هل يجب علينا أن نعتقد أن الماركسية متكاملة ؟
لقد أثبت تطور العلوم الطبيعية، أن تخلف الفكر الماركسي ناتج عن عدم قدرة تصورات الماركسيين، على تطوير الماركسية، بعد الاستنتاجات الهائل التي حققها لينين، على مستوى المعرفة، ومحاولة كل من ستالين وماو بلورتها على مستوى الدولة الاشتراكية، التي يتم اليوم تشوبها، عبر الصراع بين المؤيدين لإحدى التجربتين، الروسية والصينية.
ذلك ما يعمق أكثر أخطاء التجربتين، التي يجب تصحيحها، أي الأخطاء، خاصة القول بأن ماو طور الماركسية إلى مستوى أعلى، بدءا بتصحيح النظرة إلى الطبيعة والمجتمع، حيث فلسفة النظرية العلمية المادية، تتناول أعمال العلماء والفلاسفة بالنقد، وتتخذ الإبستمولوجيا طريقا، لتطوير النظرية الماركسية، وكل طفرة في العلوم الطبيعية، تحدث أزمة علمية وجب تعريضها للنقد، في علاقتها بتطوير الماركسية.
كل المعلمين الكبار، الذين عملوا على محاولة تطوير النظرية العلمية المادية : الماركسية، لا يمكن أن يقبلوا أن تقف الماركسية عند نقط جامدة Point Stable، فأعمال ماو قابلة للنقد العلمي المادي، انطلاقا ليس من أخطائها فقط، بل من منطلق انجازاته أيضا، من أجل تطوير ما راكمه هؤلاء المعلمين الكبار على مستوى الممارسة، مما يستوجب اكتشاف ما بأعمالهم من نقط انطلاق لتطوير الماركسية.
ذلك ما نقوم به في هذه المحاولة، من خلال وضع بعض أسس نقد أعمال ماو، وليس "الماوية"، لماذا نقد أعمال ماو ؟ لكون من يسمون أنفسهم "ماويون"، يعملون على تشويه أعمال ماو، مما يستوجب علينا تعريضها للنقد العلمي المادي، على ضوء علم الماركسية، في علاقته بتطور العلوم الطبيعية.
إن ما يميز الماركسية عن الفلسفة البرجوازية، التي اتخذت أسماء متعددة من قبيل الحداثية وما بعد الحداثة، هو نقل القوانين العامة من الطبيعة إلى المجتمع، وتناول استنتاجات العلوم الطبيعية بالنقد، خاصة خلال أزماتها، عند كل طفرة علمية، مما يعطي للماركسية إمكانية التطور، عبر نقد كل طفرة في العلوم الطبيعية : نحو التطور، عبر اكتشاف مضامينها المادية، ونزع مضامينها المثالية، التي تشوب الفكر البرجوازي، نقدا علميا ماديا، ذلك ما فشل ماو في تقديمه في عصر الإمبريالية، الذي وضع لينين أسسه المادية، ولم يستطع إتمام ما حققه لينين في هذا المجال، رغم أنه قام ببلورة بعض اكتشافات لينين في هذا المجال السياسي والتزيمي، وأخفق في المجال المعرفي.
وحتى نقف على حقيقة أعمال ماو المعرفية، ونعطيها حق قدرها، يجب علينا دراسة أعمال لينين القيمة، ومواجهتها بالنقد المادي العلمي، في علاقته بالإبستمولوجيا، عبر المعرفة الجيدة لما حصل في العلوم الطبيعية من تطور هائل، الذي أذهل الفلاسفة البرجوازيين وانساقوا في التطبيل الأعماء للرأسمالية، ولم يقم أحد من الفلاسفة الماديين، بتناول هذه الطفرة العلمية بالنقد العلمي المادي، مما يطرح علينا اليوم هذه المهمة.
لقد قام الكاتب سلامة كيلة في تقديمه لكتاب "في التناقض" لماو تسي تونغ، بتضخيم حجم هذا الكتاب إلى حد نفي أعمال لينين وستالين الفلسفية وتعويضها بأقول لينين، وقد تناولنا أقواله هذه بالنقد في مقالات أخر، وسنتناول هنا تأثير ذلك على الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، حيث خلقت ادعاءات "الماويين" حول تطوير ماو للماركسية على جميع المستويات، تشويشا في الحركة، كما يفعل أصحاب موقع 30 غشت، الذين يريدون تكييف الإرث الثوري لمنظمة إلى الأمام، قبل استشهاد الشهيد عبد اللطيف زروال : المنظور الثوري لمنظمة إلى الأمام، وإدماجه بشكل تعسفي فيما يسمونه "الماوية"، الذي أكده هذا الفريق بعد إصدار ما سمي "بيان حول طبيعة الثورة، الجبهة والحزب في خط منظمة -إلى الأمام- الثوري"، فأصبح من الواجب علينا دحض هذه الادعاءات التي يمكن تصنيفها في خانة التحريفية.
إن مقولة "الماويين" : "هل الواحد ينقسم إلى اثنان أم اثنان يندمجان في واحد؟"، فهي مقولة مشوبة بكثير من التشويش، حيث لم يفهموا معنى الواحد ينقسم إلى اثنين، الذي يعارضونه باثنان يندمجان في واحد، وهم يقومون بقلب الجدل، دون وعي ولا علم، ويتكلمون عن الوحدة في ظل التناقض وأن الواحد يشمل متناقضان أساسيان، بينما هذين الاثنين كليهما يشكلان وحدة في ظل التناقض بين جزأي الواحد.
ويدعون أن ذلك من اكتشافات ماو، التي يسمونها أعلى مستوى في تطوير الديالكتيك الماركسي.
أما على مستوى المجتمع البشري، على مستوى الحزب الثوري، والذي يهمنا هنا، فإن الواحد لا يعطينا دائما اثنان، ففي كل تنظيم يجمع البشر، يوجد التناقض، هذا هو قانون التناقض، الصراع بين قوتين داخل الحزب الثوري مثلا، بين الثورية والانتهازية، فلما يتقوى الجناح الانتهازي، يمكن أن يحدث تقسيم الواحد إلى اثنان، فتقود الانتهازية الحزب من الثورية إلى التحريفية، كما وقع في الحزبين الشيوعيين السوفييتي والصيني، ويعيش ثوريو الحزب في شتات، كما وقع كذلك في منظمة إلى الأمام،
ويمكن اندماج اثنان أو أكثر في واحد، كما وقع في الأممية الشيوعية، وكذلك على مستوى اندماج عدة شعوب في دولة الاتحاد السوفييتي الاشتراكية، التي انقسمت فيما بعد إلى عدة دول رأسمالية، وتقسيم الحزب الشيوعي السوفييتي إلى عدة أحزاب وتنظيمات، بعد انتصار الانتهازية على الثورية، وبقي الحزب الشيوعي الصيني في وحدة، لكن بقيادة الانتهازية نحو التحريفية.
وهنا، يكمن دور قانون النفي ونفي النفي، الذي يحدد مسار التناقض، في ظل الصراع، في ظل الوحدة، في سيرورة عملية التراكم الكمي، التي تعطي التراكم الكيفي، وتحدث القفزة النوعية، بالنفي أو نفي النفي، إلى الأمام أو إلى الخلف.
ففي حالة الحزب الثوري، كما في حالة الدولة الاشتراكية، يتم الصراع، في ظل النفي ونفي النفي، بين الطرفين المتصارعين، في سيرورة التراكم الكمي، الذي يعطى التراكم الكيفي، في حالة انتصار طرف على طرف آخر، فيحدث الانقسام، ويتولد تناقض جديد، في كلي الجسمين، القديم والجديد، في صراع داخلي بكلي الجسمين، في التناقض بين طرفي الصراع، وفي صراع بينهما، قد يفضي إلى استمرار التناقض بينهما، أو العكس، فتحدث الوحدة من جديد بينهما، في اندماج اثنين في واحد، وهكذا، في ظل عملية النسبية، التي تحكم الحركة.
وما دفعهم إلى الافتراء على ماو، هو كونهم يجهلون الديالكتيك الماركسي عند لينين، وهم يسعون للاختلاف في الحركة الماركسية ـ اللينينية، بإضافة كلمة "الماوية"، معتقدين أنهم طوروا الماركسية اللينينية، فينعتون الماركسيين اللينينيين بالتحريفية، وهم يجهلون استنتاجات لينين، التي استنتجها عبر نقده للمذهب النقدي التجريبي.
فكيف يمكن ترجمة الديالكتيك من الطبيعة إلى المجتمع، من العلوم الطبيعية إلى العلوم الاجتماعية ؟ في تطور العلوم الطبيعية واستنتاجاتها الهائلة على مستوى الذرة والإشعاع الهائل الذي ينتجه انفجار القنبلة النووية والهيدروجينية ؟ في المجتمعات البسيطة، المضطهدة، مجتمعات العمال والفلاحين، حتى تنتج قوة هائلة ؟ قوة ثورية ؟
فلسفيا، يمكن أن نقول أن استراتيجية الحروب قد تغييرت، لكن ماو لم يستطع الإجابة عن هذا السؤال، لكون الأحداث العلمية في تسارع هائل في الغرب الإمبريالي، بينما الثورة الاشتراكية في الشرق تسعى إلى الوصول إلى مستوى السبق العلمي، الذي وصل إليه الغرب، لكن دون ربط ذلك بتطوير الديالكتيك الماركسي، على مستوى المعرفية : النقد الفلسفي في علاقته بالإبستمولوحيا.
هنا توقف تطوير الديالكتيك الماركسي عند لينين، ولم يستطع ماو تحقيق إضافات علمية مادية في هذا المستوى، نطرا لتخلف الأساس المادي للثورة الصينية، فاكتفى بالاشتغال بتحقيق مكاسب علمية مادية محضة، من قبيل الانخراط في التسلح، والتوازنات السياسية في المنابر الرأسمالية الإمبريالية، بالأمم المتحدة، والصراعات الهامشية مع الانتهازية الروسية، مما أفضى إلى سقوط التجربتين الصينية والروسية.
لا يعني امتلاك القنبلة النووية، تطور المجتمع الصيني، إلى حد مستوى تطور العلوم الطبيعية، خاصة علوم الفيزياء الذرية، فكيف يمكن ترجمة تطور العلوم الطبيعية إلى علوم الاجتماع ؟
يمكن ذلك طبعا، عبر الماركسية، عبر الديالكتيك الماركسي، الذي طوره لينين إلى مستوى عال، المذهب الماركسي اللينيني، ليس عبر تلقينه للمناضلين، إنما عبر كيفية جعله منهجا للتفكير، في علاقته بتطوير القوى المنتجة، ذات الصفة الثورية، لتحطيم علاقات الإنتاج القديمة، من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وإلى الهدف الأسمى : الشيوعية.
وللمزيد من كشف الخلط الذي وقع فيه أصحابنا "الماويين"، والناتج عن منطلقاتهم المثالية الذاتية حول المستوى الأعلى في الديالكتيك، والذي من خلاله يحملون فكر ماو ما لا طاقة له به، محاولين تفسير التناقض بين ماو وخروتشوف بالصراع الفلسفي في قولهم :
"...«التحليل يتلخص في العبارة “الواحد ينقسم إلى اثنان”، بينما التركيب يعني السيرورة التي تؤدي إلى أن “اثنان يندمجان في واحد”». للتأكيد أن الصراع ضد التحريفية يجري سواء داخل الصين أو على الصعيد العالمي، دحض ماو بشدة هذه الأطروحة. وأعاد التأكيد إذن على أن:« كل الأشياء، كل الظواهر تستجيب لمبدأ “الواحد ينقسم إلى اثنان”» :«في المجتمع البشري كما في الطبيعة الكل ينقسم دائما إلى أجزاء، فقط المضمون والشكل يتغير حسب الظروف.» («مداخلة في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول عمل الدعاية.»، المؤلفات المختارة، الجزء الخامس، طبعات اللغات الأجنبية، بيكين،ص.470 ) أثناء الثورة الثقافية".
والمقولة : "في المجتمع البشري كما في الطبيعة الكل ينقسم دائما إلى أجزاء"، التي جاءت بشكل قطعي ومطلقة، غير صحيحة، ومتناقضة مع الديالكتيك الماركسي، في وجود النسبية في كل شيء.
وفي الطبيعة، في مستوى البيولوجيا، على مستوى الخلية، بعد نشوء المادة الحيوية، لا ينقسم دائما الواحد إلى اثنان، فأصغر كائن يتكون من خلية واحد La Paramécie، مازال يعيش إلى اليوم منذ ملايير السنين، عملية التقسيم لديها تتم عبر : الواحد يعطي اثنان ولا ينقسم إلى اثنان، هذا الجسم ذو الخلية الوحيدة يعطي دائما نفس خلية، في عملية تسمى La méiose، وهذه العملية موجودة في جميع الأجسام الحيوية، على مستوى الخلايا الخاصة بالتوالد، عند الذكور والإناث، بينما باقي الخلايا تنقسم إلى عدة خلايا أخرى الخاصة بتكوين مختلف الأعضاء، في عملية تسمى La mitose، وفي كلي العمليتين لدى الإنسان والحيوان، لا تنقسم الخلية إلى أجزاء، بل تنقسم الخلية، فتعطي خلايا بنات، حفيدات...إلخ.
ففي عملية التوالد، اندماج خليتي التوالد الذكورية والأنثوية، تعطي في غالب الأحيان واحد، إنسان واحد، حيوان واحد، وفي عملية التوالد هذه، تتم عملية La méiose، على مستوى خلايا التوالد، وعملية La mitose، على مستوى خلايا الأعضاء المختلفة، وفي بعض الحالات الخاصة، اندماج عدة خلايا ذكورية مع خلية أنثوية واحدة، يعطي عدة أجسام : توأمان أو أكثر.
وكما قلنا في مقالات سابقة، يوجد في مقولات ماو، في مجال الديالكتيك الماركسي، أخطاء، نظرا لعدم إلمامه بالعلوم الطبيعية، والإبستمولوجيا، وفلسفة العلوم، وبذلك لا يمكن أن ننعت أعماله، في هذا المجال، بالمستوى العالي.
وفي علوم البيولوجية أيضا، في علاقتها بتطور الفيزياء، طور العلماء الطبيعيون جزءا قليلا جدا، من وظائف مخ الإنسان، عبر ما يسمى المعلومية Informatique، وتطبيقها في الصناعة، وبدأ ذلك في الثلاثينات من القرن 20، تزامنا مع نشاط ماو الفكري في مجال تنظيم العمال والفلاحين، الذي ختمه بوضع كتاب "في التناقض"، ولم يستوعب التطور في هذا المجال، لكون هذه العلوم تحظى بالسرية التامة، من طرف المخابرات العسكرية الأمريكية، وحقق هذا العلم طفرة نوعية بعد نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية، وقيادة أمريكا للإمبريالية.
وانخرط الاتحاد السوفييتي والصين في السباق نحو التسلح، بعد تفجير القنبلة النووية باليابان، معتقدين أن امتلاك السلاح النووي يحمي المجتمعات الاشتراكية، وانصهرا معا فيما يسمى الحرب الباردة، والانخراط في التوازنات السياسية العالمية، في ظل الصراع الهامشي بينهما، نظرا لجهل المفكرين بهذين البلدين باستنتاجات لينين حول الإمبريالية، وأهمية النقد العلمي المادي للعلوم الطبيعية، من أجل تسخيرها لصالح البشرية، وتطوير الفكر الماركسي، مما نتج عنه عدم تطوير النقد العلمي المادي، تطوير الماركسية.
وأكد علم التشريح بوجود تناقض عميق في وظائف جزأي المخ، حيث أن الجزء الأيمن يحتوي على مراكز مسائل الخيال، والجزء الأيسر على مسائل المنطق، ويتكامل التفاعل والتناقض بين الجزأين عبر التناوب في القيام بهذه الوظائف بشكل فعال، في أرقى أشكال الدقة وفي أقل جزيء في المئة من الثانية، حسب طلب حل نوعية الإشكالية المطروحة عليه، وبقدر تعقد عملية اشتغال المخ بقدر ما يسهل التحكم فيه بقدر كبير من الدقة، عبر التدريب على تسييره والتحكم في وظائفه، لكن ذلك يتطلب طبعا وقتا طويلا ومعرفة بمكونات مراكزه العليا.
وقد أثبت علم الوراثة أن الطفل ينمو حاملا معه كل أشكال الصفات الوراثة، التي تطبعها الممارسات العدوانية من جهة، ونقيضها من جهة ثانية، بعد تشكل العائلة التي تحدث إنجلس عن تأثيرها في الملكية الخاصة ونشأة الدولة، بعد نمو نزعة التحيز لدى الفرد، لجماعته ومجتمعه، الذي لا يمكن أن يتخلص منه، إلا عندما يكتمل لديه الوعي بوجوده، مستقلا عن الجماعة والمجتمع، وهنا يمكن أن يبدأ في الشروع في التخلص من أنانيته، والتفكير الفردي، عندما تكتمل الشروط الذاتية والموضوعية، ذلك ما قام به ماركس ورفيقه إنجلس، وشرعوا في التفكير في تغيير العالم، وتشكل معرفة العلوم الطبيعية إحدى أهم الوسائل الضرورية، لتعميق المعرفة الذاتية في علاقتها بالمادة :
ـ في علاقة الذات الداخلية للشخص، الحامل للمخ بذاته، في تناقضه الداخلي كمادة، في علاقتها بالأحاسيس، عبر العلاقة بالمراكز العليا المتحكمة في وظائف أعضاء الجسم، من أبسطها إلى أعقدها.
ـ في علاقة الذات الحاملة للمخ بالمادة، الواقع الموضوعي، في التناقض الذي يحكم علاقته بالطبيعة والمجتمع.
من البسيط إلى المعقد، في المعرفة بمكانيزمات المادة والحركة، في الأشكال ذات أبعاد منحى العالم اللامتناهي الصغير Karks، وفي منحى العالم اللامتناهي الكبير Kasars، في السفر بعيدا في الزمان الكوني، الذي يقاس بسرعة الضوء : 150000 كلم في الثانية، في تفعيل المركز الأعلى في المخ، الذي يحتوي على النسخة الأصلية لنشأة عالم المادة الحيوية، وتطورها، عبر تاريخ الفكر الإنساني : الذكاء، في تراكمه الكمي، في علاقته بتحولات تراكمه الكيفي، المتحكمة في تعبيراته الوظيفية : العبقرية، منذ نشأته الأولى، تطور المادة الحيوية لدى الإنسان : الذكاء، الذي يمكن أن يتحول إلى العبقرية في الإبداع، منذ 7 ملايين سنة، من وجوده، بعد تشكل عالم المادة الحيوية قبل 7 ملايير سنة الأخيرة، من تكون الكون منذ 14 مليار سنة.
هكذا يمكن السفر بعيدا، عبر الزمان الكوني، الذي يقاس بالسنوت الضوئية، وليس بالضرورة أن يصل كل شخص إلى هذا المستوى، ولن يصل إليه دفعة واحدة، إلا لما يستطيع ممارسة رياضة المخ البشري: تفعيل العبقرية، حيث العبقرية ليست معطى مسبق، بل هي ملكة يمكن التحكم فيها، وتطويرها، كل حسب مستوى معرفته، قدراته وإمكانياته، وقلة قليلة من المفكرين والفلاسفة والعلماء، الذين يستطيعون الوصول إدراك وجود هذا المستوى، التقرب منه، أكثر ما يمكن، ملامسته، بملامسة المركز الأعلى في المخ البشري، الذي يضم تاريخ نشأة المادية الحيوية، وتطورها، بعد نشأة الذكاء لدى الإنسان.
كل ما قام به العلماء في مجال العلوم الطبيعية خلال قرن من الزمان، بعد الحرب الإمبريالية العالمية الأولى، هو نقل جزء قليل من قوانين اشتغال المخ البشري، من الطبيعة أي المخ كمادة، عبر العلوم البيولوجية في علاقتها بالفيزياء، والتحكم فيها صناعيا، فيما بات يسمى الذكاء الاصطناعي : الكومبيوتر والهواتف النقالة، مما طور العلوم الطبيعية وأحدث طرفة علمية هائلة، عبر تطور سرعة اشتغال ذلك الجزء، بدءا باستثمار مركز المنطق في الدماغ، بالجزء الأيسر في مخ الإنسان، الاشتغال بما يسمى في الحواسب التقليدية 0 ـ 1، وإحداث طفرة نوعية هائل اليوم، عبر صناعة الحواسب الذكية، عبر تطوير مكونات الحواسب التقليدية، عبر علم الكوانتوم، في اتجاه منحى العالم اللامتناهي الصغير، علم الفيزياء الذرية في مستواها العميق، وإدخالها في الصناعة الإلكترونية.
هذه الطفرة العلمية، التي عملت على تقريب المسافات الضوئية، في علم الفيزياء الفضائية، في منحى العالم اللامتناهي الكبير، لاكتشاف امتدادات الفضاء، واستعمالاتها في علم البيولوجيا، عبر السفر بعيد في مستوى العالم اللامتناهي الصغير في المادة الحيوية، في اكتشاف الجينات المنحى اللامتناهي الصغير، واكتشاف المجرات المنحى اللامتناهي الكبير.
يعتبر ما احدثته طفرة الحواسب الذكية، قفزة نوعية في ثورة العلوم الطبيعية، خاصة في مجال البيولوجيا، عبر التحكم في جزيئات المادة الحيوية ADN و ARN، مما أحدث ثورة هائل في علم الوراثة، وصناعة الجينات، وتعديلها، أقصاها في مجال الفيروسات والبكتيريا، مما مكن علماء البيولوجيا الجينية، والفيزياء النووية، من الغوص في عالم الميكروـ فيزيولوجي والميكروـ جيني، عالم يحمل تناقضا خطيرا، في اتجاه إسعاد البشرية، وفي اتجاه القضاء على الجنس البشري، ذلك ما طرح اليوم، في أجندات مصير البشرية.
من هنا تأتي أهمية الوقاية الذاتية، في ظل حرب جرثومية فتاكة، تضرب الإنسان ماديا ومعنوا، خاصة العمال والفلاحين المضطهدين، الذين يحتاجون اليوم لإسعاف من نوع آخر، أكثر رقيا مما عهدناه في الحروب التقليدية، التي تظهر فيها المعارك، بالعين المجردة، ولا يمكن أن يكون هذا الإسعاف إلا بتقوية الثقة بالذات، وذلك عبر فهم علاقة الذات بالموضوع، هذه الذات المريضة طبعا، ولا شك في ذلك، ماديا ومعنويا، مما يتطلب رفع الحجر عنها، رفع قمع إرادة الشعوب في الحرية، عبر محاربة جميع أشكال ترهيب الشعوب، وتخويفهم وحجب الحقيقة عنهم، حقيقة قدرتهم على مواجهة هذه الجائحة، التي يتم تغذيتها يوما عن يوم، من أجل أهداف سياسية.
لقد عملت الشعوب الأسيوية في ثقافاتها التقليدية، على التحكم في بعض وظائف المخ البشري، في مستوى معين، عبر رياضة التنفس والاسترخاء، فيما يسمى اليوغا، التي يمكن لأي شخص منا ممارستها، رياضة التحكم في المخ البشري، لكن عندما تتوفر شروط معينة، لا تقل أهمية من الرياضة بحد ذاتها، وأهمها صفاء الذات الحاملة لهذا المخ.
ويتجلى ذلك في التدريب على خلو الذات ما أمكن، من كل ما يمكن أن يلحق أداء بالآخرين، مع السيطرة على الاتجاه المتناقض له، ونزع العدوانية من الذات البشرية، كما فعل ماركس وإنكلز، اللذان تخليا عن مصالحهما الذاتية، وربطا كل مصالحهما بمصالح المضطهدين في العالم، وسافرا بعيدا في الزمان، واستنكرا الثقافة السائدة في المجتمع الرأسمالي، وترسبات تاريخية تراكمية طبعت الإنسان، التي أصبحت جزءا من طباعه، التي يورثها الآباء للأجيال القادمة، وهي ذات منحى عدواني تخريبي، وجاءت الرأسمالية لتركيزها، وأسست على أنقاضها مشروعها التدميري، عبر خاصيتين أساسيتين : الاستعمار والحرب.
إن أزمة كوفيد 19، تندرج ضمن أزمة الرأسمالية، نقلها من الطبيعة إلى المجتمع، حيث عمل العلماء الطبيعيون البرجوازيون، خدام الاحتكارين الاقتصادين والسياسيين، الذين يخافون على فقدان مصالحهم، كما يفعلون في كل الأزمات والحروب، على نشر الإشاعات حول طبيعة هذا الفيروس، الغاية منها التحكم في الرأي العام العالمي، وتوجيهه لصالحهم، من أجل الوصول إلى أهدافهم الحقيقية، والتي لا تبتعد كثيرا عن إعادة هيكلة الرأسمال المالي الإمبريالي، فتراهم تارة يتخاصمون ويهاجم بعضهم بعضا، وتارة يتفقون ويتعاونون، وعلى رأسهم أمريكا والصين، دون أن يصل التناقض بينهم حد التناحر، بعد تورطهم في الحرب ضد الشعوب، باحثين عن الحلول الممكنة، للخروج من أزمتهم التي ورطوا فيها الشعوب، ولو على حساب إبادة مئات الملايين من البشر، بلا شفقة ولا رحمة.
إن أخطر ما يهدد البشرية اليوم، الشعوب عامة، بعد مرور من مرحلة تسخير الثورة المعلوماتية، في علم البيولوجيا في علاقتها بالفيزياء النووية، في تدمير تاريخ اتطور الوراثة الجينية الطبيعية، في عالم الحيوانات والنباتات، وتلويث تاريخ الوراثة الجينية لدى الإنسان، عن طريق الأغذية المعدلة جينيا، الحيوانية والنباتية، وتدمير النظام المناعي للإنسان، وربطه بالأدوية واللقاحات، التي بدونها لا يمكن أن يعيش، وفي مرحلة ثالثة أخيرة خطيرة، وهي دمج علم الميكرو ـ فيزياء بالميكرو ـ جينية، من أجل التحكم في الشعوب، عبر تلقيحهم بمزيج من الفيروسات تحمل مادة ميكرو ـ إلكترونية، مادة تمتزج بالدم عبر اللقاح، يمكن عبرها للمخابرات، ترصد كل شخص، بعدما تم تحديد جيناته، وترقيمه، عبر عملية التلقيح.
إنه الجيل الثالث من الحرب الإلكترونية، من طرف مخابرات الدول الإمبريالية على السياسيين والنشطاء الحقوقيين والنقابيين، الأول تم بالتجسس عبر التلفاز والحاسوب، والثاني عبر تسليط الأشعة على الشخص المتابع، وآخرها إدماج شفرة ميكرو ـ إلكترونية، عبارة عن مادة لزجة، في دمه عبر التلقيح القسري، ذلك ما تخطط له الإمبريالية، لتنهي به أسطورة كوفيد 19.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire