخي أم أنه صفة تستعمل للتمييز التقليداني ؟
لم يستطع هذا المصطلح دخول قاموس الكتابات المادية التاريخية كمفهوم كما دخلها مفهوم الكومبرادور نظرا لكونه يفتقد للشروط المادية التاريخية الضرورية لطبع مرحلة تاريخية معينة كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الكومبرادور، فهل يصح تسمية دولة بهذه الصفة الفضفاضة إلا من باب الكتابة التقليدية القديمة التي لم تستطع دخول التاريخ إلا تعسفا ضمن تمجيد الماضي والإثراء في ذلك بشكل تعسفي يروم تركيز البلبلة والتذبذب الفكري لتسييد النظام السائد ؟
في المقابل يدرج الكاتب نوع النظام الذي يميز ما سماه "الدولة المخزنية" وهو "نظام الحكم السياسي الكومبرادوري" أي نظام سياسي تبعي للدولة الاحتكارية وهنا استكمل الكاتب صفة الدولة التي يريد تحليل الوضع السياسي بها في ظل الصراعات الطبقية وسماها "الدولة المخزنية الكومبرادورية" وربطها بدخول المغرب مرحلة الاستعمار الجديد، من خلال فهم الكاتب لطبيعة الدولة في مغرب السبعينات يتبين التذبذب الفكري في تحديد المفاهيم بإقحامه تعسفا صفة "المخزن" على الدولة ومحاولة إدماج مفهوم "الكومبرادور" الذي دخل قاموس الكتابة المادية التاريخية في مرحلة الصراعات الطبقية التي عاشتها الثورة الصينية في القرن 20، ما جدوى إذن من إضافة مفهوم "الكومبرادور" إذا كان مصطلح "المخزن" يطبع صفة الدولة في مغرب السبعينات واستمرارية هذه الصفة في المرحلة الراهنة في عقول الكتاب التقليديين ؟
ربما يرى الكاتب أن مصطلح "المخزن" لا يفي بما يروم التعبير عنه ويضيف إليه تعسفا مفهوم "الكومبرادور"، نظرا لتعاطفه مع الثورة الصينية، لكون مصطلح "المخزن" بقي حبيس العقلية التقليدية للكتابة التأريخية ولم ينبثق هذا المصطلح ماديا تاريخيا من عمق الصراعات الطبقية للثورة المغربية كما هو الشأن في الثورة الصينية، وهل يطمح الكتاب الماركسيون التقليديون أن يصبح يوما هذا المصطلح الفضفاض مفهوما يدخل قاموس المادية التاريخية أم أنه سيظل عزاءهم لإبراز التمايز في الكتابة التأريخية ؟
إن إضافة صفة معينة كمفهوم مادي تاريخي لا يمكن أن يتم إلا من صلب الصراعات الطبقية للثورات الاجتماعية كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الماركسية والماركسية اللينينينة كمفهومين يعبران عن مرحلتين تاريخيتين من الصراعات الطبقية ضد الإمبريالية والدولة الاحتكارية، لهذا فاستعمال مصطلح "المخزن" لتمييز صفة الدولة بمغرب السبعينات والاستمرار في تداول هذا المصطلح إنما يندرج ضمن التقليد والتقليدانية التي تكرس التبعية لقيود الماضي المظلم، ذلك ما يشكل عائقا أمام الارتقاء بالفكر الماركسي بالمغرب إلى مستوى التحليل المادي التاريخي، ليبقى المنهج التجزيئي البورجوازي هو السائد لدى الكتاب السياسيين الذين يكبلهم الحنين إلى الماضي وتقديسه إلى حد تكريس مصطلحات لا أساس ماديا تاريخيا لها، يستعملونها لتحليل أوضاع سياسية تعرف تطورا سريعا منقطع النظير في الوقت الذي يضعون أمام أعينهم تغيير هذه الأوضاع دون القدرة على تجاوز مخلفات الماضي.
هكذا تندرج كتابة المناضل فؤاد الهيلالي ضمن الكتابات السياسية التقليدانية التي لا يستطيع إبداع أساليب متطورة باستعمال التحليل المادي التاريخي لأوضاع تحتاج إلى التغيير أكثر مما تحتاج إلى الوصف كما قال ماركس يوما، لذا فإن أي كتابة يمكن أن نسميها ماركسية دون القدرة على القطيعة الإبستيمولوجية مع قيود الكتابة التقليدانية إنما هو يضر بالحركة الماركسية ـ اللينينية أكثر مما يقدم لها خدمة في اتجاه التغيير، وما لم يستطع الكتاب السياسيين خاصة منهم الماركسيين تغليب الموضوع على الذات وبلورة جدلية النقد والنقد الذاتي إنما تبقى كتاباتهم على صفحات جامدة تنتظرها الرفوف وتأكلها الأرضة.
لقد رأينا فيما سبق سقوط الكاتب في استعمال مصطلحات يعتقد أنها مفاهيم ماركسية لينينية لتحديد طبيعة الدولة التي يقوم بتحليل الوضع السياسي بها وتطوره حسب مراحل تشكلها في علاقتها بالتشكيلة الاجتماعية التي تواكب هذا التطور، وسماها الكاتب "الدولة المخزنية الكومبرادورية"، وينتقل بنا إلى سرد مجموعة من الأحداث التاريخية التي سادت في فترات تاريخية محددة وأهمها : فترة 1956 ـ 1960.
لم يخرج الكاتب عن نطاق منهجه التجزيئي الذي اعتمده في تحديد التشكيلة الاجتماعية وتناقضاتها الطبقية على شكل سرد وقائع وأحداث تناولها بأسلوب العرض الصحفي دون القدرة على ربطها بالأساس الاقتصادي المادي الذي نتجت عنه، وسقط في أسلوب السرد على شكل "فلاشات" متناثرة هنا وهناك محددة بالزمن والمكان دون بناء التراكم الكمي الذي أعطى صفة الكيف لهذه الأحداث، التي تعبر عنها عبر التناقضات الطبقية التي أطرت الصراع الطبقي بين الطبقات المتناقضة داخل دولته التي حددها، ذلك ما يتجلى في الفوضى التي عمت السرد المسهب للأحداث في غياب الربط الديالكتيكي لمجمل النتائج التي توصل إليها في تحليله في غياب تام لتناول الأسباب الحقيقية لهذه النتائج.
وبدأ تحليله بتحديد عام لطبيعة سياسة الدولة التي حدد كما يلي :"انبنت وتعززت ركائز الدولة المخزنية الكمبراورية في سياق دخول التشكيلة الاجتماعية المغربية مرحلتها الاستعمارية الجديدة وهي بذلك جاءت كاستجابة للاستراتيجية الامبريالية الجديدة ومقتضياتها وأهدافها من أجل إحكام القبضة على الموارد الطبيعية والاقتصادية للبلاد في ظل صيغة جديدة تنقل المغرب إلى مرحلة الاستعمار الجديد."، وحدد المرحلة بأنها جديدة مرتبطة باستعمار جديد لاستمرار استغلال الثروات الطبيعية والاقتصادية في ظل تداخل ارتباط واندماج مصالح الطبقات الكومبرادورية بمصالح الرأسمال الإمبريالي وسما ذلك :"الأساس المادي الذي حكم على الطريق الإصلاحي والاستراتيجيات المرتبطة به بالفشل الدائم والمستمر"، بمعنى أن العمل السياسي الإصلاحي للأحزاب الإصلاحية يبقى دون جدوى في ظل "تنفيذ اختبارات النظام الطبقي الكومبرادوري" أي في ظل تسيير الأحزاب الإصلاحية لحكومات الدولة التي حددها الكاتب، وحدد بناءها المادي المرتبط بالرأسمالين الإمبريالي والكومبرادوري.
وهكذا يعيد الكاتب تطبيق نفس التصورات التجزيئية للوضع السياسي في دولة لم يحدد طبقاتها الأساسية المتصارع في ظل الصراعات الطبقية الجديدة في مرحلة الاستعمار الجديد والأساس الاقتصادي الذي يتحكم في تحديد مسار التناقضات بينها، بين البناء الثوري والبناء الإصلاح والعلاقة بينهما، بين الطبقات الاسترالتيجية الثورية والطبقات البورجوازية الإصلاحية بجميع فئاتها، بين السياسة الثورية التي تستهدف السيطرة على السلطة والسياسة الإصلاحية خادمة الطبقات المسيطرة على السلطة، بين المنتجين بالمدن والبوادي والنخب السياسية البورجوازية المرتبطة بالدولة الكومبرادورية، بين التحالف الاستراتيجي الثورية والتحالف الطبقي الإصلاحي، بين تحالف العمال والفلاحين الثوري والتحالف الكومبرادوري الإصلاحي ...
وبقي الكاتب حبيس التركيز على شكل الصراعات الطبقية دون القدرة على الوقوف على المضمون الثوري لهذه الصراعات خاصة في الفترتين التي تناولهما الكاتب بالدرس والتحليل (1956 ـ 1960 و1960 ـ 1972)، ولم يكلف الكاتب نفسه عناء التحليل المادي التاريخي للصراعات الطبقية في هاتين الفترتين الهامتين من تاريخ تشكل الصراعات الطبقية في مرحلة الاستعمار الجديد التي حددت البناء المادي لدولة تبعية للإمبريالية، ذلك ما يجعل الكاتب يسقط في تناقض منهجي وتذبذب فكري والخلط بين المصطلحات والمفاهيم العلمية المادية مما يحدث معه التشويش في الفهم والغموض في استيعاب الأفكار وتقييم المواقف.
نتناول في هذه الحلقة ما كتبه عن فترة 1956ـ1960 بالدرس والتحليل والوقوف على الأخطاء التي ارتكبها الكاتب والمرتبطة بالمنهج التجزيئي الذي اعتمده في تحليله، بدأ الكاتب بتحديده شروط استراتيجية الاستعمار الجديد وهو يقول :"طبقيا: ترميم أوضاع الطبقة السائدة من خلال الارتكاز على بقايا طبقة الملاكين العقاريين الشبه إقطاعيين والقيام بدمج عناصر البورجوازية التي كانت لها جيوب في الصناعة والفلاحة."، هنا يسقط الكاتب في عدم القدرة على تدقيق وتحديد المفاهيم العلمية المادية التي يحددها الأساس الاقتصادي في قوله :"بقايا طبقة الملاكين العقاريين الشبه إقطاعيين" بمعنى أن بقايا هذه الطبقة ستزول وقد تتحول إلى طبقة "الملاكين العقاريين".
وهل فعلا تحولت هذه الطبقة التي حددها الكاتب ولم يحدد موقعها في الأساس الاقتصادي للدولة الكومبرادورية ؟ ذلك ما كذبه تاريخ تطور تمركز الرأسمال في الزراعة التي لم تستطع بلوغ مستويات عليا في التطور حتى تقضب على الطبقات شبه الإقطاعية وتتحول إلى ملاكين عقاريين مستثمرين نظرا لطبيعة النظام التبعي السائد، كما أن ما سماه "والقيام بدمج عناصر البورجوازية التي كانت لها جيوب في الصناعة والفلاحة" يندرج ضمن نفس أخطاء المنهج التجزيئي الذي تشوبه الضبابية في المفاهيم والتذبذب في البناء الفكري، فما هي "عناصر البورجوازية" التي يقصدها الكاتب والتي يقول أنها "لها جيوب في الصناعة والفلاحة" ؟ وهل تطورت هذه "العناصر" واستحالت إلى بورجوازية أم أنها بقيت حبيسة ارتباطها بالنظام التبعي ؟ ذلك ما لم يستطع الكاتب الخوض فيه حيث لا يتسع المنهج التجزيئي الذي اتبعه للتحليل المادي التاريخي الكفيل بالتحليل الطبقي للصراعات الطبقية في مرحلة الاستعمار الجديد.
ولتركيز أسلوب منهجه التجزيئي يتناول الكاتب الصراعات الطبقية حول السلطة بتناول أشكالها التعبيرية الفوقية بعيدا عن البناء التاريخي المادي لهذه الأشكال التي تبرز في البنية الفوقية للنظام الكومبرادوري، ولم يستطع الكاتب تجاوز الملاحظات الشكلية للوقائع السياسية التي برزت في الأفق ويدرجها ضمن تناقضات الصراع حول السلطة ويقول عن شروط هذه الفترة التي تناولها بالتحليل :"من حيث التحالفات السياسية: القيام باقتسام مؤقت للحكم سياسيا مع حزب الاستقلال واللعب على تناقضاته الداخلية والاستفادة من تناقض الحزبين "الاتحاد الوطني للقوى الشعبية" وحزب "الاستقلال"، يبرز هنا عدم الوضوح في الرؤية لفهم الموقف السياسي لتوظيف الإصلاحية لتمرير السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري ويسميها الكاتب "اقتسام مؤقت للحكم سياسيا"، كيف اكتشف الكاتب وجود "اقتسام الحكم" إذا لم يكن ذلك نتيجة أخطاء المنهج التجزيئي المتسم بالمثالية والسولبيسسم ؟ ومتى كانت التناقضات بين الإصلاحية سببا في تنازل الكومبرادور عن جزء من سلطته المستبدة الدكتاتورية ؟
إن ما قام به النظام الكومبرادوري في تلك الفترة هو توظيف الإصلاحية وتناقضاتها الثانوية في "اللعبة السياسية" كما تسميها الإصلاحية وتهييئها لبناء أدوات سياسية جديدة تنسجم مع المرحلة الاستعمارية الجديدة تعبيرا عن تطور أساليب الممارسة السياسية في ظل الحفاظ على المضمون الطبقي للدولة الكومبرادورية وتجديد نخبها باستمرار، اقتباسا من أساليب التجديد في الميدان الاقتصادي التي تنهجها الرأسمالية لتجاوز أزماتها المرحلية عبر تجديد أشكال المشاريع الصغرى التي تعتبر أساسية في تجديد أساليب استغلال الرأسمال للعمل.
إن انسجام السياسي مع الاقتصادي في الأسلوب والممارسة في ظل التبعية الرأسمالية إنما يعبر عن اندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالي مما يحتم عليه تجديد أساليب الحكم للحفاظ على أسس السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية في ظل الدولة الكومبرادورية، إن تجديد أشكال الحكم مع الإبقاء على المضمون الطبقي للدولة إنما هو تكريس للهيمنة السياسية والسيطرة الاقتصادية بالقوة العسكرية وليس "اقتساما للحكم"، ومن طبيعة الإصلاحية الانتهازية والاستعداد لخدمة النظام الكومبرادوري على حساب مصالح الطبقات المضطهدة وعلى رأسها الطبقة العاملة، وليس كما يقول الكاتب :"كان الهدف ربح الوقت والقيام بتغطية سياسية للمذابح والتصفيات التي كانت تتعرض لها عناصر المقاومة المسلحة وجيش التحرير الوطني".
يركز الكاتب على الشكل وينسى المضمون الطبقي للأحداث متجاهلا علاقة حزب الاستقلال في التوظيف السياسي ضد حركة التحرر الوطني في مرحلة الاستعمار القديم قبل التصفيات في مرحلة الاستعمار الجديد، ودعم النخب السياسية البورجوازية الصغيرة بهذا الحزب لتصفية جيش التحرير والمقاومة المسلحة، والعمل على إدماج عناصرها الانتهازية في أجهزة البوليس والجيش لتشكيل الدرع العسكري للنظام الكومبرادوري حتى يستكمل البناء المادي لدولته الطبقية من صلب أدوات الدفاع الشعبي ضد الاستعمار القديم : جيش التحرير بالبوادي والمقاومة المسلحة بالمدن/التحالف العمالي الفلاحي الذي يجب تفكيكه.
كل ما أضافه الكاتب من شروط فيما سماه :"بناء الأجهزة القمعية والسياسية" و"التلويح بورقة الدستور" إنما يندرج ضمن التحليل التجزيئي العاجز عن تناول الطبقات الاستراتيجية في الثورة ذلك ما يعبر عنه قوله :"أما الجماهير (عمال، فلاحون فقراء، كادحون...) فقد فقدت أسلحتها (التي كانت قد بدأت تستعيدها بعدما نزعت منها على أيدي النظام الاستعماري وحلفاءه المحليين) وفككت تنظيمها واغتيل العديد من أطرها المناضلة. وقد كانت للأوهام الإصلاحية دور كبير في تجريد الجماهير من قواها المسلحة والقضاء عليها"، الذي ختم به تناوله لهذه الفترة في خلط تام بين الشكل والمضمون في ارتكازه على الشكل دون القدرة على ربطه بالمضمون الطبقي الذي انبثق منه، حيث أن حزب الاستقلال الذي قدمه الكاتب على أنه اقتسم السلطة مع الدولة "المخزنية" كما سماها إنما هو أداة في يد السلطة/السلطان كما كان يسمى لدى الجماهير، وأن هذا الحزب البرجوازي الصغير لعب دورا هاما في بلورة السياسة الطبقية للدولة الكومبرادورية في صراعها الثانوي مع الاستعمار القديم، في الجبال والسهول والوديان التي لم يكلف الكاتب نفسه عناء تفقدها قبل بداية تحليله للتشكيلة الاجتماعية حتى يقف على جرائم هذا الحزب الرجعي في حق الشعب المغربي خدمة للسلطان، الذي روج صوره بشتى أشكل وسائل النصب والاحتيال في أوساط الجماهير وجمع الدعم المالي خاصة فيما سمي "ثورة الملك والشعب" في غشت 1953، وكيف استطاع هذا الحزب البرجوازي الصغير تنظيم جماهير العمال والفلاحين وجزء مهم من حملة السلاح من العمال والفلاحين، والمشاركة الفعلية في تصفية العديد من قادة جيش التحرير بالبوادي والمقاومة المسلحة بالمدن، ذلك ما لا يمكن للكاتب تناوله لعدم امكانية استيعاب ذلك بواسطة تحليلي التجزيئي.
ينتقل بنا الكاتب إلى ما سماه "الفترة الممتدة من 1960 إلى 1972 "، هذه الفترة التي يعتبرها أنها يسود فيها "نظام استبدادي لا مثيل له" ويسميه "النظام الرجعي" ويحدد استراتيجيته في "ضمان استقرار عملية التراكم الرأسمالي الكومبرادوري وتوسيع القاعدة الاجتماعية للنظام وعزل التشكيلات السياسية للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة المطالبة بالمشاركة في الحكم"، وبقراءتنا لهذا التحديد الذي صاغه الأستاذ فؤاد لم نستطع فهم القصد من "البورجوازية الصغيرة والمتوسطة" التي "ترغب في المشاركة في الحكم" وما هي تعبيراتها السياسية ؟ ذلك أن الكاتب في محاولته لتحديد التشكيلة الاجتماعية التي انبثقت منها الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية ينحو منحى بورجوازي المنهج في التحديد والتعاطي مع الصراعات الطبقية، حيث يكتفي بتناول الشكلي من الصراعات دون التعمق في المضمون الطبقي لهذه الصراعات فلم يحدد لنا فئات هذه الطبقات التي يسميها "بورجوازية صغيرة ومتوسطة"، فاكتفى فقط باستعمال هذين المصطلحين دون تحديد ما يقابلهما في الواقع الموضوعي المادي في الأساس الاقتصادي وأين تتجلى قوة وضعف هذه الطبقات وفئاتها التي لم يحددها، وذلك ناتج عن عدم القدرة على ضبط التحليل المادي التاريخي الذي ينطلق من تحديد الأساس الاقتصادي الذي يعتبر مضمون الصراعات الطبقية لأي تشكيلة اجتماعية لمجتمع معين أساسا في التحليل، ويطغى على تناوله لهذه الفترة التاريخية الوصف الصحفي للأحداث التاريخية التي ميزته في علاقتها بشروط وظروف نشأة الحركة الماركسية ـ اللينينية، إنه تعربير عن ضعف المنهج التجزيئي الذي لا يستطيع الذهاب أبعد في التحليل إلى مستوى ربط الأحداث ماديا تاريخيا بعمق الصراعات الطبقية التي تحرك التاريخ ومعه باقي الأحداث التاريخية التي تطفو على السطح.
ولتحديد طبيعة "النظام الرجعي" الذي حدده الكاتب يبرز لنا أساليب سياساته المتبعة وفق استراتيجية ما سماه "زاوج النظام الرجعي بين استعمال الحديد والنار لقمع كل مقاومة لدى الجماهير وقواها المناضلة (القمع الدموي لانتفاضة مارس 65 واغتيال الشهيد المهدي بن بركة) وطبخ المحاكمات الصورية للمناضلين التقدميين (الاختطافات، الاعتقالات والمحاكمات السياسية) وإلى جانب ذلك التلويح بالانتخابات والدساتير الممنوحة والبرلمانات تم إعلان حالة الاستثناء للعودة لدساتير اكثر رجعية وانتخابات مزورة (دستور 62، 63، دستور 70)."، وفي قراءتنا لما سماه الكاتب "استراتيجية النظام الرجعي" نرى أنه لم يخرج عن نطاق الكشف الفوقي لمضمون طبيعة النظام الطبقية مكتفيا بإبراز بعض الأحداث التي يعتبرها مركز انطلاق مشروع الحركة الماركسية ـ اللينينية وأساسا "انتفاضة 23 مارس 1965" دون أن يبرز مضمون الصراعات الطبقية التي نتجت عنها هذه الانتفاضة الشعبية بمدينة عمالية بامتياز في تلك الفترة ذات الجذور الطبقية، في علاقتها بالمقاومة المسلحة في فترة مرحلة الاستعمار القديم باعتبار أن القوة الأساسية فيها هي الطبقة العاملة، في علاقتها بالجذور التاريخية لحركة الفلاحين في مقاومتهم للاستعمار القديم في مراحله الأولى والأخير مع بروز جيش التحرير بالشمال ونهايته المأساوية بالجنوب، في علاقة حركة التحرر الوطني بهذه المدينة العمالية، في علاقتها بالبوادي معقل المقاومة المسلحة، في العلاقة بين العمال بالمدينة العمالية والفلاحين بالبوادي، في علاقتها بالانتفاضة العمالية في 1952 والانتفاضة الشبيبية في 1965، في علاقتها بمجزرة العمال في 1952 ومجزرة المتظاهرين من عمال وطلبة وتلاميذ 1965، في علاقتها بين التحالف العمالي الفلاحي في مواجهة تحالف الكومبرادور والملاكين العقارين الكبار وبقايا الإقطاع، في علاقتها بما يسميه "البورجوازية الصغيرة والمتوسطة" أي الطبقة الوسطى التي تشكلت بالمدينة العمالية في خضم هذه الصراعات الطبقية، من تجار صغار ومتوسطين وحرفيين وموظفين في الإدارات العمومية وعلى رأسهم الأساتذة ...
واكتفى الكاتب في تحديد طبيعة "النظام الرجعي" في إبراز شكل سياساته القمعية في قوله : "وطبخ المحاكمات الصورية للمناضلين التقدميين (الاختطافات، الاعتقالات والمحاكمات السياسية)" التي لا تعدو أن تكون إلا شكلا لمضمون طبقي أعمق بكثير مما يتصوره الكاتب حيث اعتبرها "طبخ" بينما هي مخطط طبقي باعتبار أجهزة القضاء من أدوات القمع الطبقية، وفيما سماه الكاتب "التلويح بالانتخابات والدساتير الممنوحة والبرلمانات تم إعلان حالة الاستثناء للعودة لدساتير اكثر رجعية وانتخابات مزورة (دستور 62، 63، دستور 70)."، فالنظام الكومبرادوري لم يكتف ب"التلويح" بسياساته بل مارسها وفرضها بقوة الحديد والنار التي تكلم عنها الكاتب باحتشام تام دون القدرة على تشريح هذه السياسات ومنطلقاتها الطبقية كامتدادات للسياسات اللبرالية الاستعمارية التبعية للإمبريالية، التي تستهدف بناء دولة تبعية ذلت جذور بورجوازية كومبرادورية مضمونا وشكل ذات تعبيرات ليبرالية تطفو على السطح عبر بناء مؤسسات سياسية شكلية تخدم المشروع الطبقي للرأسمالية في بلاد المغرب.
وينتقل بنا الكاتب إلى تحديد ما أسماه "القاعدة الاجتماعية للنظام" بنفس الأسلوب المنهجي الفوقي الذي يعطي الأولوية للتحديد الوصفي دون الغوص في عمق البناء الطبقي في قوله :"خلال هاته الحقبة قام النظام الكمبرادوري بتحويل البادية المغربية إلى مناطق محاصرة معزولة عن النضال السياسي وذلك لتغطية عملية النهب والبلترة التي يتعرض لها الفلاحون لضمان الاستقرار لعملية التراكم الرأسمالي الكمبرادوري والعمل على توسيع قاعدته الاجتماعية من خلال دعم كبار الملاكين العقاريين الرأسماليين."، وهل قام النظام الكومبرادوري فقط بمحاصرة البوادي وعزلها عن النضال السياسي ؟ أم أنه جردها من أدواتها الدفاعية العسكرية في مجازر دموية في الشمال والجنوب والأطلس وسيطرته على مصادر ثرواتها الطبيعية ؟
ذلك ما لم يستطع الكاتب الغوص فيه مكتفيا بوصف فوقي لشكل التعبير الطبقي لطبيعة النظام الدموي خلال فترة الستينات من القرن 20 التي لعب فيها اليسار الثوري دورا هاما في زعزعة أركان النظام الكومبرادوري بحمل السلاح لمواجهته، وهنا نذكر الكاتب باستثنائه غير المبرر لسنة 1973 من هذه الفترة التي يحللها لتحديد طبيعة النظام والصراعات الطبقية التي واكبت ذلك وبالتالي تحديد التشكيلة الاجتماعية التي انبثقت منها الحركة الماركسية ـ اللينينية، لم يبرر لنا الكاتب هذا الاستثناء التعسفي لسنة شكلت امتدادا لحركة المعارضة المسلحة لليسار الثوري الذي سمته المنظمة البلانكية وهو امتداد للعلاقة بين الإنقلابين في 1971 و 1972 والحركة اليسارية الثورية، حيث حركة 03 مارس 1973 ما هي إلا تعبير عن ما تبقى من الحركة اليسارية الثورية المسلحة المرتبطة بقائدها عمر دهكون في علاقتها بالحركة المسلحة لشيخ العرب في أوائل الستينات.
لا يمكن إذن منهجيا أن نفصل سنة 1973 عن الفترة التي حددها الكتاب للدراسة والتحليل فهذه السنة مرتبطة عضويا بالحركة اليسارية الثورية المسلحة ضد النظام الكومبرادوري، فلماذا إذن فصلها الكاتب تعسفا ؟ ذلك ناتج عن ارتباطه بالمنهج التجزيئي الذي لا يرى في الأحداث التاريخية إلا ما يمكن أن يخدم الارتباط الأيديولوجي والسياسي للكاتب، ذلك ما يعبر عن الذاتوية في التعاطي مع دراسة وتحليل الأحداث التاريخية مما يجعل المنهج الذي اتخذه الكاتب ناقصا في أدواته التحليلية ومضامينه الدراسية العاجزة عن الذهاب بعيدا إلى مستوى عال من التحليل العلمي المادي للوصول إلى التحليل المادي التاريخي الذي تتطلبه الدراسة التي وضعها الكاتب بين أيدينا.
يكتفي الكاتب إذن بالوصف في الوقت الذي يجب عليه تعميق التحليل المادي التاريخي لفترة تاريخية مهمة في التاريخ الحديث لبلاد المغرب التي تم طبعها بحركة ثورية يسارية ماركسية ـ لينينية قلبت جميع حسابات النظام الكومبرادوري، في الوقت الذي يجب فيه تناول هذه الفترة التاريخية بالدرس والتحليل ماديا تاريخيا من أجل فهم التناقضات التي واكبت الحركة الماركسية ـ اللينينية طيلة خمسة عقود من التناقضات والأزمات تتطلب النقد والنقد الذاتي، يكتفي الكاتب وهو من بين المساهمين في هذه الحركة بالابتعاد عن التحليل النقدي المادي التاريخي مكتفيا بالسرد البسيط لأحداث تاريخية ظلت تتردد في كتابات البورجوازيين الصغار طيلة خمسة عقود من أزمة الذات للحركة السياسية المغربية، ويمكن أن نلمس هذا المستوى من التحليل في قول الكاتب :"وقد ساهمت هذه النضالات خاصة منذ 65 في انفضاح الخط الإصلاحي للأحزاب البورجوازية مما ساهم إلى جانب عوامل أخرى (هزيمة 67 ونتائجها انطلاق الثورة الفلسطينية، الثورة الثقافية الصينية، مايو 68 بفرنسا...) في تعبيد الطريق نحو نشوء الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية في 1970، كما ساهمت هذه النضالات في تفجير التناقضات الطبقية للنظام الكمبرادوري (محاولتي الانقلاب 1971، 1972)."، هنا يتوقف الكاتب عند حد 1972 الذي يريد أن يربطه بالنقد والنقد الذاتي للمنظمة الماركسية ـ اللينينية "إلى الأمام" تعسفا في الوقت الذي يسعى فيه إلى تحديد التشكيلة الاجتماعية والصراعات الطبقية التي أفرزت نشأة الحركة.
فيما تبقى من تحليله للفترة التي حددها ركز الكاتب على بعض المعطيات التاريخية التي أبرزها على شكل فلاشات متناثرة لا يجمع بينها أي رابط في تعبير تام عن تقاليد المنهج التجزيئي ذي البعد المثالي الذاتي والسوليبسيسم.
من خلال كتابات المناضل فؤاد الهيلالي وفي هذه الحلقة نواصل تفكيك منظور الكاتب حول تحديد التشكيلة الاجتماعية فيما سماه دخول المغرب مرحلة الاستعمار الجديد، وحدد الفترات التاريخية المميزة لهذه المرحلة (1956 ـ 1960، 1960 ـ 1972، 1973 ـ 1977) والكاتب يعتمد في دراسته على المنهج التجزيئي، وفي أسلوبه على طرح الأحداث على شكل "فلاشات" متناثرة لا تنسجم بحيث نلاحظ عدم انسجام التحليل في تناول هذه الفترات الثلاث ونجد اختلافا صارخا في تناول الفترة الأخيرة 73ـ77 عن تناوله للفترتين السابقتين في قول الكاتب "أما التصميم الخماسي لسنوات 73 – 77 فقد كان له دور في ولوج الرأسمال الكمبرادوري لمجال الصناعات التصديرية مثل النسيج، الملابس، الأحذية... وقد اتخذ التصميم الخماسي إجراءات لصالح سياسة سكنية في المدن استجابة لعملية تمركز الأراضي في البوادي على يد المعمرين الجدد (سياسة تجميع الملكيات الصغيرة)."، نلاحظ هنا كيف تحول من السياسي إلى الاقتصادي دون مقدمات تبرر هذا التحول في الطرح.
وبالنظر إلى ما قاله عن هذه الفترة التي ربطها بما يسمى المخطط الخماسي لا نجد جديدا يذكر في مقولته "ولوج الرأسمال الكومبرادوري لمجال الصناعة التصديرية مثل النسيج، الملابس، الأحدية ..."، وهنا يسقط الكاتب في إعادة إنتاج نفس الأفكار التي تم تداولها في الصحف الحزبية الإصلاحية على شكل تقارير صحفية دون القدرة على إعطاء أرقام تبرهن على التحول الممكن اكتشافه في هذه الفترة، ويضيف أن هناك "إجراءات لصالح سياسة سكنية في المدن استجابة لعملية تمركز الأراضي في البوادي على يد المعمرين الجدد (سياسة تجميع الملكيات الصغيرة)."، دون أن يبين لنا الكاتب أين يتجلى ذلك ؟ وما هي خلفياتها السياسية وتأثيرها في الصراعات الطبقية ؟ فقط قدم لنا الكاتب معلومات متناثرة خالية من أي تحليل مادي تاريخي مما جعله يسقط في الوصف الصحفي الخالي من أي تحقيق ميداني سياسي ـ اقتصادي.
كل ما سيأتي به الكاتب عبارة عن معلومات متداولة في الصحف الحزبية الإصلاحية التي يوجه لها النقد دون القدرة على نقدها ماديا تاريخيا وإعطاء البديل التاريخي لها كقوله :"وقد ساهمت قضية الصحراء في طرح ما سمي ب"الإجماع الوطني " حول النظام بمباركة الأحزاب الإصلاحية التي ساهمت في الدعاية ل "المسلسل الديمقراطي" والقبول بالسلم الاجتماعي كشرط لدخوله وذلك بدعم من فرنسا."، والملاحظ لهذه الفقرة يكتشف عدم التركيز في اختيار المعطيات والمفاهيم والمصطلحات الواردة فيها وعلاقة الأحداث بالمواقف المطروحة فيها، حيث هناك خلط بين السياسة الطبقية للنظام ومواقف الإصلاحية حولها، فكما رأينا سابقا لم يستطع الكاتب الوقوف عند دور الإصلاحية في سياسة النظام، رغم أنه يقدم لها النقد، والتي تم تسخيرها من طرف النظام الكومبرادوري لتمرير سياساته الطبقية لمحاربة اليسار الثوري واليسار الماركسي اللينيني. فقول الكاتب ب"ساهمت قضية الصحراء" لم يف بالمعنى السياسي للقضية كما أن مصطلح "الصحراء" دون تحديد صفتها هل هي "مغربية" أم "غربية" ؟ يطرح تساؤلات أمام القارئ السياسي، هل سقطت هذه الصفة سهوا أم أن الكاتب تعمد الاكتفاء بمصطلح "الصحراء"؟ وإسقاط صفة "الغربية" كما هو متداول في المعجم الماركسي اللينيني كموقف ـ هنا غياب الموقف، تعبيرا عن موقف الحركة الماركسية ـ اللينينية من مقولة النظام ب"مغربية الصحراء"، إنه لدلالة الموقف غير الواضح.
إن عدم التقيد بالتحليل المادي التاريخي، أو عدم القدرة على ذلك، يسقط الكاتب في مثل هذه الهفوات التي لا ترحم صاحبها، حيث عدم المبالاة بالمفاهيم المنسجمة يدل على الفوضى الفكرية وعدم التمكن من المنهج العلمي المادي، ناهيك عن تداعياته على الربط الجدلي للتناقضات المطروحة على مستوى الفهم الطبقي للقضايا المطروحة في هذه الفقرة.
إن قضية الصحراء الغربية قضية استراتيجية في السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري الدموي، في علاقته بالسياسات الاستعمارية للإمبريالية العالمية وليس فقط بفرنسا كما يدعي الكاتب، هذه القضية ليست فقط سببا من أسباب بروز ما سماه الكاتب "الإجماع الوطني" و"المسلسل الديمقراطي" و"السلم الاجتماعي" إنما هي قضية اسمرار استعمار أراضي الشعب الصحراوي، وهي كذلك اسمرار لسياسات الاستعمار القديم بالغرب الأفريقي في ظل الاستعمار الجديد المرتبط باستراتيجية التواجد العسكري الإمبريالي على أرض الصحراء الغربية، وهي كذلك تكتيك مواجهة حركة التحرر الوطني بالصحراء الغربية بأدوات استعمارية جديدة، وهي كذلك مقبرة للضباط الأحرار المغاربة الحالمين بالجمهورية عبر الانقلابات العسكرية، وهي كذلك مقبرة للثوار الصحراويين على النظام الكومبرادوري الدموي، وهي كذلك حجرة عثرة لأي تقدم في اتجاه طريق الثورة المغربية عبر توظيفها ضد كل من سولت له نفسه انتقاد السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري الدموي ...
هي ليست إذن سببا للاختيارات السياسية الليبرالية التبعية المتجلية في ديمقراطية الواجهة عبر المؤسسات المزورة والحكومات الحزبية الإدارية والمعارضة الإصلاحية المزيفة، والشعارات المزيفة المرفوعة هي تعبير عن البنية الفوقية، المنبثقة من بناء أساس اقتصادي تبعي بصيغته الجديدة، التي تطفو على السطح لتمويه الرأي العام بالداخل والخارج وتحريفه عن حقيقة النظام الكومبرادوري الدموي.
أما ما جاء في هذه الفقرة في قول الكاتب :"وإذا كانت بعض فئات من البورجوازية الصغيرة والمتوسطة قد عرفت بعض الاستفادة من الأوضاع (الزيادة في الأجرة، الاستفادة نسبيا من بيع القطاعات المغربة مثل التجارة الصغيرة والمتوسطة). استفادة واكبتها بعض الأوهام المرتبطة بقضية الصحراء، فقد تزايدت وثيرة الاستغلال المكثف للطبقة العاملة (النسيج، المناجم، عمال زراعيون إلخ...) وتنامت بسرعة كبيرة وثيرة البلثرة لفلاحين في اتجاه الهجرة إلى المدن أو الخارج أو تحول إلى عمال زراعيين فوق أراضيهم عموما، عبر "المسلسل الديمقراطي" في مضامينه السياسية والطبقية عن الاستجابة لمقتضيات إعادة الهيكلة داخل الكتلة الطبقية السائدة لصالح الشريحة المهيمنة التي كانت تبحث عن هامش من "الحرية" لصياغة سياسية لمصالحها الاقتصادية. وفي نفس الوقت التقت مصالح الامبريالية مع مصالح هاته الفئات في إيجاد طلاء سياسي لتغطية تصاعد وثيرة الاستغلال المكثف للطبقة العاملة المغربية وارتفاع وثيرة البلترة للفلاحين." إنتهى قول الكاتب، هذا الكلام عبارة عن سرد غير منسجم للمظاهر الناتجة عن السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري الدموي، هذا السرد المسهب الذي لا يفي بالمعنى الطبقي لما يطفو على سطح الواجهة الشكلية في ظل عمق التناقضات داخل الصراعات الطبقية، التي تتبلور في ظل تضارب المصالح وتعارضها بين الطبقات المسيطرة على السلطة : الكومبرادور والملاكون العقاريون الكبار وبقايا الإقطاع وما تقدمه لها البورجوازية الصغيرة الحزبية الإصلاحية والنقابية البيروقراطية من خدمات، وبين الطبقة العاملة والفلاحين الصغار والفقراء بالمدن والبوادي وتعبيراتها السياسية الثورية من اليسار الثوري واليسار الماركسي اللينيني والثوريين الصحراويين، عبر الحركات الاحتجاجية العمالية والفلاحية والشبيبية والحركات الثورية المسلحة لليسار الثوري والمقاتلين الصحراويين.
هذه الصراعات الطبقية التي نتجت عنها أوضاع سياسية اتسمت بالقمع وعنف الدولة الكومبرادورية الدموية إلى حد اضطهاد شعوب مناطق بأكملها كما هو الشأن بالريف والأطلس المتوسط والصحراء الغربية، ليس فقط مناضلو اليسار الثوري واليسار الماركسي اللينيني هم المعنيون بالقمع الشرس للنظام الكومبرادوري الدموي، إنما كذلك عامة الشعب التواقة للثورة المغربية، وخاصة من لهن ولهم علاقة من قريب أو بعيد بالانتفاضات الشعبية الجماهيرية بالمدن والقرى، فكان سفك الدماء هي لغة النظام الكومبرادوري الدموي وليس فقط كما يقول الكاتب :"لقد أبانت الأحداث عن طبيعة وحقيقة هذا المسلسل الطويل القمعي والدموي حيث ساد وتكرس الاستبداد السياسي والاستغلال الفاحش في كل مكان. واكتضت السجون بالمعتقلين السياسيين وضحايا الانتفاضات الشعبية (72، 76، 81، 84، 92) وانتفخت وتضخمت الأجهزة القمعية وتزايد الدور السياسي للداخلية (طبخ الانتخابات، تفقيص الأحزاب السياسية). وقد ساهم التزايد في تضخم أجهزة الدولة في توسيع قاعدة الفئات البيروقراطية للدولة فتنامت وترعرعت المافيات المخزنية." إنتهى قول الكاتب.
إنما دور النظام الكومبرادوري الدموي يتجلى في استمرار السياسات الاستعمارية القديمة بالغرب الأفريقي، عبر استمرار الاستعمار القديم بالصحراء الغربية، عبر استمرار الحرب الاستعمارية الإمبريالية على الشعب الصحراوي، وتوظيف الأسلحة الأمريكية والفرنسية والدعم المالي الخليجي والجيش الكومبرادوري الدموي، من أجل تكوين عسكري مخابراتي في الغرب الأفريقي لتأهيل النظام الكومبرادوري الدموي بالمغرب للعب دور الدركي الأفريقي لكبح جماح الثورة بإفريقيا كما هو الشأن في حرب الزايير، والكونكو حاليا، ومالي ...
أما ما سماه الكاتب :"استراتيجية الأحزاب الإصلاحية وتناقضاتها" فهو لا يخرج عن نطاق تناول أشكال التعبيرات السياسية الإصلاحية من منظور تجزيئي لا يطرح عمق تناقضات هذه الأحزاب التي لا تعبر أصلا عن طبقات محددة بعينها، بقدر ما هي أدوات سياسية سيطرت عليها بيروقراطية حزبية ذات جذور بورجوازية صغيرة تسلقت طبقيا من أجل تقديم خدمات مجانية للنظام الكومبرادوري الدموي وليس كما قال الكاتب :"في ظل تشكيلة اجتماعية استعمارية جديدة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب، تضغط البنية الاقتصادية المتحكم فيها من طرف الرأسمال الامبريالي الكمبرادوري، على الطبقات والفئات الوسطية مما يجعلها تعاني باستمرار من وضعية الضعف والعجز عن تحقيق طموحاتها الطبقية. هذا هو سر تناقضات تعبيراتها السياسية التي تظل تزاوج في عملها السياسي بين الانتظارية كاستراتيجية سياسية واللجوء إلى بعض الضغوطات عن طريق المنظمات الجماهيرية التابعة لها أو عن طريق استغلال أزمات النظام السياسية أو الاقتصادية لطرح مطالبها (بعد 75 انتقل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من المزاوجة بين الانقلابية والكولسة السياسية الإصلاحية مع النظام إلى سياسة الضغط عبر المنظمات الجماهيرية التابعة له ضمن ما يسمى بخط النضال الديمقراطي)." إنتهى قول الكاتب.
فهذه الأحزاب لا تعبر عن طبقات محددة بقدر ما تعبر عن الطموحات الشخصية لقياداتها البيروقراطية التي سرعان ما تنشب بينها صراعات حول المواقع القيادية والسياسية التي تؤهلها للتقرب من السلطة لتقديم خدماتها الانتهازية، ذلك ما يتجلى في الانقسامات والتقسيمات وتفريخ الأحزاب والنقابات التابعة لها باسمرار لكونها منفصلة عن القاعدة الطبقية التي يمكن أن تعبر عنها ومن المفروض أن تمثل مصالحها في أحسن الأحوال، مما يبقيها عرضة لتلاعب النظام الكومبرادوري الدموي بها وتوظيفها حسب تكتيكاته السياسية ضد مصالح الشعب المغربي.
أما قول الكاتب :"وتميزت المرحلة الطويلة الممتدة من السبعينات إلى التسعينات بدخول الحزبين الرئيسيين (حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) مرحلة التحولات البنيوية مست التركيبة الاجتماعية لهذين الحزبين فبرزت وتعززت من داخلهما مصالح جديدة للمنتفعين من "المسلسل الديمقراطي" ابتداء من انتخابات 76-77. وهكذا تحولت الأطر العليا والمتوسطة المنتخبة في البرلمان أو المشاركة أو المترأسة للمجالس البلدية والقروية إلى أنوية صلبة ومتنفذة ومتحكمة في دواليب هاته الأحزاب. وقامت بتوسيع قاعدتها داخل هذين الحزبين من خلال تشجيع الانتهازية والانتفاعية والوصولية وتشكلت عناصر كثيرة همها الأساسي اقتناص الفرص والاغتناء المادي. وتشكلت هاته الأنوية المشكلة للأساس الاجتماعي الطبقي للاتجاه الراغب في الاندماج بالنظام، من عناصر من البورجوازية الكبيرة وملاكون عقاريون، برلمانيون ورؤساء مجالس بلدية أو قروية، أساتذة جامعيون، محامون..." إنتهى قول الكاتب.
إن هذا السرد المسهب هو عبارة تقرير عما يطفو على السطح وهو شكل هذه التعبيرات السياسية الإصلاحية التي تقودها بورجوازية صغيرة انتهازية لا يعدو أن يكون أفق نضالها سوي الوصول إلى بعض المؤسسات التي تخدم المشروع الكومبرادوري، والتي يفتح فيها النظام الكومبرادوري الدموي مجالا لترويدها على الطاعة وتحويلها إلى أدوات لقمع الجماهير بدل خدمتها كما كانت تدعي خلال الحملات الانتخابية، وسرعان ما ينشب بين قياداتها صراعات ثانوية حول المواقع القيادية والسياسية ليتم تفريخ أحزاب فرعية صغيرة تطمح لخدمة المشروع السياسي الطبقي لدولة الكومبرادور وتتصارع من أجل ذلك.
كل ما سيأتي فيما بعد في هذا الفصل لا يعدو أن يكون إلا تكرارا للتقارير الصحفية حول مسارات التناقضات الثانوية داخل الأحزاب الإصلاحية، وفضل الكاتب أن ينهي هذا الفصل بقوله :"فعندما فشل الرهان على ثمن الفوسفاط واللجوء إلى القروض الأجنبية التي أثقلت كاهل الاقتصاد المغربي، ودخول التصميم الثلاثي (التقشف) حيز التنفيذ سنوات 78- 81 وانطلاق النضالات الجماهيرية الشبيبية والعمالية سنة 79، كلها عوامل تبخرت معها أحلام البورجوازية الصغيرة والمتوسطة بدخول المغرب مرحلة جديدة تميزت بانتفاضة البيضاء المجيدة وإعلان النظام الكمبرادوري تطبيق سياسة التقويم الهيكلي فيما بعد." إتنهى قول الكاتب.
هنا يربط الكاتب السياسي بالاقتصادي بشكل فج دون عناء البحث عن حقيقة الوضع الاقتصادي والسياسات الطبقية التي تتحكم فيه في تلك الفترة، وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون غير الاستغلال الشديد للثروات الطبيعية، التي يعتبر الفوسفاط مركزها الأساسي باعتباره أحد المعادن المهمة في ثروات البلاد، خاصة بعد السيطرة على الصحراء الغربية التي تتوفر على احتياطي مهم ساهم إلى جانب مناجم الفوسفاط بالمغرب على ارتياد بلادنا مراتب مهمة على الصعيد العالمي في الإنتاج والتصدير، وليس كما يقول الكاتب :"فعندما فشل الرهان على ثمن الفوسفاط واللجوء إلى القروض الأجنبية التي أثقلت كاهل الاقتصاد المغربي" إنتهى قول الكاتب، خاصة وأنه خلال سنوات السبعينات التي تناولها الكاتب بالتحليل قد عرفت تطورا في مجال تصنيع الفوسفاط وهو وجود اليورنيوم في تكويناته مما جعل منه مادة مهمة في الطاقة، أما سياسة القروض التي تحدث عنها الكاتب إنما هي سياسة استعمارية في ظل الإمبريالية والدولة الاحتكارية وأداة لاستمرار الاستعمار القديم على أشكال استعمارية جديدة وليس "فشل الرهان" كما يدعي الكاتب، أما ما واكب ذلك من سياسات طبقية يسميها الكاتب "تقشف" فما هي إلا نتيجة إفلاس السياسات الاستعمارية الجديدة بالغرب الإقريقي التي أوقعت النظام الكومبرادوري الدموي في وحل حرب الاستنزاف الدموية بالصحراء الغربية، التي أثقلت كاهل الشعب المغربي بالديون لشراء الأسلحة الفتاكة التي دمرت الأرض والإنسان وبالتالي دمرت الاقتصاد الوطني، هذه الحرب الدموية التي بلغت أوجها في هذه الفترة عندما انسحبت موريطانيا منها وبقي النظام الكومبرادوري وحده يواجه نيرانها، مما أرغمه على إعلان حق تقرير مصير الشعب الصحراوي والاستفتاء في بيروبي في 1982 ووقف إطلاق النار في 1991 وفتح باب الحوار مع جبهة البوليزاريو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماء وجه الوسخ بالدماء
".نتناول في الحلقات القادمة ندق وثيقة منظمة إلى الأمام "الثورة في الغرب العربي في المرحلة التاريخية من تصفية الإمبرايالية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire